بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله الذي خص الأمة المحمدية بخصائص كبرى ومحاسن عظمى، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له في الآخرة والأولى، وأشهد أنّ نبيّنا
محمّدًا عبده ورسوله النبي المجتبى والعبد المصطفى، فتح الله به أعينًا عميًا
وقلوبًا غلفًا وآذانًا صمًا، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه أولي الإخلاص والتقوى.
أمّا بعد:
أحبتي في الله نحن بأيدينا سلاح ولو انه غير مستخدم صحيح لكن نذكر به الاحبة في الله وهو الدعاء لنا ولكل مسلم بالثبات وحسن التصرف والخوف من العقاب والالحاح في طلب الثواب من رب العباد والدعاء فعله عظيم لامره تبارك وتعالي حين امرنا به في محكم التنزيل اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..
قال ربكم ادعوني استجب لكم .. الآية
واليكم هذه الخطبة القيمة علها تفي بالغرض والله اسأله النفع والفائدة لنا جميعا وخاصة ونحن في شهر فضيل تقبل اللهم منا ومنكم الصيام والقيام وسائر صالح الاعمال..
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن من عظيم ألطاف الله سبحانه وتعالى أنه جعل الدعاء جزءاً من العبادة، وجزءاً عظيماً من التقرب إليه، أي جعل استجداء العبد من الرب عبادة من العبادات التي يستحق عليها الأجر من الله سبحانه وتعالى. ولا أَدَلَّ على لطف الله بعباده من أن يجعل استجداءهم منه عبادة يتقربون بها إليه فيستحقون بها الأجر. ومن ثم سمى الله سبحانه وتعالى الدعاء عبادة وذلك في مثل قوله: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} [غافر: 40/60] فَعَدَّ الدعاء؛ أي: الاستجداء؛ أي: طلبَ العبد من ربه أي شأن من شؤونه، عبادة من العبادات التي يَتَقَرَّب بها إلى الله ومن ثم يستحق العبد عليها الأجر العظيم.
والدعاء من أهون الطاعات ومن أخف القربات على كيان الإنسان، لا تكلفه مغرماً، ولا تُحَمِّله ثِقْلاً، بل إنه يمارس في ذلك حظ نفسه. فالذي يدعو الله عز وجل يطلب منه أن يحقق له شؤونه، ربما كانت شؤوناً دنيوية وربما كانت شؤوناً تتعلق بصحبته وعافيته ورغد عيشه ونحو ذلك ومن ثَم فإن هذا اللون من العبادة أسهل ألوانها ليس فيها ثِقْل ولا تَحَمِّل صاحبها مغرماً.
ولكن في الناس كثيرين يسألون عن جدوى الدعاء وفائدته وما زالوا يستشكلون: أن في الناس مَن يسأل الله عز وجل ويدعوه فلا يجد استجابة، فَفِيْمَ كان الدعاء قربة إلى الله عز وجل؟
والجواب أيها الإخوة: أن الله لا يخلف الميعاد، وهو القائل: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وهذه حقيقة لاشك فيها ولا ريب، ولكن ليس كل من يطلب شيئاً يدعو الله، فرق كبير بين الطلب وبين الدعاء. طلب الإنسان من الإنسان شيء، ودعاء العبد من ربه شيء آخر. لا يستجاب الدعاء إلا بشروط وقيود. وانظروا - أيها الإخوة - إلى قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ} ثم قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}
[البقرة: 2/186] أي ليضعوا في اعتبارهم ضرورة استجابتهم لي أيضاً قبل أن يضعوا في اعتبارهم ضرورة استجابتي أنا لهم. أن تدعو الله عز وجل فتتذكر أنه قد وعدك بالاستجابة ثم تنتظر منه وفاء ما وعد، وتنسى أنه طلب منك أنت بدورك أن تستجيب لله عز وجل ما دعاك إليه وما طلبه منك، هذا لا يسمى دعاءً، هذا طلب، وهذا شأن من يطلب من نِدِّه ومن إنسان مثله. اِستجبْ لله عز وجل وحَقِّقْ ما قد سألك تنفيذه ثم انظر كيف يستجيب الله سبحانه وتعالى طلبك ويحقق رجاءك وسؤالك.
أيها الإخوة إن هنالك سُنَّة ماضية في عباد الله عز وجل ألزم بها ربنا ذاته العلية فتنبهوا جميعاً إليها وضعوها في اعتباركم. إنها السنة التي يعبِّر عنها بيان الله عز وجل في مثل قوله: {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه} [النساء: 4/123] وهي السنة التي يقررها بيان الله عز وجل في مثل قوله: {وَذَرُوا ظاهِرَ الإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمِ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 6/120].
تلك هي سنة الله عز وجل في عباده؛ من اقترف سوءاً سواء كان مما يدخل في ظاهر الإثم أو مما يدخل في باطن الإثم لابد أن يلقى هذا العبد جزاء ما اقترف.
وظاهر الإثم تلك المعاصي التي تَجْتَرِحُها الأعضاء من عين تنظر وأذن تسمع ويد تبطش إلى آخر ما هنالك.
أما باطن الإثم فهو تلك الأوباء والأمراض التي تتوضع في داخل النفس والفؤاد كالشحناء كالبغضاء كالحقد كالكراهية كالاستكبار كالتعلق بالدنيا إلى آخر ما تعرفون من الآثام التي لا تتراءى أمام الأبصار وإنما هي خفية يراها علاّم الغيوب، يراها من يعلم السر وأخفى وهي أخطر شأناً من ظاهر الإثم على حَدِّ تعبير البيان الإلهي {وَذَرُوا ظاهِرَ الإِثْمِ وَباطِنَهُ} ثم قال: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمِ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ}.
وهنا قد تصطدم سنة رب العالمين مع دعائك يا بن آدم، تدعو الله عز وجل أن يكشف عنك الغم وأن يعافيك من مرضك وأن يزيل هذا الابتلاء الذي ران عليك ولكنك لو عدت إلى خفي فؤادك لوجدت أن إثماً من باطن الإثم تعاني منه، لوجدت أن فؤادك ينطوي على حقد، على ضغينة، على قطيعة رحم، على معنى من المعاني الخطيرة التي تدخل فيما سماه الله باطن الإثم، فكيف يستجاب دعاؤك؟! دعاؤك الصاعد من الأرض إلى السماء يصطدم مع سنة الله الهابطة إليك من السماء إلى الأرض. والله عز وجل يقول: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 4/123] وأخف أنواع الجزاء أن يعاقب الله الإنسان على سوئه في دار الدنيا، هذه رحمة أن يعجل الله عز وجل له عقابه في دار الدنيا. هذه قاعدة لا تشذ - أيها - الإخوة وميزان الله عز وجل في هذا دقيق. لا تظن أن الإنسان الذي يعاني من كرب داهمه ثم لم يعلم سببه، أو أن الإنسان الذي ابتلي بمرض عانى منه ولم يعلم مَأْتَاه وسببه، أو أن الذي يعاني من كرب في داخل أسرته مع أهله مع أولاده؛ لا تظنوا أن ذلك جاء عشوائياً، كل ذلك بحساب، عُدْ إلى نفسك وحاسب ذاتك تجد أنك قد ارتكبت إثماً إما مما يدخل في ظاهره أو مما يدخل في باطنه.
ولعلكم تعلمون أنه عندما نزل قول الله عز وجل: {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} هُرِع كثير من أصحاب رسول الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيهم سيدنا أبو بكر: يا رسول الله ما النجاة بعد اليوم؟ أي مَن منا لم يرتكب في يوم ما إثماً أو شيئاً يخالف أمر الله عز وجل؟ ألا يوجد ثَمة عفو؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض، ألست تجزع؟ ألست تحزن؟! ألست تصيبك اللأواء؟ قال: نعم. قال: فذلك ما تجزون به. يُعجّل الله سبحانه وتعالى العقاب في دار الدنيا لكي لا يَدَّخر العقاب عليه يوم القيامة. أما أن تتصوروا أن زيداً من الناس تتوضع الآثام في كيانه؛ إن ظاهراً على الأعضاء أو باطناً في النفس، وباطن الإثم أخطر من ظاهره، ثم تتصوروا أن ذلك يمر عَرَضاً دون عقاب فلا تتصوروا ذلك {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}. ولذلك فلقد كان الصديقون والربانيون وكل عباد الله الصالحين إذا مَرَّ بأحدهم بلاء أو انحطت في داره مصيبة من المصائب جلس يناجي ربه سبحانه وتعالى ويعلن التوبة إليه، يقول له: اللهم إني قد تبت إليك، اللهم إني تائب إليك من الذنب الذي أعلم ومن الذنب الذي لا أعلم، لاشك أني قد ارتكبت ذنباً، ارتكبت معصية فكان هذا البلاء كفارة هذه المعصية، ولعلي لا أعلمها. وكم وكم يمر الإنسان في يومه وليله بمعاصٍ كثيرة يستخف بها ولا يبالي بشأنها فيرتكبها دون أن يتنبه إليها ويكون الباري لطيفاً به يأتيه العقاب عاجلاً بعد حين، إما في مرض أو في بلاء أو في كرب لا يعلم مأتاه ينحط على فؤاده، ومن هنا لا يجد الاستجابة. يقول: لقد أصابني هَمٌّ خطير ودعوتُ الله فلم يرتفع هذا الهمُّ عني، لقد أصابني فقر، أصابتني جائحة، أصابني كرب ويَعُدُّ الكروب التي مرت به ودعوتُ وألحفتُ في الدعاء وكررت فلم أجد استجابة. يا هذا اقرأ كلام الله وتدبّره {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ} ثم قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ}
[البقرة: 2/186]. هل استجبت لله قبل أن تدعو الله؟ أي: هل استجبت لله بأن تبت عن معاصيك بأن طهرت قلبك من الشحناء، من البغضاء، مما يُبْغِضُ الله سبحانه وتعالى. تبت عن ذلك توبة نصوحاً ثم أقبلت إلى الله تجأر إليه بالدعاء، لو فعلت ذلك لرأيت الاستجابة.
هذه السُّنة الإلهية ينبغي أن تتذكروها أيها الإخوة عندما تتذكرون الدعاء. بل ينبغي أن تعلموا أن الإنسان ربما أصاب رشاشُ معصيته أسرتَه، ربما وجد في أسرته من يعاني من آلام وكروب. وما مَرَدُّ ذلك إلا معصيةٌ هو المرتكب لها. ينبغي أن نعلم هذا. ألم تسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه))؟ معصيتي التي أعكف عليها ثم لا أستيقظ منها قد تنعكس إلى أهلي، تنعكس إلى زوجي إلى أولادي وينبغي أن أَشَمَّ رائحة كفي دائماً. علم هذا من علم وجهل هذا من جهل أيها الإخوة. وإني لأسأل الله ضارعاً أن يجعل في الابتلاءات التي تصيبنا ما يوقظنا من سكرتنا، وما يوقظنا من انحرافنا، وما يعود بنا إلى فحص دخائلنا، دخائل نفوسنا، كيف حالي؟ ما هي أوضاعي النفسية؟ لعلي حاقد، لعلي حاسد، لعلي مستكبر، لعلي أسأت إلى إخوة، لعلي جرحت كرامة أناس، لعلي كسرت خاطر بعض الناس. والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: ((أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي)). أسأل الله عز وجل أن يوقظنا من نومة الغافلين، وأن لا يجعلنا ممن يعكفون على انحرافاتهم ويظنون أنهم في ذلك محسنون، والله خير المسؤولين.
فاستغفروه يغفر لكم.
دعاء الخطبة الثانية:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وألِّف بين قلوبهم يارب العالمين.
اللهم إنّا عبيدك وأبناء عبيدك، وأبناء إمائك نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدلٌ فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في محكم كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، وجلاءَ غُمومنا وهمومنا وأحزاننا، وأن تطهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبتك، وأن تجعلنا بفضلك وإحسانك ممن استجبت دعاءهم وحققت رجاءهم يا رب العالمين.
اللهم اجعل هذا البلد بلداً آمناً مطمئناً رخيّاً مستظلاً بظل كتابك، ملتزماً بهدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم ومن أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فخذ بيده اللهم إلى كل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شراً فخذه اللهم أخذ عزيز مقتدر.
اللهم اسقنا مزيداً من الغيث برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اسقنا مزيداً من الغيث برحمتك يا أكرم الأكرمين. اللهم اسقنا مزيداً من الغيث برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفّق عبدك هذا الذي ملّكته زمام أمورنا للسير على صراطك ولاتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اللهم املأ قلبه بمزيد من الإيمان بك وبمزيد من الحب لك وبمزيد من التعظيم لحرماتك، واجمع اللهم به أمر هذه الأمة على ما يرضيك، وحقق له في سبيل ذلك البطانة الصالحة يارب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا الحاضرين ووالديهم ولمشايخنا ولأرباب الحقوق علينا ولسائر المسلمين أجمعين.
أحب الصالحين ولست منهم ...... لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ..... ولو كنا سواء في البضاعة
آمين آمين آمين