صدمة بين الأمهات في الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية
الموظفات السعوديات يعشن أزمة أمومة
الدمام: حبيب محمود، نورة الهاجري
تستقبل الموظفات السعوديات الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية، الذي تبدأ فعالياته اليوم، وكأنهنّ غير معنيّات بما يُبثّ من برامج ونداءات تمس أدقّ علاقة في حياة الأمهات. ومردّ هذه المفارقة يعود إلى ما يعتبرنه افتقار تشريعات العمل في القطاعين العامّ والخاص، إلى أنظمة تؤمّن حماية كافية للرضاعة الطبيعية من ضغوط الوظائف والمهن التي تؤديها السعوديات في ميدان العمل. ويدعو هذا الأمر إلى التساؤل حول جدوى تنفيذ برامج التوعية في أوساط الموظفات العاجزات بحكم واجبات العمل عن الوفاء بحقوق الأمومة والطفولة التي تقرها التشريعات الدينية وتنادي بها المؤسسات الدولية وخاصة التي تهتم بشؤون الأمومة والطفولة كمنظمتي " اليونسيف" و الصحة العالمية. ويعد تقليص إجازة الأمومة آخر التعديلات التي أثارت خليطاً من الترحيب والاستياء في أوساط الموظفات والتي دفعت هذه المنظمات إلى ممارسة ضغوط من أجل تغييرها بما يتلاءم مع حقوق الطفل و المرأة. فقد حمل التعديل في نظر السعوديات، وجهين متباعدين إزاء موقع المرأة من الأسرة ودورها في الأمومة. وفيما رحّبن بما تضمنه التعديل من إمكانية تمديد إجازة الأمومة إلى ثلاث سنوات مقابل ربع الراتب؛ فإنهنّ وجدن في الشق الثاني الذي قلّص الإجازة المدفوعة الراتب إلى 40 يوماً، بعد أن كانت 60 يوماً، وجهاً سلبياً مؤثراً، ووصفته بعضهن بـ "الصدمة"!.
وعلى الرغم من أن النظام يتيح، إمكانية تمديد الإجازة إلى 90 يوماً براتب كامل شريطة حصول الموظفة على تقرير طبي من اختصاصي يؤكد حاجتها وحاجة المولود إلى التمديد؛ إلا أن الموظفات اللاتي التقتهم "الوطن" لم يعبّرن عن موقف رضا أو موقف محايد إزاء هذه الإمكانية، و أجمعت موظفات في مهن تعليمية وطبية وإدارية، من واقع تجاربهنّ السابقة على المطالبة بالعودة إلى النظام القديم على الأقل، وتحسين أوضاع المرضعات بما يؤمّن حدّاً مناسباً من حقوق الأمومة والطفولة. وأكدت الموظفات أن "40 يوماً لا تكفي لتأسيس علاقة بين الأم ومولودها، وأن من شأن التنظيم الجديد أن "يزيد الأمر سوءاً على الموظفات اللاتي يحتجن إلى ممارسة أمومتهنّ".
هروب إلى الإجازات
وتنبه زبيدة المالكي وسوزان الطرموخ ونوف العتيبي وفاطمة القحطاني ونادية القحطاني ومنال المدن ومليكة المغلق ومنى الأحمد وعائدة آل سلاط وأفراح النزغة ومعصومة النخلاوي وهند الحواج وهناء الفرج ومها الفريد وأمل الهاجري وندى الحميدي ونسرين الزاكي وجيهان درويش.. وموظفات أخريات تحفظن على نشر أسمائهنّ إلى أن إجازة الأمومة في النظام القديم كانت أصلاً قصيرة تبعاً لاحتياجات المواليد الغذائية والنفسية، وضرورة حصولهم على القدر الكافي من الأمومة الطبيعية. واعترفت أكثرهنّ بأنهنّ لجأن إلى طلب إجازاتهنّ السنوية بعد استنفاد إجازة الأمومة تحت ضغط احتياجات أطفالهنّ.
وتشير هناء الفرج إلى أنها احتاجت، بعد ولادتها الثانية، إلى طلب إجازتها السنوية، ثم وصلتها بإجازة استثنائية، ليصل مجموع ما غابته عن العمل إلى 10 أشهر. و تبين أن هذه الحالة منتشرة بين الموظفات السعوديات اللاتي لا يترددن في استغلال إجازاتهنّ السنوية من أجل التفرغ للأمومة. وبقدر ما يشير ذلك إلى أن أمومة الموظفات بخير نسبياً؛ فإنه ينبّه أيضاً إلى أن تشريعات العمل مطالبة بأن تكون أكثر مرونة ودعماً لحق الأمومة والطفولة.
يأمرن بالرضاعة وينسين أنفسهن!
التعديل الجديد الذي أثار حفيظة الأمهات دخل حيّز التنفيذ الفعلي قبل موعد الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية بأسابيع معدودة. وهي مصادفة وصفتها اختصاصية صحة الفم، في مستشفى الدمام المركزي، ابتسام الياتي بأنها "محيّرة". إذ تتطلب مهام عملها "القيام بأعمال التوعية بالرضاعة الطبيعية للأمهات"، في الوقت الذي تقول الياتي: "أعجز عن العمل بالتوعية والنصائح التي أوجهها للنساء". تضيف: "طبيعة عملي تفرض عليّ إرباك برنامج رضاعة أطفالي، وحرمانهم من هذا الحق".
وبوصفها حاملاً في شهرها السابع، فإنها متوجسة مما سوف تواجهه من صعوبات تمسّ أثمن ما لدى الأم. وتقول: "في ولادتي الأولى اضطررتُ إلى طلب إجازتي السنوية بعد إجازة الأمومة مباشرة، وتبعاً للنظام القديم، فإن طفلي استفاد من تسعين يوماً، أما الآن فإن خسارة عشرين يوماً من إجازة الأمومة سوف تضعني في موقع أمومة سلبيّ، خاصة فيما لو لم أوفّق في الحصول على إجازة سنوية". وقد تهون معاناة " الياتي" قياساً بمعاناة طبيبة أطفال مقيمة هي الدكتورة نسرين أحمد التي تعيش تصادماً يومياً بين أمومتها ومهنيتها، "إلى حدّ البكاء أحياناً" على حدّ تعبيرها. وعلى الرغم من أنها لم تمرّ بتجربة الولادة إلا مرة واحدة إلا أنها تصفها بأنها كانت "تجربة قاسية ومؤلمة" خاصة أنها وضعت مولودها أثناء أداء امتحانات التخصص، ولم تُعطِ الأمومة حقها إلا في حدود الإجازة التي لم تتجاوز الشهرين. و تقول: "عدتُ إلى العمل مباشرة، ولم أتمكن من الحصول على شيء من إجازاتي السنوية، وتركتُ طفلي لدى أهل زوجي لأدرس وأتعلم وأتدرب على طب الأطفال الذي يؤنبني، يومياً، على نقص أمومتي". و تضيف: "كثيراً ما أحار بين كوني طبيبة وكوني أمّاً، ولا أجد مفراّ من مناوبات يستمر بعضها إلى 30 ساعة من دون أن أحظى ولو بدقائق لأحضن صغيري وأرضعه"!.
شائعات كاذبة
وتعترف معصومة النخلاوي أم لطفلين، وتعمل ممرضة في مركز الرعاية الصحية الأولية في عنك، بأنها لا تتحمّس كثيراً لتنفيذ برامج التوعية الخاصة بالرضاعة الطبيعية، لشعورها بأنها تقول شيئاً وتفعل شيئاً مختلفاً. و تقول: "أواجه أمّهات يومياً، وواجبي المهنيّ يفرض عليّ الشرح والتوجيه والتحدث عن فوائد الرضاعة الطبيعية، ومضار الرضاعة الصناعية، وأقدم مشورات، وأوزع مطويات، لكن في داخلي إحساساً غير مريح، فأنا لا أعمل بما أنصح به الأمهات"!. و تضيف: "كنا نتوقع من وزارة الخدمة المدنية أن تحسّن من أوضاع الأمهات، وكم تحمّسنا لشائعات عن سعي الوزارة إلى إطالة إجازة الأمومة لتصل إلى ثلاثة أشهر، وشائعات أخرى عن ساعة رضاعة للموظفات الأمهات". لكنّ النخلاوي تقول: "أشعر بخيبة أم تبذل جهدها ووقتها في عمل لا تستطيع أن تكون نموذجاً له"!.
ثغرات للتلاعب
وتؤكد اختصاصية البصريات في مستشفى صفوى نادية المرهون، حامل في الشهر الخامسة. قلقها الشديد من خسارة عشرين يوماً مؤثرة في علاقتها بمولودها المنتظر. ومن واقع تجربة ثلاث ولادات سابقة، ترى " المرهون " أن "40 يوماً لا تكفي الأم ولا الطفل خاصة حين تعمل الأمّ في وظيفة طبية أو صحية". و تضيف: "لذلك تدّخر الموظفة إجازاتها السنوية وتحرم نفسها من الاستمتاع بها لتضيفها على إجازة الأمومة في محاولة لتعويض طفلها بما تستطيع من وقت، وشخصياً كنتُ أخطط بهذه الطريقة، وفي ولادتي الأخيرة ادخرتُ 45 يوماً من إجازاتي السنوية وحاولت الاستفادة منها بعد إجازة الأمومة". وعلى الرغم من أن التعديل الجديد أتاح فرصة لتمديد الإجازة إلى 90 يوماً بموجب تقرير طبي من اختصاصي؛ فإن " المرهون " ترى في هذه النقطة من النظام ثغرة يمكن استغلالها من قبل "أصحاب النفوذ والواسطة"، وتفتح المجال "للتلاعب وتمرير تقارير طبية لبعض الموظفات وحرمان البعض الآخر". وتقول: "نحن نتحدث عن حق الأمومة والطفولة معاً، والحقيقة هي أن المرأة تستعيد عافيتها بعد أسابيع قليلة من الولادة، والمشكلة ليست في صحة الأم التي يمكن استعادتها، بل في الأمومة التي تعني حاجة الطفل إلى قرب الأم أطول مدة ممكنة، وحين تُختزل فرصة الأمومة في 40 يوماً؛ فإن الطفل هو الخاسر. وتقول والكلمات تعبر عن مدى ألمها من النظام الجديد: لكم أن تتصوّروا حين يفرض دوام العمل 9 ساعات يومياً عدا الوقت الضائع في طريق العمل ذهاباً وعودة". ومن تجربتها المهنية تؤكد مساعدة طبيب الأسنان عائدة آل سلاط أن العاملات في المهن الطبية والصحية أكثر الأمهات تضرراً على المستوى الاجتماعي والنفسي، متسائلة عن جدوى المدة القصيرة في "مسألة الأمومة والطفولة"، وتقول: "هل الأربعون يوماً مخصصة لراحة الأم أم لحاجة المولود، ففي رأيي إن المولود هو الخاسر بالتأكيد"!. وتضيف: "ساعات العمل تلتهم 9 ساعات من النهار، إضافة إلى ساعة للطريق على الأقل، وحين تعود أي منا إلى بيتها فإن أمامها قائمة طويلة من الأعمال المنزلية وعليها ألا تؤخر شيئاً منها، وحين نحسب المدة الزمنية التي يقضيها الطفل بقرب أمه فإن المحصلة لا تتجاوز ساعات النوم، ومن تجربتي أعترف بأنني أم مقصرة جداً في حق أمومتها، إذ إن مجموع الوقت الذي أكون فيه قريبة إلى طفلي كأم حقيقية لا يتجاوز ساعتين في اليوم".
ساعة رضاعة
وفوق إجماع الموظفات الأمهات على تأكيد تضررهنّ من تقليص مدة إجازة الأمومة المدفوعة الراتب؛ فإنهنّ، اتفقن أيضا على احتياجهنّ إلى "فسحة" رضاعة أثناء الدوام الرسمي، لا تقلّ عن ساعة يومياً.
وتؤكد الممرضة حميدة نتيف أن الدوام الذي يمتدّ 9 ساعات يومياً من شأنه أن يسيء إلى علاقة الأمومة، ويؤثر سلبياً في نشأة الطفل. وتتفق معها الممرضتان أفراح النزغة وهند الحواج والمعلمة زبيدة المالكي التي تقول: "مشكلة الأم بعد إجازة الأمومة هي أنها لا تحصل على ساعة رضاعة، ذلك أنها تعتاد الإرضاع أثناء الإجازة في مواعيد متقاربة في اليوم الواحد، وحين تتوقف عن الإرضاع بسبب ساعات الدوام؛ فإنها تتعرض لمتاعب مؤلمة". وتطالب المالكي "بتخصيص ساعة رضاعة أثناء الدوام وتجهيز مكان للحضانة في كل مبنى مدرسي بشكل رسمي". وتؤكد المطلب طبيبة التخدير والعناية المركزة الدكتورة جيهان درويش، وهي أم لطفلين، احتياج الموظفات في المهن الصحية والطبية إلى موقع حضانة في المستشفيات والمراكز الصحية. وتشدد الدكتورة درويش على أن المناوبات الطويلة تشكل ضغطاً صعباً على أمومة الطبيبة، بحكم غيابها عن المنزل لأكثر من 24 ساعة أحياناً. و تذكر أن بعض الأمهات تلجأ إلى حيلة صغيرة حيث تطلب من زوجها إحضار الطفل، أثناء المناوبة، والانتظار في السيارة، وتختلس من وقت دوامها دقائق معدودة لأداء واجب أمومتها". و تضيف: "لو كانت لديهنّ أوقات مخصصة للرضاعة لما اضطررن إلى هذه الحيلة"!.
أمهات " أرامكو"
وتشير استشارية الرضاعة الطبيعية مريم المعلم إلى أن الموظفات السعوديات يعشن أزمة أمومة فعلية بسبب عدم تمكنهنّ من ممارسة أمومتهنّ على نحو طبيعي. وغالباً ما تتركز المشكلة في "قطع الرضاعة الاضطراري" على حدّ تعبيرها، حيث "تفرض الوظيفة واقعاً يتعارض مع واجب الأمومة". وتضيف: "مشكلات الرضاعة تبدأ في مرحلة دقيقة من حياة الطفل، ففي الشهور الأولى التي تتطلب حصول الرضيع على حقه من الغذاء المكوّن من حليب الأم فقط، تتدخل الرضاعة الصناعية قبل بلوغه الشهور الستة"!. وترى المعلّم أن "قطع الرضاعة الطبيعية في الشهر الثاني أو الثالث من عمر الطفل يُعتبر أحد المحاذير التي تعرّض الطفل إلى مشاكل مستقبلية، إذ إن نظامه الغذائي سيدخل في اضطرابات عادة ما تلاحظها الأمهات في أعراض مرضية تبدو عابرة ولكنها عميقة". وتؤكد "المعلم" أن أطفال الموظفات في أعمال ذات دوام طويل أكثر تعرضاً للمشكلة، خاصة حين لا يحصلن على ساعة رضاعة". وتعتبر " المعلم " النظام الذي تعامل به شركة " أرامكو" السعودية الموظفات المرضعات نموذجاً يمكن تعميمه على الموظفات السعوديات بشكل عام، حيث "يسمح النظام بساعة رضاعة يومياً، ويُعطي الموظفة حقّ جمع ساعة الغداء وساعة الرضاعة لتعود إلى منزلها قبل ساعتين من نهاية دوامها".