[align=center] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعد الله أيامكم بالخيرات جميعاً[/align]
حقيقة رغبت بالإطلاع على السيرة الذاتية للأخ الغالي سمير الفيل زيادة عما تفضلت به الغالية بيتالز في ترحيبها به .
وأثناء البحث والتقصي وجدت قصة بعنوان ( الزلنطحي ) فعجبت لهذا الاسم وتساءلت عن معناه وما المقصود فيه رغم قرأتي للقصة وإعجابي بها ولان أخي الغالي سمير لم يتحفنا بشرح لمعنى العنوان الذي استخدمه للقصة فقد قمت بالبحث عن المعنى ووجدت هذا الشرح :
الزلنطحي مزيج من البلطجي القاتل والمتخلف الجاهل والزنديق الشرير وإن كان الزلنطحي متفوقا عليهم جميعا في أشياء ولا يقل عنهم في شيء فهو محتاج إلي صوت جهوري مفزع وموهبة تمثيلية متوسطة وهو يبدأ تمثيله عادة بـ زعقة هائلة يلم بها الناس ليسترعي انتباههم , هو يصرخ في البداية ويصرخ حتى يلتفت إليه الأصم .
[align=center]وذلك حسبما فسرها الكاتب جورج بنيامين بن يعقوب
( كاتب أمريكي من أصل عراقي / ولاية مشيكَان ) [/align]
ولا أعلم إن كان تفسيره هذا حقيقة أم لغرض في نفس يعقوب
ولأن القصة رائعة أحببت أن أقوم بعرضها هنا عليكم لتستمتعوا بها معي وحتى تتشرف الدرر عامة ودرة القصة خاصة بوجود هذه القصة هنا بالطبع مع الاعتذار الشديد للغالي سمير على نشرها هنا دون أخذ الأذن منه قبل ذلك
والآن ادعكم مع القصة بشحمها ولحمها دون زيادة أو نقصان وأدع للغالي سمير حرية الرد عليكم هنا بدلاً مني لأنني لست متخصصاً بمثل هذا الفن .
الولد فرج مختار العفشة جاءه الأعور وهو في عربة الترحيلات ، فظل يمسك بطنه من ناحية تحت السرة ، ويعض على شفته السفلى ، وهو يقول بينه وبين نفسه أنه مغص خفيف . مجرد مغص جاءه من التهام نصف حلة المحشي التي جاءت " زيارة " لخميس الخرم زميله في التخشيبة .
لذا فقد كان كل ما فعله أن جلس القرفصاء ، وراح يئن أنينا خفيفا ، ومحركات السيارة تدور ، والعادم يحجب رؤية من هم تحت الصاج المولع ، ثم ارتفع الأنين شيئا فشيئا حتى أدرك زملاؤه أن الموضوع جد لا هزار فيه ، فراحت القبضات تدق الصاج الغليظ دقا ، والسيارة تمرق من تحت سفح تل المقطم ، متجهة إلى مقر النيابة في السادسة صباحا وخمس دقائق فقد كان صوت الشيخ محمد رفعت يخترق الغبش الخفيف بغبرة صفراء ، ويطلع من جوف " الرداوي " كي يعلن عن مولد يوم جديد.
كانت عربة قديمة متهالكة يزحف الصدأ في أركانها حتى يوشك أن يأكل الهيكل كله ، ومن الطبيعي أن تكون هناك مقاعد خشبية غير أن الحكومة رأت توفيرا للنفقات وتوسعة على المساجين ومن دفعته أقداره لركوب الرزايا أن تخلع الألواح ، وتبقي على الزوايا والصواميل حتى إذا ما جاءت لجنة حقوق الإنسان للتفتيش كان من السهل تركيب تلك الألواح على عجل ، بل والإسراع بمسحها بقطعة جوف خضراء من بقايا مكتب الباشا الكبير .
الولد فرج مختار العفشة ـ وشهرته الزلنطحي ـ أمسكوه من أسبوعين وكان هاربا من قضية مخدرات ، ورغم أنه قد تفنن وحلق شعر رأسه ، ونتف حاجبيه حتى صار أقرب للعفريت فقد أوقعوا به ، وعرف الجميع أنه لا يقع إلا الشاطر ، وأن دليلة التي حلقت لشمشون شعره بالحيلة لم تكن تفعل ذلك صدفة فدماء الدهاء تسري في عروق صنف النساء .
النساء أحباء الله إلا في ساعات الغضب وهي قليلة ، فهم لا يطقن أن يجمع البعل بين زوجتين رغم أن هذا من شرع الله ؛ فما أن يشتموا أن الرجل سوف يفعلها ويتزوج على " القديمة " ، وينسى العشرة ، ويرفس النعمة ، ويتغاضى عن العيش والملح حتى يفور هذا الدم ، ويغذي اليافوخ بعشرات الحيل التي تسقط الغريم سقوطا مدويا .
الولد فرج مختار العفشة عيناه زائغتان ؛ فزوجته حلاله قمر 14 ، ولها عينان ما بين الأزرق والبنفسجي ـ فشر اليزبيث تايلور التي كان يضع صورتها فوق فراشه مباشرته قبل أن يتزوج و يخش دنيا ـ لكن القلب وقع ، ورفرف في الصدر ، واندبح بنظرة قتالة .
فراح إلى بيت دلال وطلب اليد بالحلال ، ووضع على الصينية جنيهين من الذهب اللماع طراز الملكة فيكتوريا ، وفتل شاربه ، وهو يسمي ساعة أن جاءت بالشربات ، فكانت تخطر كالغزال ، حينها رنت الزغاريد في الحي كله ، وبرفة رمش جاء الصبيان بالكبش فعقروه ، وأسالوا دمه على العتبة التي تتصدر مدخل البيت في الزاوية ، وجاءت النسوة العواقر اللاتي ينتظرن مثل هذه اللحظة فغمسن أصابعهن في الدم اللزج الساخن ، ورسمن خيوطا فوق الجبهة وحول دائرة الثديين ، وبعيدا عن العيون البصاصة فوق السوة طلبا للخلفة وجلبا للذرية التي تسند الظهر.
ما أن علمت محاسن ابنة عمه ، والتي هي ستره وغطاه بالفعلة النكراء حتى أصابها الخفيف ، ولأنها ماكرة وتلعب بالبيضة والحجر ، فقد كتمت في قلبها وهشت وبشت في وجه زوجها وهو راجع ، وبسطت المائدة في العصر ، وقبل أن يخطف الأربع ركعات الفرض راحت تطوف بالمنقد حجرات البيت وفوقه البخور الجاوي لتطرد الحسد والعيون الصفراء التي تندب فيها رصاصة .
في الليل هجم رجال المباحث ، وقلبوا البيت عليه ، لكنه كان قد قفز من شباك مفتوح على المنور ، وذاب في الظلمة الحالكة ، أما كبير البصاصين فقد دس يده تحت المرتبة وأخرج طربة حشيش تزن حوالي كيلوجرامين ، وقبل أن يحرزها جاء الباشا المتوسط فقطع بالسكين قطعة للذكرى ، وضعها في جيب الساعة ،ثم لفوا الحرز في السلوفان ، وكانت تقف بالقميص الشفتشي تلوك اللبانة في فمها ، فدقت على صدرها وهي تتمتم في حسرة : ماقدروش على الحمار قدروا على البردعة .
لم يسألها الباشا المتوسط عن زوجها فهي ليست غريرة لتدل على مكمنه ، لكنه نظر نحوها في ارتياب ، وحدجها باحتجاج خفي : هنجيبه!
ورأتها فرصة لتعلن عن شعور كان يتنازعها بين الأسى العميق والإحساس بالتشفي : أبقى قابلني .
والولد فرج مختار العفشة الذي ركع يلحس التراب الآن في أرضية العربة صار بوجه ممتقع يصرخ كالنسوان ، ويجأر بصريخ متقطع : يا أولاد الكلب .. يا حكومة .
وسّـع له الزملاء في الأرضية مكانا ، وأناموه على جنبه السليم ، ودلكوا بأصابع خفيفة الجانب الموجوع ، ثم بدأت دقاتهم تشتد على الصاج حتى صارت القلعة التي كادوا ينتهون من المرور تحت سورها ترتج .
تمهلت السيارة ، وتوقفت فيما أطل وجه صول مخضرم : جرى أيه يا أولاد المجانين ؟
لوحوا له بإشارات يفهمها من وراء الشبك السلك أن فرجا يموت من الوجع ، فاختفى لحظات ، وأطل وجه باشا لطيف الوجه أراد أن يبدأ بالهجوم قبل أن يأكلوه : فيه أيه يا أولاد ستين كلب؟
قال أقدم المساجين والملمومين رتبة : يا أفندم الزلنطحي تعبان قوي.
أشار الضابط أبو دبورتين بيده أن يوسعوا له ليلقي نظرة ، فصعب ذلك جدا ، وتصاعدت أصوات الاحتجاج : مفيش في قلبك رحمة ؟
وصاح آخر وهو يخفي وجهه في عتمة الهيكل المشحون بالأجساد : حكومة بنت حرام .
فيما وضع السجين عرفة فص أفيون تحت لسانه ، وطوح برأسه وهو يبحلق في الولد الشاب الضابط الذي يخب في الميري : ألحقوه يا باشا . باين عليك ابن ناس صحيح ومتربي.
ولكن الولد فرج مختار العفشة رغم أن وجهه كان مصفرا وجسده كله يرتجف جاب الكلام من صرمه وهو يوشك على الموت : أحملكم المسئولية.
وكان يعرف في محنته هذه أن محاسن هي التي فعلتها ، فمن يعرف أنه قد حلق شعر رأسه ( زيرو ) غيرها ، ومن رآه منتوف الحاجبين كالبرص سواها ، وكونهم جاءوا له في الليل الغطيس ، وكمنوا في المدخل حتى صعد وبيده سطل اللبن ليبيع للزبائن ، وما أن طرق الباب حتى أحاطوا به وامسكوه .
قال بقلب ميت : أنا سعد بياع اللبن .
كشف الضابط وجهه فكان كالمسلوخ ، سأل محاسن وهي تلوك اللبانة: هو ده جوزك؟
وجف قلبه ، وهي راحت تتأملته من فوق وتحت ، وراحت تقلب فيه كأنها تشتري كيلوجراما من الطماطم من فوق عربة خضار ، ومدت إصبعيها الإبهام والسبابة ، ونتفت شعرتين : مش عارفة .
لكن الضابط كان مصرً أن هذا هو فرج ، سألها وروحه تكاد تصل للحلقوم : هو ده جوزك يا ست محاسن ؟
وهنا وجد المخبر صابر فرصته ليعلن للباشا أن كل شيء بالأصول ، فصوب الكشاف في وجهه ، ومع التماعة الضوء رأته يهز رأسه متوعدا ، فحدجته بنظرة مستاءة : أهو كلهم زي بعض . قطيعة الرجالة .
وهو هنا بعد الفيش والتشبيه ، ومضاهاة البصمات مقطوع تماما في رقدته على الألواح الملتهبة في عز حر أغسطس ، والوجع يتصاعد حتى كاد يصل إلى اليافوخ .
أطل الضابط وهو يحاول أن يفهمهم وجهة نظره : جواب المأمورية من التخشيبة للنيابة . ده خط سير مستحيل أعدله .
رد خميس وقد تناسى حلة المحشي التي طارت في بطن هذا الجشع : يعني هو خط السير أنزل من السماء . غيـّـره!
امتقع وجه الضابط ، وسمعوه يتصل بالمأمور الذي كان نائما بجوار زوجته طرية اللحم ، فالساعة لم تتعد السادسة والنصف ، وقد زجره المأمور : أتصرف يا حضرة الملازم أول .
وهو ابن ناس ، رباه أبوه على احترام مشاعر الناس ، يعرف أن هؤلاء بشر ، لكنهم بشر ملاعين ، وفي سنوات الكلية علموه الشخر والنخر وقولة " نمرة " وهي الأخف في العرف السائد . لقد قرر أن يعدل خط سير العربة نحو أقرب مستشفى ميري، وليكن ما يكون .
كاد يبكي وهو يحدثهم بقلب مفعم بالطيبة مع نبرة شر متصنعة : يا رجالة . أنا هاوديه المستشفى بس أسمع منكم كلمة شرف.
ردوا جميعا في صوت يكاد يكون واحدا : واحنا رجالة مع الرجالة .
تهادت العربة في طريق معاكس باتجاه المستشفى ، ومن كان يرقب الطريق فقد رأى أصحاب عربات الفول يكشفون القدر النحاسية عن أفواه يتصاعد منها البخار ، ورأوا الأمهات يهبطن بقمصان الباتستا الخفيفة من البيوت لشراء الأرغفة الساخنة ، وملأ الأطباق بالفول المدمس محلى بقرون شطة خضراء .
كان الشيخ محمد رفعت قد ختم التلاوة ، و جاء الصول ، وأمام الباب الداخلي حرك المزلاج الحديدي ، وتقدم من الباب الموارب ، قال بصوت أقرب للرجاء منه إلى الأمر : وسعوا له من فضلكم .
تقدم خميس الخرم وهو يسحب جسد المريض ، وكانا مكبلين في " كلبش " واحد " ورفع للصول معصمين أحدهما ساخن مستعفي ، والآخر بارد متخشب : بسرعة يا صول حمودة .
وأعمل الصول مفتاحا صغيرا في "الكلبش" فانفتح الترباس وحرر المعصم من الأسورة الحديدية .
كانت فرصة للمرحلين كي يشتروا سجائر ، ويشربوا ماءا مثلجا من أولاد الحلال ، وامتدت أيد كثيرة بسندويتشات الفول والفلافل ، وعلى " التروللي " تمدد جسد فرج مختار العفشة ، وقبل أن يذهب معه الضابط ربت برفق على كتف الصول والإثنين عساكر المصاحبين للترحيلة : فتحوا عنيكم . دول أولاد حرام .
بعد الكشف الظاهري أمر الطبيب المناوب بتجهيز حجرة العمليات ، وشخـّـص المسالة بأنها انفجار الزائدة الدودية . هرعت الممرضات لتجهيز الحالة ، وتعقيم المشارط ، ولم يقبل الطبيب الجراح أبدا بدخول الضابط حجرة العمليات ، حتى وهو يهمس في أذنه : لو هرب سيادتك هاروح في داهية .
ما كان من الطبيب إلا أن صرخ فيه : يا سيادة الملازم باقولك عملية . فيه عملية تنفع تتم على أيدي البوليس .
وفي الخارج كان الصباح يشقشق ، والأولاد مع البنات ـ حيث لا مدارس ـ يذهبون إلى ورشهم ، وكانت الشمس تخترق ما تبقى من سحب متناثرة قليلة ، ووجد الولد عرفة مساحة من الشباك تبلغ 50 سم 2 ليشير بيده عدة مرات لمريضة بالصدر كي تهبط نحوه ، وتضع بين يديه علبة بسكويت بالفراولة ، مع وردة بيضاء فيما كان سعالها يشق صدرها الضعيف .
لم يعرف أحد من الذي أبلغ أسرة الزلنطحي بما حدث ، فقد أتت محاسن وهي تلطم خديها ، والكحل يسيل من عينيها من أثر البكاء ودخلت من الباب الرئيسي بعد أن سجلت بياناتها ودفعت رسوم الزيارة ، وبعدها بدقائق جاءت دلال العروس الجديدة ، وهي بملاءة لف سوداء محبوكة على جسد يضح بالأنوثة ، ومن الباب الخلفي دخلت بعد أن دفعت المعلوم .
التقت الضرتان أمام الباب المغلق ، وكان الضابط يزرع الطرقة ذهابا وإيابا في قلق واضح ، وهما تبادلتا نظرات حانقة متفجعة .
وحين صعد الصول حمودة السلم ليسأل الضابط عن شيء يريده ، وجد المرأتان جالستين في مقعد خشبي على مقربة من حجرة العمليات يتكلمان بحميمية واضحة .
أشار له الضابط أن يشتري له علبة سجائر ، فاستغرب الصول : لكنك ـ سعادتك ـ لا تدخن ؟
هز رأسه بأسى : من اليوم سأدخن .
وخرج الطبيب ليعلن للضابط أن العملية انتهت بخير ، وأن الحالة استقرت ، فاندفعت المرأتان نحوه لمزيد من الاستفسارات ، فما كان منه إلا أن أشار للضابط : سيادته يطمئنكم .
أعطى لهم ـ للمرأتين والضابط ـ ظهره ، واتجه لحجرته ، وبعد أن أفاق الزلنطحي من البنج ، تحرك متوجعا ، وقعت عيناه على الضابط الذي كان يرمقه بحيرة ممتزجة بغضب متكتم ، فهز رأسه ممتنا ، فيما أغمض عينيه عن عمد رغم توسلات دلال ونحيب محاسن .
بصعوبة أراح الزلنطحي رأسه على الوسادة ، وقد علم كل أفراد الترحيلة ـ بعد شهر من حدوثها ـ أن الضابط قد خصم منه 15 يوما من راتبه ، وتم نقله لشرطة المرافق لأنه قد أخل بمقتضيات العمل الوظيفي .
[align=center]دمتـم بخــــر [/align]