تجذبنى ملامحهم بشدة .. وتتسمر عيناى على وجوههم الجميلة .. لا أريدها أن تبتعد عنهم لحظة .. فهى أروع ما يمكن أن تحتويه الجفون .. ما أجملهم .. ما أروع ابتسامتهم التى تذهب بعقلى .. وتجعلنى اندفع ورائهم أينما ذهبوا .. ألاحقهم بنظراتى .. وأرسم الابتسامات على وجهى من أجلهم .. تلك الكائنات الصغيرة الملائكية .. تلك العيون الصافية التى لا تعرف التلون بالخداع .. والابتسامة المشرقة التى لا تعكر صفوها ضغينة .. يرسمون البهجة فى كل مكان ويلونونه بألوان السعادة .. يأسرون قلبى ببرائتهم التى أعشقها .. ولا أجد للحياة طعما بدونهم .. تتكدس جدران غرفتى بصورهم الجميلة .. ألقى عليهم التحية كل صباح عندما تلامس عيناى ملامحهم الجميلة فوق الجدار .. وفى الطريق إلى عملى أتشاغل بهم عن زحام الطريق وحرارة الجو الخانقة ووجوه الكبار العابسة .. أفر إليهم فألقى بعينى التحية لذاك الطفل الجميل فى عربته الصغيرة .. وأشير بيدى للجميلة الصغيرة ذات الضفائر الذهبية .. وابادل آخر ابتسامته المشرقة وهو محمول على كتف والده .. وأذهب عبر عينيه الجميلتين إلى عالمه الصغير الساحر .. وأغيب للحظات عن عالمى ولا أفيق إلا على ابتسامة لزجة من والده أو نظرة متوعدة من والدته التى أخطأت فهمى بالتأكيد .. فأسارع بالهرب قبل أن أختلق لنفسى المشاكل .. فمن ذا الذى سيصدق أننى أوزع الابتسامات على تلك الكائنات الصغيرة .. والتى قد لا ينتبهون لوجودها وهم فى عجلة من أمرهم .. فهذا يلاحق الحافلة حتى يلحق بعمله .. وهذه مشغولة بما ستشتريه اليوم .. وآخر يسابق الوقت ليلحق بموعده .. يالحياتكم البائسة المرهقة لكم أتمنى لو تنازلت عنها لأبقى للأبد مع ملائكتى الصغار .. فى عالمهم الرائع الجميل .. تنهدت فى نفسى وأكملت الطريق قبل أن تتجمد قدمى على الأرض وتتسع عيناى بشدة وأنا أتابع ذلك الطفل الصغير الذى لا يتجاوز العامين من عمره وهو ملطخ بالدماء التى أغرقت يديه وجزء من وجهه ووجدت والده يجذبه من يده فى قسوة ويبدو كما لوكان يتشاجر معه .. انتفض قلبى بقوة .. ولم أقو على مشاهدة حبيبى الصغير وهو يبكى .. كيف يجرؤ ذلك الأب الغليظ القلب .. ووجدت قدماى تندفع نحو الطفل الصغير وجذبته من بين يدى والده وأنا أصرخ به .. "يالك من بشع كيف تجرؤ على فعل هذا به أليس لك قلب" .. واحتضنت الصغير وأنا أربت على ظهره .. ثم تذكرت الدماء التى كانت تلطخه .. فمسحت وجهه بيدى فى جزع و ......... عجبا هذه الدماء تبدو لزجة .. ورائحتها أيضا .. رفعت يدى بتلقائية إلى فمى وتذوقتها .. وذابت الحبيبات السكرية فى فمى وبللت ريقى الذى جف خجلا من الأب الذى وقف عاقدا ساعديه أمامى بعدما إكتشفت أن تلك الدماء لم تكن سوى دفقات من مربى الفراولة التى أعشقها وربما كان يشاطرنى هذا الصغير عشقها وقام بتلطيخ وجهه ويديه بها وكان والده يوبخه على ذلك .. انكسرت عيناى خجلا وأنا أعتذر لوالده عن تصرفى وحاولت شرح موقفى له قبل أن يقاطعنى بإشارة من يده إلى ملابسى .. نظرت حيث أشار واصطدمت عيناى ببقع المربى التى تلطخ ملابسى .. لقد دُمر ثوبى الجديد تماما .. كيف سأذهب لعملى إذن؟ .. شعرت بالندم لتصرفى المتسرع الأحمق .. ونظرت للصغير الذى كان يضحك بسعادة ويشير بيده الصغيرة نحوى معبرا بلهجته الطفولية عن كونه ليس الوحيد صاحب الثياب الملطخة بالمربى .. وتحولت نوبة غيظى إلى موجات من السعادة وأنا أشاركه ضحكاته الصافية فقد شعرت للمرة الأولى أننى انتمى بالفعل إلى عالمهم ...