- لم تنامي بعد؟
- لقد وعدت بالمجيء ؟
- الوقت متأخر جدا ..أي أرق تعانين ؟
- قلت لك ..لماذا لم تحضر ؟
- لأني....؟؟؟؟؟؟
الشمس أيضا كانت قلقة في صفحة السماء ..الحديقة وباقة الورد التي أنتقيتها ..المقعد الخشبي الفارغ ..الأطفال الراكضين خلف الفراشات الحالمة ..الضحكات المهووسة تملأ الأجواء ..الحمامات تفر في جنون من أقدام الصغار العابثين ..
وحدي في الخلاء
وحدي في العراء
وحده لم يأت..
وحدتي تنثرني..تقرر لاجدوى بقائي ..بفيض من الوحشة والغربة التي تبعثرني ..تشرّدني على مرافئ الغياب ..
- آسف كنت مشغولا
- لم تعتذر حتى ..عن الغياب ..
أي قدر للحمامات المطاردة ؟ ..أي قدر للفراشات وللشمس التي تفاجئها أشباح الغيم في مساءات البرد ؟..أي فجيعة للشمس حينما تجافيها العيون فلا تراها و لا ترغب في الرحيل إليها ؟
- قلت لك انشغلت عن الموعد ..لم انتبه للوقت
الوقت ..الوقت ..الوقت
حينما تتعلق أجمل الأشياء بعقارب ساعة سمجة تحدّدها ..ترسم جميع تفاصيلها ..في سأم وملل كبيرين
الحمامات فزعة لا تنوي هديلا ..الشمس تراقب خطوها في زحفها نحو المغيب ..المقعد الخشبي يوشم فعل الغياب ..الأطفال أتعبهم الركض وما عادت الفراشات نهمة للعطر والسفر في فضاءات الزهر والجنان ..
- فهمت لماذا لم تحضر
- أريدك أن تفهميني فقط
أجل أفهمك ..مذ أمطر حضورك بزمني الأجدب ..أفهمك واختلق لك ما تيسر من مبررات اللاحضور ..لم نلتق منذ شهور مرت متباطئة بقلبي ..بخافقي ..
المكان نفسه ..المقعد الخشبي الذي امتلأ بك ..عطر حكاويك ..سجائرك التي ضعت كثيرا في حلقات دخانها ..الساعة التي ظلت تئد بحرقة حكاوي الطفلة الصغيرة في صدري ..كلما نظرت إليها متعللا بضيق الوقت والمواعيد و..و
أجل أعي
وكل الوجوه تناثرت من حولي ..ما عدت أراها ..لكني أيضا ما عدت أراك ..الشمس تجر الخطى نحو شرفات غير عيوني ..الحمامات تبحث عن متسع لا يحمل فوضى الأقدام ..والفراشات نامت / هكذا فسرت غيابها الطفلة الحالمة في داخلي ..
ولا شيء غير المقعد الذي يواجهني ..يجابهني ..يصادق على وجع الانتظار الذي يتجدد في اللحظة مليون مرة .
أجل أعي
أدرك كومة الأحزان واللهب التي تتمرغ بالصدر هاهنا ..
كان علي ّ أن أعي ..أني أترقب وهما آخر بعمري ..و الوهم حكاية مذهلة.
المكان يضيق بي ..جسد بدرع حديدي قاس في فصل صيف ..أو عار في فصل برد تصرخ السياط النازلة عليه في لعنة ،،ما استشاره أحد في تصويبها
قالت الجدة ذات مساء سربت فيه ملحا على الجرح الذي ظل يعوي ..حينما قرأت بحزني خيبة الوهم الأول " من مات لا يهمه أن يعرف إن حملته الأكتاف ..أو التهمه سمك البحر ..أو تطاير شظايا في سماءات انفجار ما "
تظل ترن العبارة في الداخل ..اضغط على الشفتين في امتعاض وغبن كبيرين ..شيء ما يشردني بهذا الكون دون عينيه ..استعيد اللحظات وحلقات دخان السجائر و أعدائي / عقارب الساعة / الذين جابهتهم كثيرا وانتصروا في خيبتي والورود التي اعتراها الذبول..
تتكوم في عيون المساء أسئلة الصمت الصارخ بداخلي ..لكن المساء لا يسمعني
كفّاه ...من يدرك لذة السفر في كفيه ..تظلان الألفة الممتدة إلى أقاصي الروح .
كفّاه .. من يقدر على ترك جنتيهما ..إنهما أرصفتي ومنفاي الجميل وسماءاتي و أنواري و نجومي الأرقة
كفّاه ..لعلي أعي حجم دفئهما ..إنهما الخرافة الوحيدة التي ما كان علي أن أصدق
في اللحظة التي تغيب الأصوات فيها عن أسلاك هاتف منتصف الليل ..تظل بقايا الورد وحيدة ..الليل يغشى الحديقة ..الشمس فرّت تبحث عن مرافئ لها وعلى المقعد الفارغ ربما تنام الحمامات التي أتعبها ركض الصغار .
الفراشة روت للوردة في ملل قالت " إن ساءك الشوق إلي ..دعيك مني ولا تعتذري "
هكذا ظلت تروي القوافل التي مرت من هناك ومن هنا
( سبق للقصة ان نشرت في مواقع اخرى ..و في صحيفة الاحرار الجزائرية )