تلاوة القرآن الكريم عبادة عظيمة من أعظم العبادات، وقد اعتنى طائفة من السلف ببيان آداب تلاوة القرآن الكريم واستنباطها مما ورد في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي حديث عن أهم هذه الآداب.


الإخلاص
الإخلاص أساس قبول الأعمال، لذا كان حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الأحاديث العظيمة التي عدها جمع من أهل العلم مما عليه مدار الدين، واستفتح طائفة منهم به مصنفاتهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، متفق عليه.

ومن عمل عملا غير خالص لله تعالى فالله غني عنه وهو لمن أشرك، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ : رواه مسلم وأحمد، وفي رواية لأحمد "فأنا منه بريء وهو للذي أشرك".

ومن الأمور التي تنافي الإخلاص:

أن يقصد الإنسان بتلاوة القرآن الكريم وتعلمِّه الدنيا والتكسب بها.

· ومنها أن يسأل بالقرآن الكريم، كحال بعض المتسولين الذين يقرؤون القرآن عند أبواب المساجد يسألون به الناس، وهؤلاء من أجهل الناس بقدر القرآن ومنزلته.

· ومنها أن يكون الرجل حسن الصوت بالقرآن فيحب أن يتحدث الناس عنه بذلك.

الطهارة:
الطهارة مشروعة لتلاوة القرآن الكريم، وقد تطهر النبي صلى الله عليه وسلم لرد السلام على من سلم عليه، وتلاوة القرآن أولى بالتطهر من سائر الذكر، قال النووي:" يستحب أن يقرأ وهو على طهارة فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين والأحاديث فيه كثيرة معروفة"(لتبيان في آداب حملة القرآن ص: 39). ورى مالك في الموطأ بإسناده أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ فِي قَوْمٍ وَهُمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَسْتَ عَلَى وُضُوءٍ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنْ أَفْتَاكَ بِهَذَا أَمُسَيْلِمَةُ؟.

ومن تمام الطهارة الاعتناء بالسواك، فالسواك كماثبت عن النبيصلى الله عليه وسلم مطهرة للفم مرضاة للرب، لذا فقد نص جمع من أهل العلم على استحباب التسوك عند تلاوة القرآن الكريم.

استقبال القبلة:
عد طائفة من أهل العلم استقبال القبلة من آداب تلاوة القرآن الكريم، قال النووي:"يستحب للقارئ في غير الصلاة أن يستقبل القبلة فقد جاء في الحديث خير المجالس ما استقبل به القبلة"

الجلسة الحسنة:
ينبغي لقاريء القرآن أن يوقر كتاب الله تبارك وتعالى، ومن توقيره أن يجلس جلسة لائقة به، تعينه على استحضار معانيه وتدبر آياته، قال النووي:" ويجلس متخشعا بسكينة ووقار مطرقا رأسه ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه فهذا هو الأكمل" ويجوز أن يقرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال قال الله عز وجل ]إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض[ وثبت في الصحيح (عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض ويقرأ القرآن )

الاستعاذة:
لقد أمر الله تبارك وتعالى عباده حين يتلون كتابه بالاستعاذة من الشيطان الرجيم، فقال عز وجل (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(98)إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99)إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُون َ)

قال الحافظ ابن جرير رحمه الله :"وليس قوله: ]فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم[ بالأمر اللازم, وإنما هو إعلام وندب ; وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أن من قرأ القرآن ولم يستعذ بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءته أو بعدها أنه لم يضيع فرضا واجبا".

ترديد الآية:
لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته أن يردد الآية أحياناً، فعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح والآية (إن تعذبهم فإنهم عبادك ) الآية رواه النسائي وابن ماجه.

وقد ورد هذا عن طائفة من السلف، من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم، فعن تميم الداري رضي الله تعالى عنه أنه كرر هذه الآية حتى أصبح ]أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات[ الآية.

وعن امرأة من أهل بيت عامر بن عبد قيس أنه قرأ سورة المؤمن فلما انتهى إلى قوله تعالى: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ) قالت فكضم حتى أصبح، أو قالت :فلم يزل يرددها حتى أصبح.

وترداد الآية يزيد القاريء تدبرا وتمعنا فيها، ويوقفه على معان لم يكن قد وقف عليها من ذي قبل، وهو أدعى لزيادة تأثره بما تلاه من كتاب الله تعالى

البكاء والخشوع:
القرآن كلام الله تبارك وتعالى، وكلامه عز وجل لايقاس بكلام خلقه، لذا فلابد أن يكون له أثره على المؤمنين به الموقنين بأنه كلام الخالق جل وعلا، وقد ذكر تبارك وتعالى في غيرما آية حال من يتأثرون بكلام الله ويبكون عند سماعه، فأخبر تبارك وتعالى أن هذا شأن الأنبياء من قبل فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا )
وأخبر أن هذا شأن الذين آتاهم العلم من قبل فقال وَقُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا(106)قُلْ ءَامِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا(107)وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا(108)وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)


التدبر:
من أعظم آداب تلاوة القرآن الكريم التدبر والتأمل في معاني مايتلوه، قال النووي:"فإذا شرع في القراءة فليكن شأنه الخشوع والتدبر عند القراءة والدلائل عليه أكثر من أن تحصر وأشهر وأظهر من أن تذكر، فهو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال الله عز وجل: (أفلا يتدبرون القرآن ) وقال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) والأحاديث فيه كثيرة وأقاويل السلف فيه مشهورة

الترتيل:
من آداب تلاوة القرآن الكريم أن يعتني بترتيله، قال الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا ). وقال تبارك وتعالى(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله.

وأولى ما يدخل في الترتيل، مراعاة أحكام التجويد من إعطاءمخارج الحروف وصفاتها وسائر الأحكام حقها ومستحقها.




رنـــــــــــــو