(1).
إن لم أكن مخطئاً، فإن "بورخيس" وضع حداً فاصلاً بين الأسطورة و الخرافة، فالأولى أساسها حدث حقيقي، أسبغت عليه المبالغة في السرد وصفاً يخالف المنطق، و مع تتالي عمليات السرد أصبح أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.
الكاتب لم ينفي حقيقة "أهل الكهف" في نصه، أعتقد أنه نظر إليها من زاوية الاختلاف في أحداثها بين الشعوب، و التطورات التي طرأت على القصة من زمن إلى آخر، و أضفت عليها سمات لكل ثقافة محلية/إقليمية حفظت القصة و تناقلتها.
الكاتب تناول القصة من وجهة نظره، و حكاها بطريقته الخاصة التي تميزه، و تميز ثقافته، و أول معالم هذه الثقافة جاءت في بداية نصه:
في البدء كان اللاشيء ثم من ذرة غبار دقيقة تكونت الأشياء..تعاقب الليل والنهار.
(2).
ما أدهشني و أذهلني فعلاً هو فضاء المكان: الكهف... الغائب المتجلي في ثنايا النص.
الكاتب يعرف إلمام قرائه بتفاصيل مكان الحدث لذا فضّل أن يترك وصف المكان مائعاً في إشارات إيحائية، تدل على قدرة الكاتب و ذكائه.
أ/.
وقف أمام الكهف مستنداً بيده على حافته الخشنة الرطبة
.
ب/.
كانت شمس النهار تلقى أشعتها بعنف على وجهه.
ج/. ألق
ى بنفسه خارجاً من الكهف وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه فتح ذراعيه ليستنشق هواءً.نقياً يعيد الآمان إليه
د/.
امتدت يد معروقة نحيلة خارج الكهف.
مع الرجل الأول، نشعر بالمكان.، فهو يستند عليه، و يحس بخشونة و رطوبة جدرانه الحادة..و اكتفى الكاتب بهذا القدر، منتظراً الرجل الثاني، ليقص قصته، و يخبرنا عن عتمة الكهف، بإشارته-هي الأذكى و الأكثر إيحائية- لضوء الشمس القادم من الخارج... و يتوالى حضور المكان...
(3).
وقفت كثيراً أمام هذه السطور:
استندا على الجدار بظهريهما وأمتد بصرهما إلى الجدار المقابل..هناك لمحا شيئاً معلقاً عليه..ورقة..اقتربا منها..فرءا الورقة.. نظرا إلى بعضهما باندهاش ..لقد كانت الورقة تحوي صور لسبعة أشخاص تشبههم كثيراً ولكن هذا لم يكن غريباً..الغريب كان التاريخ..تاريخ هذا اليوم ..صرخا بصوت واحد..
-مستحيل..!!
وسألت نفسي:
"ما ماهية الورقة التي يمكنها جمع زمنان متباعدان؟
أن تحوي الورقة صورهم، فهذا ليس بغريب، الغريب التحديث المستمر للتاريخ، و الذي تواصل طيلة الثلاثمائة عام... مدة عزلتهم!.
خطر في بالي أن تكون "الذاكرة"، لكن أعتقد بعدم صحة هذا التأويل!.