السلام عليكم..
ما ذكرتِ من أمور ليست في حقيقة الأمر علما يطلب بقدر ما هي واقع يعاش ويجرب, وقليل من الناس تعلموا هذه الأمور دون المرور بها شخصيا.
فلن تجدي - إلا قليلا- إنسانا أصبح مصدر السعادة عنده ليس مرتبطا ببسمة أو ردة فعل لإنسان آخر, إلا وقد عاش زمنا يربط الأمرين ببعضهما حتى تبين له حجم التبعة النفسية من جراء هذا الربط, فآثر الفصل بين الأمرين, وتعلم – بفعل التجربة- كيف يجعل السعادة تنبع من داخله, من إحساسه برضا ربه, ورضا نفسه عن نفسه.
ولن تجدي – إلا قليلا- إنسانا أصبح يحكم عاطفته بإرادته, وقلبه بعقله, إلا وقد حصل أن قدمهما على ما كان حقه التقديم, فذاق الأمرّين, وتبين له عوار النتائج المبنية على ذلك وخطؤها.
ولن تجدي – إلا قليلا- إنسانا أصبح لا يثق إلا فيمن يستحق الثقة, إلا وقد طعن – مرة أو مرات- بسكين الغدر, فعرف أن الأرض البوار لا تنتج.
ولن تجدي – إلا قليلا- إنسانا قد أدخل أحاسيسه في بيات شتوي ولم يرتبط بشخص حتى لا يبعثره الاشتياق, إلا وقد قتلته لوعة الشوق يوما, ثم أقسم يمينا غير حانث فيها ألا يسمح لأحد – مهما كان- أن يعرضه لأشد أنواع الألم, ألم الشوق.
ولن تجدي – إلا قليلا- إنسانا أتقن العند وترك العفو – في غير محله- وترك تحمل أخطاء الآخرين, إلا وقد دفع نتيجة لضد ذلك ثمنا باهظا, ثم تبين له شدة غبنه في تلك الصفقة.
ولن تجدي – إلا قليلا- إنسانا أصبح يجيد وصف الوداع ويبرع في تضميد الجراح, إلا وقد وُدِّعَ رغما عنه, فقال: قد آن الأوان لكي أكون المودِّع لا المودَّع, وإلا وقد نزف حتى لم يجد إلا نفسه لتضميد جراحه.
ولكننا نبقى بشرا, فينا العقل وفينا العاطفة, ينتصر ذاك حينا, وتغلب تلك حينا آخر, وقد نكرر أخطاءنا, بل إننا نكررها, ومقل ومستكثر, والعبرة بالأغلب, والتوازن هو المطلوب.
فإدراك مآلات الأمور قبل البدء هو السر, ومن الناس من لا يقتنع حتى يصل بنفسه ويرى عيانا بيانا, ومنهم حصيف – وهم القلة- يرى ذلك في غيره فيرعوي, والسعيد من وعظ بغيره, والشقي من وعظ بنفسه.
بالمناسبة, نص رائع!
والسلام عليكم.