الأحبة في هذا المنتدى الجميل :
ساطرح لكم حلقات روايتي " الشمس التي رحلت " :
وهي رواية طويلة أتعشم ان تمنحكم المتعة وجولة في حياة مكدودة بظروف إنسانية متنوعة التحفت مزيجاً من الأسى والسعادة والفراق والقرب والقسوة والرضا .. هي لكم ومنكم :
أخوكم : محمد



( الشمس التي رحلت 0000)
-------------



الفصـــــل الأول



لم يعكر سكون ذلك الليل المطبق إلاّ تلك الصفعة التي هوت على ذلك الجبين الغض ، وما مزّق هدوءه إلاّ ذلك الصوت الغاضب الذي شق السكون قائلاً:

- " لقد نفد صبري معك 00ولم أعد أحتمل ما تفعلين 00قولي لي بالله لماذا فعلت ذلك؟00والي ماذا تهدفين ؟00ألا يكفي ما أعانيه بسببك أنت ومن في هذا البيت من حقارة المهنة وشظف العيش؟00"

ثم صمت وهو يزفر في شدة في حين نهضت الفتاة بقامتها الممشوقة وقد وضعت أناملها على جبينها تتحسس موقع الصفعة ، وعلى غير المتوقع منها في مثل هذه الأحوال اقتربت من ضاربها وفي عينيها تحد عجيب وقالت :

=" أعرف أنه يمكنك أن تفعل بي ماتشاء 00لا لشئ00إلاّ لأنني ابنتك00ولعل هذا سرّ شقائي 00اضرب كما تريد ولكن لن أرضخ لعصاك00فانا لم أكن في يوم من الأياممثلما يدور في بالك00ويعتلج في داخلك00"

ثم صمتت قليلا لتعكس دموعها بريقا سريعا عادت تقول بعده :

=" لم أفكر فيكم يوما ما00لأنكم جميعا ماشعرتم بي ، ولا حسستموني لحظة بأنني أعني لكم شيئا00لعل الإنسان في نظرك -يامن تحمل لقب الأب- مجرد حيوان يأكل ويشرب وينام فقط!!00لا00ليس كذلك أبدا 00لم أعتد منك الاّ الضرب والقسوة ، ولم ألمس فيك الحنان يوما ما00وتريد الآن أن تصلح ما أفسدته في سنين بين يوم وليلة 00نعم قد أكون مذنبة ولكنك أنت من زرع في الجرم وغرس في نفسي الإثم000"

ولم تستطع أن تكمل إذ انخرطت في بكاء مرير ، في حين وقف ذلك الرجل المتوسط القامة يتحسس ذقنه المدببة ولايدر ماذا يفعل؟00إذ شعر بغضبه يذوب في مصداقية كلامها00تقدم نحو النافذة وفتحها ليتدفق منها نسيم عذب تفيض به ليال الربيع الساحرة في مثل ذلك الوقت من السنة00ثم التفت نحو الفتاة التي كانت قد تراجعت واستندت الى الجدار وهي تنشج00ورغم ذلك كان يرى بان الموقف لايحتمل التهاون 00هكذا اعتاد أن يفعل00تقدم نحوها وأمسك بخصلات شعرها في غير قسوة ورفع ذقنها فراعته نظرات التحدي في عينيها رغم عبراتها الهاطلة00بادرته:

- أتظن أنك في هذا الموقف تذلني00وبخطئ تقهرني00لا00لم يعد يهمني أحد00كل ليلة تعود كالغريب المروع00لا يشعرون بك00 أنا فقط أشعر بك00في تلك الساعة التي تأتي فيها لتوقع العقاب على ابنتك الآثمة00أبدا لم تكن في وعيك لحظة ما و000"

ودوّت الصفعة من جديد لتلقي الفتاة في غير وعي هذه المرة00 وخرج الرجل من الغرفة وهو يتمتم :

-" في المرة القادمة سأقتلها ولا شك 00ساقتلها00"

وما أن فتح الباب المقفل حتى اندفعت منه امراة في العقد الرابع من عمرها ذات ملامح حلوة وان كان وجهها قد علاه من معالم الحزن مايوحي بشقائها00اندفعت نحو ابنتها المسجاة ورفعتها وهي تتمتم :

-" رباه ارحمهـــا00"

وشيعت الرجل الخارج بنظرات قاسية عادت بعدها تحاول افاقة ابنتها التي مالبثت أن فتحت عينيها اللتيين لم تكد تتبين الملامح التي امامها حتى قالت في قسوة :

= " ابتعدي عني 00"

وحاولت النهوض بنفسها الا انها مالبثت ان تهاوت في اغمائتها من جديد00



اشرقت شمس الربيع في اليوم التالي وتسللت اشعتها الدافئة الى الغرفة ذات الأثاث المتواضع والسرير الخشبي الذي احتضن فتاة بدت في الخامسة عشرة من عمرها وقد اوحى منظرها بانها تغط في نوم عميق في حين حملت تقاطيع وجهها خطوطا حمراء وانتفخ طرف شفتها السفلى بشكل واضح بينما عند قدميها جلست نفس المرأة ترقب ابنتها وهي تكاد بين الفينة والفينة أن تسقط بفعل النعاس00وأخيرا نهضت بتثاقل وقبل أن تغادر الغرفة أشارت لطفل صغير في الرابعة من عمره كان يلهو بجانب السرير أن يلتزم الهدوء وألاّ يزعج أخته فكان رده أن نظر اليها غير عابئ ، وما كادت تخرج حتى ارتقى حافة السرير وأقترب من جسم الفتاة وهو يهتف :

-" سمر00سمر00"

وفعلا بدأت الفتاة تفتح عينيها ثم تعيد اغلاقهما الاّ أن النداء المتكرر نجح أخيرا ليس في فتح عينيها فحسب بل وفي مبادلتها للصبي ابتسامته 00وفيما مال عليها احتضنته وهي تقول :



=" وحيد00أخي الحبيب 00أنت الوحيد الذي يبدو مصدر عزائي في هذا البيت 00أنت الوحيد ياوحيد00لكم أحبك00"

ثم رفعته أمامها ونظرت في عينيه اللتين تشعان بالبراءة وعادت تقول:

=" ستكبر غدا ياوحيد وتعرف لماذا أنا حزينة 00ولعلك ستحزن أنت أيضا فانت لا تدري ماذا يحدث في بيتنا الآن00الكل هنا لا يفكر الا في نفسه 00وأبوك لكم هو قاس علينا لا أعتقد أن قلبه عرف الحب يوما أو لعله لم يسمع به بعد00أما أمك فهي تحبنا ولكنها مثقلة بالمتاعب 00ولست أقول هذا لأننا فقراء ولكن000وأشقائك الثلاثة كل واحد منهم قد اختار له شارعا ليتجول فيه ليل نهار و000"

وقطعت حديثها فجأة عندما تذكرت أن الصبي لن يفهم شيئا مما تقول 00ولكنها اضافت في خفوت:

=" من أجلك أنت فقط لن أغضب منهم 00وستكون انت نقطة ضعفي دائمـــا "

* * *



كانت " سمر " تسكن مع أسرتها المكونة من سبعة أفراد وكان والدها رجلا بسيطا ويعمل موظفا باحدى الدوائر الحكوميــــة في وظيفة متدنية ولكنها على أية حال كانت تكفيهم ، أما أمها فكانت امرأة صبورة تقوم بكل شئون البيت دون أن تطلب المساعدة حتى أن جمالها بدأ يذوي سريعا رغم أنها لازالت في بداية العقد الرابع من عمرها 00وكان اشقائها الأربعة يتدرجون في سنوات المرحلة الابتدائية ماعدا " وحيد" فهو لم يدرس بعد 00كان سجل اخوانها حافلا بالفشل واسعدهم حظا كان قد قضى في السنة التي هو فيها مالا يقل عن السنتين 00وتشعر سمر بان أسرتها منكوبة وتعاني من التفكك الشديد فوالدها لايكاد يعيرهم مايكفي من الاهتمام وجلّ همه أن يذهب الى عمله ثم يعود لينام وهذا من حقه ولكن ليس من حقه أن يسهر الليل كله 00ولذلك كان من النادر ان يجتمعوا معا 00ولم تكن تشعر أن لها أبا الا عندما تختصم من أحد أشقائها فيشكوها اليه فتكون حصتها من العقاب قاسية على يد والدها الذي يعتقد دوما أن العصا هي الحل الأمثل دائما والأقدر على اعادة المذنب الى صوابه باسرع وقت00وعلى ذلك المنوال سار في تعامله معهم 00كما أن اهتمامه كان مقصورا على الأشياء التي يجد نفسه مجبرا على الالتفات اليها وبذلك غدا كل فرد من الأسرة اشبه ما يكون بالمسئول عن نفسه بغض النظر عن سنه00أما " سمر " فقد كانت شديدة الشقاوة والعناد لذا كانت حصتها من العقاب هي الأوفر دائما ، وكان يغيظها كثيرا أن أمها لم تكن تتدخل لتشهد لصالحها مثلا بل كانت دائما تاتي لتتفقد حال المخطئ بعد أن ينال جزاءه وهي تأسف لما حصل له00ومن الأشياء التي تعرفها سمر عن نفسها أنها تملك ذكاءاً لماحاً أدركته من تصرفاتها وتعاملها مع زميلاتها في المدرســـــة رغم أنها غير متفوقة دراسيا لا لشئ الا لإهمالها ولو بحثت عن التفوق لحصلت عليه 00بالاضافة الى ذلك فهي لم تعبأ يوما بما يقولونه عنها سواء أهلها أو الجيران أو داخل نطاق المدرسة وكانت كثيرا ما تشعر بعدم ترابط اسرتها وأن ذلك كان وراء حالة التسيب أو الحرية الواسعة التي تنعم بها وان كانت تعرف ان عواقب ذلك ربما كانت وخيمة جدا 00كانت أحيانا تبرر أخطائها بان الذنب ليس ذنبها في محاولة للتهرب من مواجهة مع نفسها 00وكان ديدنها أن تقول لمن لأمها على تصرف ما أن ثقتها في نفسها واعتزازها بكرامتها هي سلاحها وليست تأبه لما يقولون وعنها يرددون 0000 تشعر أنها متقلبة المزاج جدا أو هكذا يحلو لها أن تسمع زميلاتها يصفنها00وأتاح لها ذلك مرونة كبرى في تصرفاتها متعللة بنفس السبب وأحيانا كانت تخالف كل التوقعات فتؤدي كل أعمالها المنزلية بكل نشاط وتؤدي فروضها المدرسية بشكل يدفع معلماتها الى الى الاشادة بها 00ولا تلبث غير قليل حتى تعود الى سابق عهدها 00هي نفسها تشعر بذلك وتحس بانها لا تملك القدرة على مسح ذلك الطبع فهو جزء منها 00كانت كثيرا ما تفتعل المشاكل مع اشقائها ولقوة حجتها كانت كثيرا ما تغلبهم ولم يكن غريبا عندما تفعل ذلك أن تعود معاندة وتعترف بذنبها وتنال عقابها كاملا وهي أثناء ذلك تظهر شجاعتها وعنادها أيضا ، وحتى عندما صارحتها احدى زميلاتها بانها تمتكل شخصية فريدة ابتسمت في سخرية وقالت :

= " لا أحب هذا النوع من المزاح "

ولكن عندما أردفت أنها تخشى عليها من المستقبل تجهمت سمر ولم تدر بماذا ترد 00