السلام عليكم..
من المعلوم أن الشريعة لا تأمر إلا بما كانت مصلحته خالصة أو راجحة, ولا تنهى إلا عما كانت مفسدته خالصة أو راجحة. أما ما كانت مصلحته راجحة فمثاله الجهاد, فالجهاد فيه مفسدة هلاك النفس, ولكن مصلحة إعلاء كلمة الله أرجح من مفسدة هلاك النفس؛ فلذلك أمر بالجهاد. وأما ما كانت مفسدته راجحة فمثاله الخمر والميسر, قال تعالى:"قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما", فأثبت أن فيهما منافع, ولكنها أقل من مفاسدها؛ فلذلك نهي عنهما.
أما قاعدة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, فهذه لا يقال بها إلا عند التعارض والتساوي, بمعنى أن تكون المصلحة بنفس حجم المفسدة, فعندها يقال بهذه القاعدة, أما عند رجحان أحد الأمرين على الآخر, فإن الحكم يعطى للراجح سواء كان المصلحة أو المفسدة, فيؤمر بالشيء إن كانت المصلحة هي الراجحة, وينهى عنه إن كانت المفسدة هي الراجحة.
فإذا رجعنا لموضوع قيادة المرأة للسيارة, فإن القيادة في حد ذاتها ليست محرمة, ولكن هناك من يحرمها في مجتمعنا لما قد يقترن بها من مفاسد مظنونة, بمعنى لو أن هذه المفاسد انتفت فإننا نرجع إلى الأصل وهو الحل.
فإذا كان الحال أن قيادة المرأة للسيارة هي أمر مباح في أصله, فإنها لا تنتقل إلى التحريم إلا إن كانت المفاسد المترتبة عليها خالصة أو راجحة, ولا تبقى على الإباحة – أو تنتقل لأن تكون مأمورا بها- إلا إن كانت المصالح المترتبة عليها خالصة أو راجحة.
إذا العبرة في مسألتنا بموضوع المصالح والمفاسد.
وبناء على ما سبق فإن الطريقة الصحيحة في نظري هي أن نجمع كل ما يقال عن قيادة المرأة بأنه مصلحة أو مفسدة, ثم نستبعد أولا ما يظن أنه مفسدة, وهو ليس مفسدة في حقيقة الأمر, ونستبعد كذلك ما يظن أنه مصلحة, وهو ليس مصلحة في حقيقة الأمر, ونبقي على ما يصح شرعا وعقلا أن يعتبر مصلحة أو مفسدة, وأيضا ننظر ما هي المصالح المترتبة على إبقاء الوضع على ما هو عليه, وماهي المفاسد المترتبة على ذلك. وبعد ذلك نبدأ بالموازنة بين الأمرين – بناء على اعتبارات متعددة-, وأيهما يرجح فإنه يعطى الحكم بناء على ذلك.
ومما يجدر التنبيه إليه هو أن تحصل العملية السابقة من أهل الاختصاص, كل في مجاله, الديني في مجاله, وكذا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي..الخ, فإن موضوع قيادة المرأة للسيارة له تعلق بكل هذه الأمور, فلا بد أن توضع في الاعتبار.
وإذا أخذنا مجلس الشورى كمثال, فإن فيه لجانا مختصة, ففيه لجنة شرعية, واقتصادية..الخ, وكل لجنة لها تعلق بموضوع قيادة المرأة فإنها تبحث الجزئية التي في نطاق اختصاصها, ثم ترفع توصيتها للمجلس, وكذا باقي اللجان, وبذلك تكون الصورة واضحة ومتكاملة.
فالخلاصة أنه لا بد من دراسة شاملة يتعاون فيها جميع أهل الاختصاص ليخرجوا بقرار سليم مبني على أسس علمية صحيحة.
لا بد أن أشير إلى أن إقرار السماح في نظري قادم لا محالة, وما هي إلا مسألة وقت, ومراعاة ما سبق أن ذكرته لا أعلم هل سيكون متحققا أم لا. والأفضل في نظري صرف الجهود التي يمكن أن تبذل لمنع الإقرار في توعية الناس, وجعلهم يتعاملون مع هذا الأمر بأسلوب حضاري راق, والتقليل من المفاسد المظنونة, ما دام أن الأمر حاصل حاصل.
وختاما, في رأيي أن الموضوع بحد ذاته لا يستحق كل هذه الهالة التي أحيط بها, ولكن لأنه يمثل – في نظر البعض- حلقة من حلقات الصراع الجاري بين التيارين الديني والليبرالي في مجتمعنا السعودي, فلذلك ضخم الموضوع لهذه الدرجة, حتى أصبح عند بعض الناس معقدا للولاء والبراء, وعلامة على تدين المرء أو عدمه, ودليلا على انضواء المرء تحت هذا التيار أو ذاك, والمسألة في نظري أهون من ذلك بكثير, ولكن..
والسلام عليكم.