تستطيع ان تقول أن الشمس تغرب من الجنوب ، وتستطيع أن تقول أن الأرض مسطحة ، وتستطيع أن تقول أنك تتمتع بذكاء لم يصل إليه أحد . ليس المهم ما تقوله المهم أنك لم تتعدى حدود ما تعرف ، وإن صادف أن استمع إليك أحدٌ ما لم يرى الشمس تغرب سيصدقك ، وإن استمع إليك شخصٌ لا يعرف ماهية الأرض سيصدقك ! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل أنت سعيد بأنك قلت شيء وصدقك لاشيء ؟
قبل سنة تقريباً كنت في الجمهورية العربية السورية لزيارة بعض الأصدقاء من المثقفين والشعراء الذين يجلسون خلف الضوء ، لا يوجد شيء يربطني بهم سوى أنني أزورهم في مقهى ( أبو النور ) في العباسيين حيث يجتمعون ، اعتدت أن أستأجر شقة صغيرة أعتزل بها في منطقة ( باب توما ) شقة صغيرة في الدور الرابع تتكون من ثلاث غرف ومستلزماتها مع بلكونه تطل على الشارع مغطاة بأشجار بطريقة هندسية مرتجلة أقل ما تقوله عنها أنها جميلة ، بعد أن أعود من وسط البلد وبالتحديد من أمام فندق الشام ، حيث المكتبة التي تعودت أن أشتري منها ما يلزمني للعزلة والتأمل مكتبة النور ، تلك السنة قرأت ( لعبة الكريات الزجاجية) للكاتب الألماني هرمان هيسه ، وآلام فارتر للكاتب ( غوته ) ، وقصائد صوفية لفريد الدين العطار ، وبعض الكتب التي أحب قراءتها ، في تلك السنة كان عرض مسرحية ( من دون كلام ) المأخوذة من كتاب ( سأخون وطني ) للكاتب السوري المعاصر ( محمد الماغوط ) في الكتيب الذي يوضع على مقاعد الجمهور نبذة عن المسرحية والممثلين كتب في بدايتها (( جميعنا سنموت أنا والحمار والملك أنا من الجوع والحمار من التعب والملك من الملل )) لاقت هذه المسرحية إقبالاً جماهيرياً كبير لأنها تتحدث عن الشعب وهموم الشعب وقد أخذت حيزاً كبيراً من الحرية والتعبير عن الرأي وهذا الشيء ليس غريب على الجمهورية العربية السورية التي تدعم حرية الرأي والتعبير عنه في كنف لرئيس الراحل حافظ الأسد والرئيس الحالي الدكتور بشار الأسد . وأن قال شخص يزعم أن سوريا ليس بها حرية الأفضل له أن يصمت وأن يمارس الحرية بوطنه قبل أن يقول هذا ، أن سوريا تحترم الرأي الأخر وتحترم التعبير عن الرأي ، أقصد بالتعبير عن الرأي هو التعبير الذي يأتي من ذوي الاختصاص ، وهذا لا يشمل أي شخص يأتي من الشارع ويسيء إلى الحكومة لأن سائق التاكسي نصب علية . كنت أتحدث عما حدث في السنة السابقة والآن سأتحدث عن هذه السنة ، نفس المكان الذي سكنته به في السنة الماضية في ( باب توما ) والأغلبية بهذه المنطقة من المسيحيين ، أحب الهدوء في هذه المنطقة ، الكتب التي قرأتها هي ، ( مجنون إلزا ) للكاتب الفرنسي أراغون ) ، ( مائة عام من العزلة ) للكاتب الكولومبي ( ماركيز ) ، ( لمن هذا البياض ) للكاتب السوري ( أنور رجا ) ، ( روائع من الأدب الأرميني الساخر ) مجموعة شعراء ، ( محاورات مع أراغون ) منقولة من الإذاعة الفرنسية القناة الثقافية ( فرانس – كلتور ) ، المكتبة التي اشتري منها الكتب مقابل فندق الشام وهي المصدر الرئيسي الذي يمدني بالكتب ، وهناك مكتبات جميلة وكثيرة في منطقة ( الحلبوني ) ، بين الشقة والمقهى وحمامات الشيخ رسلان كنت أقضي يومي ، التقيت هذه السنة بالأستاذ محمد الماغوط وقد دبر هذا اللقاء أحد أصدقائي في المقهى ، والتقيت أيضا بالكاتب الأستاذ انور رجا ، والشاعر فؤاد نعيسه ، هذه السنة كانت تعرض مسرحية ( ليلة سقوط بغداد ) وهي تعرض إلى الآن ، في مسرح دار ميتا للفنون المسرحية أيام العرض أربع أيام في الأسبوع من الخميس إلى الأحد ويمتد العرض شهرا كاملاً من تاريخ كتابتي لهذا المقال ، هي من أخراج وبطولة الفنان ( همام الحوت ) وتأليف المهندس ( مازن طــه ) والدكتور المهندس ( عمر خشرم ) وهذه المسرحية من العيار الثقيل التي يمتزج الضحك بها مع البكاء ، وللأمانة لقد بكيت في الربع ساعة الأولى عندما عرضوا على شاشة تلفزيونية مشاهد من القصف الأمريكي على العراق ، ومشاهد من التصويت على السوبر ستار ، ورقصات لفيفي عبدو ، على أنغام أغنية الفنان العربي كاظم الساهر التي تتحدث عن العراق ، المسرحية جميلة جداً ناقشة القضايا السياسية الخارجية للعرب ، والداخلية لسوريا ، المسرحية كانت تحمل إيحاءات جنــسـية بذيئة ، وألفاظ سوقية ،إلا أنها كانت تتحدث بلغة الشارع ، وربما ساعدت الإيحاءات والألفاظ على الدخول إلى أماكن مظلمة ، ولن أقول أن هذا خطأ ولكنني أقول : لو أنهم وجدوا طريقة أخرى لكان أفضل ، وهذا لا يقلل من جمال المسرحية ، من وجهة نظري ، المسرحية لم تتحدث عن التخاذل العربي إنما تحدثت عن الهيمنة الأمريكية ، المسرحية كانت تهنئ العرب بسقوط المجرم صدام حسين ، وتواسي العرب بضحايا القصف الأميركي على العراق ، كانت تقول بأن النظام العراقي أخطأ بحق العراقيين وعذبهم كثيراً ويجب أن يسقط بأي طريقة كانت ، وتواسي الشعب العراقي بسقوط الأبرياء الذين طالهم القصف وكانت المواساة بمثابة التعازي ، هناك خطأ وتناقض في المسرحية ، في المشهد الأول من المسرحية حيث كان المشهد عن القنوات التي نقلت الحرب من اليسار ، قناة العراق ، وقناة الجزيرة ، قناة الكويت ، وقناة لبنان ، وقناة أمريكية ، وقناة سوريا ، ظهرت قناة العراق بثوب الإعلام الكاذب الذي ينقل الصورة الخاطئة ، وظهرت قناة الكويت بصورة القناة السعيدة بهذه الحرب ، أنا لا يهمني المشهد بقدر ما يهمني هذا التناقض الذي يظهر الكويت بثوب الدولة السعيدة بهذه الحرب بكل مقوماتها وضحاياها ولم تحدد أن الكويت كان يهمها سقوط النظام العراقي الحاكم فقط ، وكان المشهد يتناول المذيع الكويتي وهو يضحك أثناء نقل الأحداث كأنه في قمة الفرحة لسقوط الأبرياء ، وهذا خطأ لأن الكويت مشكلتها مع النظام العراقي وليست مع الشعب العراقي ، والدليل على هذا أن الكويت تصدر تأشيرات لدخول الكويت للعراقيين وتعاملهم بأفضل صورة ، ومنفذ العبدلي الذي تشترك الكويت به مع العراق أصبح منطقة تجارية كبيرة تمد الكويت من خلاله العراقيين بما يحتاجون وبغض النظر عن المساعدات الطبية والغذائية التي تبعثها الكويت للعراقيين ، والخطأ الذي أتحدث عنه هو أن المسرحية تتناول الكويت بصورة خاطئة تجعل المشاهد ينظر إلى الكويت بنظرة سيئة ليس لها صلة بالحقيقة ، فالكويت بلد الخير وهذا ما تذكره الأحداث ، وللأمانة أنا لست كويتي ، ولكن الحق يقال ، وغير هذا تناولت المسرحية جوانب كثيرة من الحياة ، وتحدثت عن الوحدة السورية رغم التعددية العرقية ، وتحدثت أيضا عن تدخل أميركا في السياسات العربية الداخلية ، المسرحية كانت تعتمد على الجمهور في الحكم على ما تتناول لأنها كانت تعتمد على التضاد في مشاهد العرض تذكر المحاسن والمساوئ لكل قضية والحكم للجمهور ، لأن أغلبية المشاهد لم تأتى من فراغ إنما أتت من حياة المواطن السوري ، المسرحية أخذت حقها من الحرية والتعبير عن الرأي .