- الإهدائات >> ابوفهد الي : كل عام وانتم الي الله اقرب وعن النار ابعد شهركم مبارك تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وصالح الأعمال والله لكم وحشه ومن القلب دعوة صادقة أن يحفظكم ويسعدكم اينما كنتم ابوفهد الي : ابشركم انه سيتم الإبقاء على الدرر مفتوحة ولن تغلق إن شاء الله اتمنى تواجد من يستطيع التواجد وطرح مواضيع ولو للقرأة دون مشاركات مثل خواطر او معلومات عامة او تحقيقات وتقارير إعلامية الجوري الي I miss you all : اتمنى من الله ان يكون جميع في افضل حال وفي إتم صحه وعافية ابوفهد الي الجوري : تم ارسال كلمة السر اليك ابوفهد الي نبض العلم : تم ارسال كلمة السر لك ابوفهد الي : تم ارسال كلمات سر جديدة لكما امل ان اراكم هنا ابوفهد الي الأحبة : *نجـ سهيل ـم*, ألنشمي, ملك العالم, أحمد السعيد, BackShadow, الأصيـــــــــل, الدعم الفني*, الوفيه, القلب الدافىء, الكونكورد, ايفا مون, حياتي ألم, جنان نور .... ربي يسعدكم بالدارين كما اسعدتمني بتواجدكم واملى بالله أن يحضر البقية ابوفهد الي : من يريد التواصل معى شخصيا يرسل رسالة على ايميل الدرر سوف تصلني ابوفهد الي : اهلا بكم من جديد في واحتكم الغالية اتمنى زيارة الجميع للواحة ومن يريد شياء منها يحمله لديه لانها ستغلق بعد عام كما هو في الإعلان اتمنى ان الجميع بخير ملك العالم الي : السلام عليكم اسعد الله جميع اوقاتكم بكل خير ..
إضافه إهداء  

آخـــر الــمــواضــيــع

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 15 من 31

الموضوع: أحتضني اللهب قبل أن يحرقني

  1. #1
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array

    أحتضني اللهب قبل أن يحرقني




    [ALIGN=CENTER][/ALIGN]



    الحلقة الأولى :


    ((مع كوين .. لا أحد يعرف شيئاً ))

    [ALIGN=RIGHT]رأته بطلة قصتنا , لأول مرة في الحفلة التنكرية الراقصة عشية عيد جمع القديسين كان يستند إلى جدار قاعة الرقص يراقب الشياطين وقططهم السوداء الرشيقة وهي تتقافز حول بعضها في حلقات دوامية في دائرة الرقص المجنونة ، كان ذا مظهر خطير وقوة عضلية رشيقة لافتة , وفجأة مر بخيالها المنهك ما فجر طاقته النائمة عندما رأت فيه صورة أسد يكمن في العشب الطويل ينتظر فريسته المنكوبة ..


    لكن جاءها ما أيقظها من خيالتها التي سافرت بعيداً .. كان صوت والدتها يقول :
    "(بيج) , بحق الله , أما زلت في مكانك بعد ؟ لا يمكننا أن نقضي سهرتنا في وقفتنا هذه كأننا نسد مدخل القاعة !!"
    أجفلت الفتاة ونظرت إلى والدتها و ابتسمت بخفة وهي تقول :" آسفة ولكني أحاول العثور على (آلن) , لا يبدو أني أستطيع حتى أن ...
    اندفعت والدتها تقول وهي تنظر إلى حلبة الرقص تلك :"من الطبيعي أن لا تستطيعي فهناك ما لا يقل عن دستة من الشبان في زي روميو الليلة و كأنه أخبرهم قبل موته أنهم موفقون لو أنهم ارتدوا ثيابه في كل مرة يذهبون فيها إلى حفلة تنكرية !"
    وتنهدت الأم المنهكة وهي تزيح خصلة من شعر ابنتها الأشقر عن وجهها , وأضافت :
    "وطبعاً هناك لا يقل عن دستة ونصف ممن يقمن بدور جولييت الليلة ... ولكن ليس لإحداهن مثل جمال ابنتي"
    تبسمت (بيج) وقالت:" وطبعا لا يوجد روميو واحد في وسامة خطيبي .. لذا , سيسهل العثور عليه "
    ولكن لم يحدث ذلك , قطبت جبينها خلف قناعها الفضي الرقيق وعيناها البنفسجيتان تجوب الحجرة المزدحمة في محاولة أخرى للعثور على خطيبها الروميو .
    ومن حيث تقف رأتهم جميعا متشابهين جدا . ولكن (آلن) كان شيئا خاصاً فهو الرجل الذي خطبت له وستتزوجه ولا بد أن يكون باستطاعتها تمييزه بين كل هذا الجمع .
    مرة أخرى وقع بصرها على ذلك الرجل الذي رأته قبل لحظات . وكان ينظر من خلال الأبواب الزجاجية المحيطة بالقاعة إلى حدائق الملهى , وعرفته (بيج) رغم أنه كان يعطيها ظهره , لقد عرفت الهيئة الأنيقة لكتفيه تحت بذلة السهرة ومظهر رأسه الشديد الإباء . استدار فجأة ومن خلف قناعه الأسود المحكم التقت العيون المتألقة ببعضها ..

    القاعة ..


    الموسيقى..


    الراقصون..


    الراقصات..


    كل شيء تلاشى في دوامات سريعة


    "(بيج) "قبض والدها على ذراعها وقال "(بيج) اليس هذا (آلن)؟! "
    مرت لحظة كأنها الدهر قبل أن تستطيع صرف بصرها عن ذاك الرجل وتستدير إلى والدها . سألته : "أين؟! " أومأ والدها باتجاه روميو قريب . قالت وقد اندفعت الدماء إلى وجنتيها : " لا أدري ولكني لست متأكدة . " وفكرت كم هو شيء سخيف !


    لقد ظلت تلتقي مع (آلن) ما يقرب من عام. لا بد أن تستطيع التعرف عليه حتى في الملابس التاريخية . نادت في تردد " (آلن) ؟! هل هذا أنت ؟؟ "

    أحست بارتياح عظيم عندما استدار ذاك الروميو و ابتسم وبادلته الابتسامة وهي تقول في سرها : أخيرا .
    قال (آلن) وهو يمسك بيدها :" ها أنتِ يا عزيزتي . تبدين رائعة الجمال (بيج) "
    "أنت ذاتك تبدو شديد الروعة (آلن)"
    وابتسمت مرة أخرى و أضافت:"هل هي تخيلاتي أم أن كل عيون القاعة ترتكز علينا ؟ "
    ابتسم (آلن) ابتسامة عريضة وهو يدس يده تحت ذراعه وقال :"ربما " ثم أضاف : "العمة (دوروثي) تسأل عنك منذ دقائق قليلة هل تريدين رؤيتها ؟ "
    "ليس بعد .. " . قالتها (بيج) بسرعة دفعت الجميع للضحك , نفضت الوالدة ذرة خيالية من النسالة من على ثوب ابنتها وقالت : " تشعر (بيج) بالقلق تجاه مقابلة كل أقربائك دفعة واحدة "
    غمغمت (بيج):" بل كل ما في الأمر أنني لا أرى أن الظرف مناسبا لذلك فهذه حفلة تنكرية راقصة تعج بكل هذا الزحام وهذه الحركة "
    تنهدت (جانيت) وقالت:" لا يوجد مجال آخر للاختيار وقد بقيت ثلاثة أيام فقط على الزفاف "
    غمز (آلن) وقال لخطيبته :"زفافنا" ونظر إلى (بيج) عندما ارتعد جسدها قليلا وقال :"هل تشعرين بالبرد يا محبوبتي؟ " و زلق ذراعه حول كتفيها وسألها مرة أخرى:" هل هذا أفضل؟"
    أومأت خطيبته وقالت بلهجة باسمة:" كانت مجرد قشعريرة."

    وعندما استدار (آلن) بوالدها وتبادلا حديثاً في بعض أمور العمل حادثت (بيج) نفسها
    ثلاثة أيام .. ثلاثة أيام وتصبح السيدة (آلن فولر) ..

    كان ذلك يبدو مستحيلاً, منذ شهر مضى كانت راضية تلتقي بـ (آلن) مثلما كانت تفعل على مدى الشهور التي سبقت خطبتهما بشكل رسمي لبعضهما , كانت تصد عروضه تلك للزواج التي كثرت حتى أصبح من المتعسر عليها أن تنتبه لها , ولكن في إحدىالأمسيات وضع إصبعه على شفتيها قبل أن تتمكن من الرفض
    توسل قائلاً : "لا تقولي لا هذه المرة يا (بيج) ما رأيك في شيء مختلف؟ فقط قولي انك ستفكرين في الأمر حتى الغد"
    قالت : "ألا تذكر أنني لن أكون هنا غدا؟ لن أعود قبل يوم الجمعة القادم "
    ابتسم (آلن) ابتسامته العريضة وقال:" هذا أفضل .. لدي أسبوع كامل من الأمل بينما سيكون لديك أسبوع كامل تفكرين كي لا تقولي "لا" "


    وقتها ابتسمت (بيج) و وافقت . برغم كل شيء كانت تكن له الكثير .. كان وسيماً ساحراً وكانت تعرف أن أي فتاة مستعدة لتقديم أي شيء مقابل أخذ مكانها . كانت لقاءتهما تنتهي دائما على أفضل ما يكون , مع تحية مساء رقيقة عند افتراقهما, ولكن من جهة لم يزد رفضها المتكرر له صداقتهما إلا خصوصية وألفة و من جهة أخرى كأنه كان يزيده إصراراً على مطاردتها بعرض الزواج ذاك .. حسناً , ما الضرر في أن تنقضي خمسة أيام قبل أن تقول له "لا" مرة أخرى ؟!


    ولكن (بيج) عندما عادت في يوم الجمعة التالي من رحلة عملها , عانقتها والدتها وهي قول لها بصوت يخالطه البكاء :" أنا سعيدة لأجلك يا عزيزتي ولكن كان ينبغي أن تخبرينا بنفسك " . وبينما كانت (بيج) لا تزال تحاول أن تفهم ما يحدث برز (آلن) بوسامته المرتبكة متأبطاً ذراع والدها, معترفاً لها في وقت لاحق بأنه قد جرفته الحماسة فذكر ما قالته له قبل سفرها ولكن فقط لوالديها و والديه .. و لـ ..
    سألته (بيج) في غضب مشتعل أوقد وجنتيها التفاحتين :" ماذا تقصد بأنك ذكرت ما قلته ؟ أنا لم أزد عن موافقتي لك في اقتراحك الصاروخي الرائع !! لقد طلبت مني التريث لأفكر في الأمر لا أن ...
    لحظتها وافقها (آلن) واعترف بأنه كان يعرف ذلك .. ولكن , فيما كانت ستفكر؟ إنها تستلطفه منذ بداية تعارفهما.. وقد عاشا معا أيام المرح والسعادة.. بالإضافة أنه مولع بها , وهذا ما سيوفر لهما حياة سعيدة معاً ..

    تمتم :" لا تغضبي مني يا عزيزتي "
    كانت سيماه تنطق بالاعتذار البالغ لدرجة أن غضبها تحول إلى شفقة خجولة و انفعال مربك . قالت في غيظ و هدوء : "أنا لست غاضبة فقط أنا ...
    مست أصابعها وجنته برقة و تابعت : "لا بد أن تعلم أنني لا أحبك يا (آلن)..حسناً , أقصد أنني أحبك ولكني لست متيمة بك هل تفهمني. أنت تستحق من زوجتك أكثر مما يمكنني أن أقدمه لك " .
    فهم (آلن) مقصدها حال أن قالت ذلك .. لقد حدثت بينهما في الماضي العديد من الأمور -إن لم تتطور - ولكنه أفهمها في كل مرة , أن كل شيء على ما يرام بينهما .
    "أنا أريدك " قالها ببساطة وهو ينظر في عينيها باسماً و أضاف محاولاً استمالتها: "مثل أي شيء أخر سيأتي هذا الأمر في وقته وسترين ذالك "
    تخضبت وجنتاها ارتباكاً ولكن لم تضطرب مطلقاً وقالت :" و ما الحل إن لم أفعل؟ ما الذي سيحصل إن لم أتمكن من أن أحبك بالمقدار الذي تستحقه ؟ ماذا لو ...
    أخبرتها نظرته أنه لا يستطيع أن يتخيل ذلك حتى .
    قال :" سأظل أحبك بالطبع " .. ثم ابتسم ابتسامة صبيانية عريضة وقال : "لا خطر في ذلك لن أخذلك يا (بيج) وسترين "

    "(آلن) ..

    قالتها وهي تريد أن تخبره أن ما يشغلها ليس خذلانه لها .. إنما خذلانها له فيما لو لم تستطع مجاراته و التمكن حبه ذلك الحب الذي يدفعها إلى الشغف به . ولكنه أخذها بين ذراعيه متجهاً بها نحو باب الغرفة الذي انفتح أخيرا لتطل منه والدتها .

    قالت جانيت في اندفاع: "(بيج) نحن سعداء جدا , اقصد أنا و أبوكِ , أرجو أن لا تجدا بأساً في أن أخبر عماتك بهذا الحدث السعيد عزيزتي .."

    وهكذا انتهى الأمر .. أو
    بدأ ...

    وبينما كان (آلن) يقودها إلى دائرة الرقص تذكرت (بيج) كيف حدث كل شيء بعدها بسرعة كبيرة جداً لقد أراد والد (آلن) أن يذهب ابنه لإدارة أعمالهم في أمريكا الجنوبية ومعنى ذلك أن الزفاف الذي حدد له يونيو القادم سيتم تقديمه إلى نوفمبر أما الخطوبة الطويلة التي توقعتها (بيج) فقد أصبحت فترة قياسية جداً ..

    ثلاثة أيام .. هكذا فكرت مرة أخرى وهو يزلق ذراعه حولها .. ثلاثة أيام ..



    "هيه أفيقي يا (بيج)"
    نظرت (بيج) إلى (آلن) وهزت رأسها وقالت :" متأسفة لقد كنت أفكر فقط .. لا أستطيع تصديق أن يوم زفافنا قريب هكذا "
    تراجع (آلن) وقال لها باسماً : "لقد فات أوان التراجع , ماذا ستظن العمة دوروثي؟"
    ردت (بيج) مبتسمة:" لا تكن سخيفاً يا(آلن) , لأنها هي من سيقول عني سخيفة لو تخليت عنك في هذا الوقت بالذات"
    ضحكا معاً وهو يديرها عبر ساحة الرقص ثم قال لها مداعباً:"و أني قد ضيعتُ عليها فرصة حضور حفل العام ... تصوري حبيبتي لقد أمضت هي وأمي نصف صباح اليوم وهما تخططان للزفاف ! "
    "فقط نصف هذا الصباح؟ كنت أظن أن زفافنا يستحق أكثر من هذا "
    "فعلاً لقد أمضت العمة باقي الوقت تقدم لي خلاصة خبرتها و أمضت البقية الباقية من النهار في إحصاء أعداد ضيفاتها المسنات ! "
    ضحكت (بيج) وقالت :" هل هي خبيرة؟"
    "بطريقة ما" .. وجذبها إليه ثم أضاف: " لقد تزوجت عمتي 3 مرات .. وأيضا ربما ينبغي أن أنصت لنصائح أكثر من أخي الأكبر"
    ضحكت مرة أخرى وهي تشعر أن قلقها قد بدأ يتلاشى :" لا تقل أنه قد تزوج ثلاث مرات هو الأخر ؟!"
    ندت عن (آلن) ضحكة خافتة متعجبا :" من ؟ كوين؟! مستحيل , لن تستطيع امرأة أن تمسك به على الإطلاق "
    "مدهش" . . قالتها (بيج) بإغاظة و أضافت : "و ما هي النصيحة التي يمكنك الحصول عليها من شخص كهذا ؟"
    "خطبة تبدأ بقوله (لقد جننت لتفعل هذا يا رجل ) أنت تعرفين القول المعتاد الذي يقوله الأخوة الكبار دائما ( أنا أكبر و أعقل و و و ..."
    سألته (بيج) وهي تجول بعينها في ساحة الرقص : "ومتى سأقابل هذا النموذج ؟" وأمالت رأسها جانبا وابتسمت لخطيبها . "بمجرد أن يصل .. المفروض أن يصل غدا ولكن مع كوين لا أحد يعرف شيئا , إن ..."

    قاطعه صوت والدها الذي أصبح فجأة قريباً منهما :" (آلن) أنت لا تجد بأساً في أن أرقص مع ابنتي الوحيدة أليس كذلك ؟"
    رفعت (بيج) بصرها بينما تركها (آلن) بين ذراعي أبيها الذي قال قبل أن يسمع اعتراضه :"اذهب ومتع نفسك بمشروب منعش ولا تنسى أن تجلب لنا كأسين ."
    غمز (آلن) بعينيه وهو يقول:" بالطبع يا سيدي .. (بيج) سأعود خلال دقائق يا محبوبتي ."

    تنحنح (اندرو) بينما استقرت ابنته بين ذراعيه وقال دون مقدمات :"إن والدتك قلقة بشأنك لقد أرسلتني لأعرف إن كان كل شيء على ما يرام .."
    نظرت (بيج) إلى والدها بدهشة و سألته : " ماذا تقصد يا أبي؟"
    "أنتما تتصرفان كما لو كان بينكما مليون ميل وقلت لنفسي ربما هي عصبية اللحظات الأخيرة ؟". أومأت (بيج) شاردة وقالت : "أظن ذالك ."
    حدق والدها في وجهها وقال:"إن (آلن) ملائم لك يا (بيج) إنه شاب رائع لقد عرفته خلال سنوات عملي مع والده و ..

    إنها نفس الخطبة التي يلقيها والدها على مسامعها منذ أن زل لسانها أول مرة وقالت فيها أن (آلن) قد تقدم لخطبتها . قالت في صوت رقيق: " أبي لقد أخذت بنصيحتك أخيراً .. وهاأنا ذا سأتزوجه ."
    نظر والدها إليها وقال:" كل ما في الأمر إنني أردت الأفضل لنا جميعا"
    ضحكت (بيج) وقالت :" لنا جميعا؟ إنني أنا التي ستتزوج وليس أنتما"
    "إنه أسلوب مجازي في الكلام يا طفلتي أنت تعرفين ما أقصد إن سعادتك تعني سعادتي وسعادة والدتك" ثم أضاف ألستِ سعيدة؟"

    أومأت بسرعة .. بالطبع كانت سعيدة .. إن (آلن) -كما يصر والدها- شاب رائع وقد أحبته بطريقة ما أخيراً .. و إذا كان هذا ما يكفيه فهو إذن يكفيها .. هكذا حادثت نفسها بينما ترقص "الفالس" مع والدها . كانت مولعة باللحن الذي يسميه الجميع لحن الألم العظيم , وقد أدركت طبيعته نظراً للقصة التي يرويها .. كم من المرات التي حاولت فيها أن تنقل احساساتها لـ (آلن) يوم خطبتهما لكنه لم يعطها فرصة , وكان على حق أيضا , ربما استطاع أن يتعلم قلبها كيف يحلق في الفضاء و أن يرقص شعورها مع ملائكة السماء ولكن إحساسها لم يتعلم بعد أن يغني معزوفة الحب العطش .. حسنا سيكفيها هذا الآن ..أما لاحقا فإنها ستحاول أن تتعلم كيف تدير الأمور معه وستحاول أن .....


    يا إلهي ..

    تراقصت قشعريرة على كتفيها ..

    شخص ما كان يراقبها .. وهي عرفت ذلك دون سؤال تماما مثلما عرفت من هو .. إنه ذلك الرجل الغريب الذي رأته منذ فترة .. لا بد أن يكون هو .. كانت تستطيع أن تشعر بوجوده وتحس بقوته حتى قبل أن يظهر أمامها ..

    تقدمت (بيج) مقتربة من حضن أبيها الذي ابتسم لها .. ردت ابتسامته , ولكنها مسحت القاعة بعينها . احتبست أنفاسها في حلقها .. نعم .. نعم , كان هناك واقفاً على محيط دائرة الرقص المفتوحة , كانت سترته مفتوحة كاشفة عن قميص أبيض كشكاش وقد التصق بصدره كما لو كان جلداً آخراً .. كان يضع يديه في جيبي سرواله وقد وقف متزناً منفرج الساقين قليلاً.. بينما مال رأسه جانبا و ....كان يراقبها خلف قناع أسود .. و كانت عيناه مثبتتان عليها .. متقدتان .. تُفصل حنايا ثوبها الحريري الطويل ذي الأكمام المتلألئة , تعثرت قدم (بيج) فشدد والدها ذراعيه حولها .

    سألها فجأة : "(بيج). ماذا بك ؟"
    قالت بسرعة : "لا شيء .. لا شيء "
    وانتزعت عيناها بعيدا بالقوة عن الرجل إلى والدها وأضافت : "مجرد أنني .... لا بد أنني متعبة "
    أومأ والدها وقال : "لقد مررت بأسبوع حافل " ونظر لعينيها وقد تغضنت جبهته و أضاف :"هل تودين الجلوس "
    حادثت نفسها : "سيأتي إليك لو انك فعلت ذلك , أنت تعرفين أنه سيفعلها ...
    سرت رجفة خلالها وردت متصنعة الهدوء :"لا .. أنا في الحقيقة أود أن ارقص معك أبي و ...
    ابتلعت ريقها و أجرت لسانها تبلل شفتيها الجافتين وقالت بهمس لاهث : "هذا الرجل .. تُرى هل تعرف من يكون؟"
    سألها مندهشاً : "أي رجل؟"
    قالت بإلحاح : "هذا الذي يقف هناك ." , وأخذت بضع خطوات ليستدير والدها وينظر في الاتجاه الذي كانت تواجهه و أضافت : "الرجل الطويل الواقف بجوار الدائرة "
    كرر والدها :" أي رجل أي بذله يرتديها ؟
    قالت (بيج) "إنه يرتدي بذلة تنكرية ونظرت من فوق كتفيها و تابعت : إنه ..."

    لم يكون هناك . وطافت عيناها تبحث عنه من جديد ولكنه اختفى كانت دقات قلبها متلاحقة كأنها تجري لا ترقص .. و فجأة بدا من الصعب أن تلتقط أنفاسها ..
    قبض اندرو على كتفي ابنته بقوة : "ماذا حدث هل تشعرين بدوار ؟"
    حادث نفسها مرة أخرى: لست أدري ما أشعر به .. إثارة .. بهجة .. روعة ...
    جذبت (بيج) نفسا عميقاً وقالت : "أظن أنه من الأفضل لو أذهب لإصلاح زينة جولييت يا أبي ". و ابتسمت له ثم انطلقت بسرعة قبل أن يحاصرها بمزيد من الأسئلة , ولكن التعبير الحذر على وجه أبيها أنبأها أن الابتسامة مصطنعة مثلما أحست هي بها .
    سمعته قبل أن تخرج من الدائرة يقول لها :
    "دعيني أستدعي والدتك لتذهب معك "



    "لا"


    قالتها بصوت حاد قاطع ثم عادت إليه قائله : "لا داعي لإزعاجها سأعود خلال دقائق معدودة . على أية حال أنا أريد أن أبدو في أفضل صورة أمام أقارب (آلن)"


    "(بيج)"


    انطلق صوت والدها في أثرها وهي تعبر ساحة الرقص .. و بينما هي تأخذ طريقها خلال القاعة حادثت نفسها .. هذا هو جزاء النوم القليل .. والإفراط في العمل .. كانت تشعر بالدوار . ومن ذا الذي لا يصيبه دوار وهو يمر بيوم كهذا ؟ لقد استيقظت في الفجر الباكر لتتمكن والدتها من عمل بعض اللمسات الأخيرة لفستانها وقناعها الذي صممته ليكون على شكل نصف قمر فضي .. ثم كان الغداء مع زميلاتها في العمل .. ثم تناولت الشاي مع وصيفاتها , ورتبت آخر الترتيبات المتعلقة بزفافها .



    " عفوا .." قالتها (بيج) وهي تمر بين اثنين يرتديان زي قناعي ماري أنطوانيت وشيطان ضاحك .. واتصلت أفكارها مرة أخرى , سيتفهم (آلن) ذلك إن هي فعلت وطلبت منه توصيلها الى المنزل . ستقابل أقاربه أولاً , ثم العمة دوروثي , ثم إلى المنزل لتحظى بحمام دافئ ..
    كانت قاعة الرقص قد اكتظت تماماً .. وارتفعت أصوات الموسيقى , وصار الهواء ثقيلاً ساخنا .. ستمشط شعرها وتصلح من زينتها , ثم تعود لتلتقي الأقارب ..

    و بعد ثلاثة أيام يمكنها أن تستريح .

    ثلاثة أيام وينتهي كل شيء ..

    ثلاثة أيام .. أوه .. يااااااااا إلهي .. ثلاثة أيام ..

    كان هناك طابورا طويلا في حجرة "التواليت" قالت في سرها "أريد فقط أن اصل إلى الحوض .. التقطت نفسا عميقا واستكانت تنتظر دورها بهدوء خلف فتاة ترتدي ثيابا إسلامية , و سيدة ترتدي ثياب قرصان .

    وصلها صوت إحداهن تقول بحماسة بالغة : "... إن مجرد طلب الزواج يشعرني بمدى أهميتي عنده .. ومدت يدها اليسرى : " أليس جميلاً ؟ "

    نظرت السيدة الأخرى , ونظر معها الجميع إلى الخاتم الذي يزين إصبع الفتاة و ابتسمن كان الخاتم يحوي ماسة براقة أصغر بقليل من الماسة التي زين بها (آلن) اصبع يدها يوم خطبتهما , لكن (بيج) الآن تسمع دقات قلب الفتاة وهي تتسارع كل ما نظرت إلى خاتمها الماسي البراق .. و تحس بأنفساها التي تتلاحق كلما نظر إليها خطيبها الذي تحبه , لكن هل حدث أن أحست بصعوبة التقاط أنفاسها إذا ما التقت عينا (آلن) بعينيها فتنكشف أسراراً لا تعرفها ؟

    لم تشعر (بيج) بهذا الإحساس الذي يربكها لدى نظرة (آلن) لها .. لم تشعر بمثل ذلك في حياتها على الإطلاق .. ولا حتى خلال تلك العلاقة الغرامية الوحيدة والقديمة جداً .. حتى لحظات خلت لم تكن تشعر بشيء ..
    إلى أن نظر إليها رجل لا تعرف اسمه من خلف قناع أسود !

    صمتت الفتاة التي ترتدي ثيابا إسلامية عندما سمعت شهقة مكبوتة تخرج من حلق (بيج) .. قالت "عفوا" وحاولت أن تبتسم .. و لكنها لم تستطع , فقط وجدت شفتيها تنفرجان عن أسنانها في نموذج رديء للابتسامة , بينما استدارت وأخذت طريقها وسط الحواجب المرتفعة والأوجه الفضولية التي استدارت فجأة .

    أخيرا عادت (بيج) إلى القاعة مرة أخرى .. واستندت إلى باب التواليت وهي تنظر حولها , وخطر (آلن) ببالها وتمنت لو يبدو أمامها غير أن (آلن فولر) لو كان احد هؤلاء القريبين منها و اللذين يرتدون ثياب روميو لما عرفته ولا ما تمكنت من تمييزه أبداً !


    بدا صوت الموسيقى أعلى من ذي قبل وبدا الزحام يشتد. كان هناك رجلاً بديناً يدخن سيجاراً ذا رائحة خنقت جوها مما أشعرها بالغثيان .. فكرت بالاندفاع خارجة من القاعة إلى الشارع , حيث يمكنها أن تستوقف إحدى سيارات الأجرة و تعود للمنزل .

    ولكن لم يكن هناك شارعا خارج ملهى "هانت" بل كانت هناك ساحة انتظار للسيارات فوق جرف "كونكت كت" الذي يشرف على المحيط الأطلنطي .. ولن تستطيع مجرد السير قليلا في الظلام .. إن هذا الأمر لا بد وانه سيزعج والديها و(آلن) , ثم يأتون للبحث عنها ..
    ماذا ستقول لهم عندما يعثرون عليها؟ هل يمكنها ان تقول: لقد رأيت فتاة في حجرة التواليت كانت سعيدة بخطبتها لدرجة جعلتني أود البكاء؟

    هل يمكنها أن تقول مثلاً: لقد رأيت رجلاً لم أره من قبل على الإطلاق .. رجلاً لم أعرف اسمه و أنه قد جعلني أشعر بشيء لم يُشعرني به (آلن) و أنه قد أرعبني لدرجة أن اندفعت أجري مبتعدة ؟
    شيئاً فشيئاً .. بدت القاعة كأنها تهتز من حولها وهمست بصوت مسموع : إلــهي العزيز ..

    و فجأة انزلقت ذراع حول خصرها .. شمت رائحة عطر قوية تخالطها رائحة ثياب جلدية و أحست باحتكاك النسيج الجلدي بوجنتها ..ثم برجل قوي بجوارها .

    سمعت صوتا عميقا يقول : "ستكونين على ما يرام فقط استندي علي ."
    قالت وهي تحاول أن ترفع عينيها إليه :" أنا بخير .... فعلاً بخير "
    ولكنها تركت نفسها تستند على صدره . قال بعد فترة :" سيغمى عليك لو لم تستنشقي بعض الهواء النقي ... خذي نفسا عميقا سيفيدك ذلك "

    فعلت (بيج) ما أمرها به .. في الحقيقة لم يحدث أن أصابها الإغماء من قبل .. ولكنها رأت أنه قد يكون على حق .

    تحولت القاعة في ثواني معدودة إلى دوامة سريعة الدوران .. وتداخلت الألوان الزاهية مع الألوان القاتمة , وصارت الموسيقى صاروخ مدوٍ .. أراحت جسدها على جسده و كأنما تختبئ فيه وهو يقودها خارج الزحام .. تراءت أمامها الأبواب المؤدية إلى الحديقة وعرفت أنه سيأخذها إلى هناك ..
    قالت في صوت ضعيف :" دعنا نذهب إلى الخارج ... لا أكاد أحتمل هذه الضجيج "

    دفع هو الباب .. هب تيار من الهواء صافح وجهها و زاح من عقلها خيوط العنكبوت التي بدأت تلفه ..
    حان الوقت لتوقفه وتشكره على مساعدته لها .. ويا حبذا لو تطلب منه ممتنة أن يستدل لها عن مكان خطيبها ..

    ولكنها لم تفعل ..

    لأنها رفعت عيناها إلى وجهه وما كان يجب أن تفعل ..

    لأنها صُدمت تماما في المحيا الذي صفع نظرها ..

    لأنه كان يجب أن تعرف من البداية أن هذا الرجل الذي يقف بجانبها ..

    بل الممسك بها ..

    المحتويها ..

    ليس سوى ذالك الغريب الذي شاغلتها عيونه طوال السهرة ..

    بل أن دقات قلبها أكدت لها ما لم يعد بوسعها أن تُنكره ..

    أنها باتت الآن أمام الرجل الوحيد الذي بدأت تخافه قبل أن تعرفه ويعرفها ..

    وبقدر ما أن رغبت أن تأتي هذه اللحظة و بقدر ما أملت في ذلك ..

    عرفت بنفس القدر أن حياتها لن تعود مطلقاً كما كانت قبل أن يضع يده عليها ....



    *
    *
    *
    *
    *
    *
    *
    *
    *
    *
    *
    *
    يُتـبــــــــــع
    [/ALIGN]

  2. #2
    الصورة الرمزية ROMEO
    تاريخ التسجيل : Mar 2002
    رقم العضوية : 14
    الاقامة : Lonely Soul
    المشاركات : 3,579
    هواياتى : poetry_music_deep meditation
    MMS :
    إم إم إس
    mms-49
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 64
    Array



    [ALIGN=CENTER]رائـــــــــــــــــــع

    وسكتت شهرزاد عن الكـــــلام المباح....

    لتطلق في آجواء المكان... عبقها الفواح

    وحتى موعد الليلة التالية....

    ستنزوي أعين الأكوان....بين جنبات الصباح



    ----

    العزيزة شهرزاد..... حللتِ أهـــلاً ووطئتِ سهــــلاً

    مرحبا بك مقدار مابالبحر من درر ومابجوف السماء من نجوم

    حياك الله بيننا.. في مرتفعات القصة القصيرة والرواية

    لمن دواعي سروري ومدعاة لأبتهاج نفسي, زيارتك العطرة

    حاملة بين يديك ريشة لعمري ستسكب آلوان الطيف

    وتشكل فسيفساء هذا العمق السردي من جديد


    تهنئة لروميو ومن بالدرر بهذا الآت من زمن الشاعرية


    ----


    بأنتظار التتمة.......... على أحر من الجمر



    مع ارق وأعذب الأشواق

    [/ALIGN]

  3. #3
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array



    [ALIGN=RIGHT]الحلقة الثانية :[/ALIGN]



    (( عديني أن تعودي .. ))

    [ALIGN=RIGHT]ارتعدت (بيج) عندما تأرجحت الأبواب الزجاجية منغلقة خلقها . آخر مرة جاءت فيها إلى هنا كانت بصحبة (آلن)
    كان الهواء معبقاً بأريج الزهور وكانت رائحة البحر واضحة في الهواء و صوت أمواجه العالية البعيدة مسموعة وهي تضرب رمال الشاطئ القريب بلا شفقة .. وتسللت نفحات الموسيقى خافتة من القاعة المنغلقة لتختلط بأصوات الأمواج .. كان القمر بدراً ينير الشرفة التي يقفون عليها .. ولكن عندما رفعت (بيج) عينيها لوجه الرجل الغريب , اندفعت سحابة كبيرة عبر السماء وأغرقت كل شيء في الظلام .
    ألحت عليها كل غرائزها أن تسحب نفسها من الذراع المحيط بخصرها و أن تركض عائدة إلى الدفء والضوء داخل الملهى . ولكن بدت قدماها كأن جذورهما قد غاصت في الأرض .
    أحست أن موقفها يُعد حماقة كبرى , واستدارت لتقول بأنها ستذهب . و لكن سبقها الرجل بالكلام .
    ''خذي نفسا عميقا ''
    هزت (بيج) رأسها , وقالت : '' أنا بخير الآن .. أنا .. ''
    أحست بضغط يده وهو يقول لها بلهجة حاسمة : '' خذي نفساً .. هيا استنشقي .. ''
    كان أمرا , وليس طلبا أو نصيحة على الأقل , أومأت وفعلت ما قال , وجذبت الهواء البارد إلى رئتيها
    ''أفضل؟ ''
    أومأت مرة أخرى , وقالت : '' نعم .. أفضل كثيراً .. في الحقيقة شكراً لك على ... ''
    قال باهتمام : '' لا تتحدثي .. فقط خذي نفساً آخراً ''

    أخذت شهيقاً آخراً و أحست أنه لا يوجد ما يدعوها على القلق .
    كانت على يقين أنها تحولت إلى ورقة شاحبة في تلك القاعة المكتظة . ولقد لاحظ ذلك , وهب لنجدتها. كان مجرد منقذ طيب وماعدا ذلك فهو من نتاج خيال جامح متعب .
    قالت في ارتباك : '' أنا بخير الآن و أنا شديدة الأسف لكل ما سببته لك من إزعاج ''
    '' لم يكون هناك إزعاج على الإطلاق '' ودفعها ضغط يده لأن تستدير إليه , و أضاف : '' في الحقيقة يمكنك أن تقولي أنكِ أسديتِ لي معروفاً ''
    سالت في اندهاش مكتوم : '' أنا ؟ ''
    هل كانت هناك ابتسامة في صوته ؟ فقط لو تستطيع رؤية وجهه .

    ضحك برقة , و قال : '' لقد كنتُ دائماً أتمنى أن أنقذ فتاة واقعة في خطب ما يا جولييت '' .
    ولمست يده وجنتها , وأضاف : '' هذا هو اسمك الليلة , أليس كذلك؟ ''
    قالت (بيج) بسرعة : '' أنا ؟ .. آه نعم, هذا صحيح .. و في الواقع يجب أن أدخل الآن , إن خطيبي .. ''
    أطبقت أصابعه على يدها و قال '' أظن أنني رأيتُ شيئاً يتلألأ في إصبعك .. أخبريني يا جولييت .. أين هو ؟ أقصد خطيبك ''
    '' إنه ... ينتظر في قاعة الرقص .. إنه .. .. .. ماذا تفعل ؟!! ''

    سألت رغم أن الإجابة كانت واضحة .. لقد تلوى خارجاً من سترة بدلته وبسطها على كتفيها .
    قال دون اهتمام : '' أنتِ تشعرين بالبرد '' , ورفع شعرها الأشقر المسدول عن كتفيها و أسدله فوق السترة , و أضاف : '' يدك كالثلج ''
    قالت بسرعة : '' لا أنا بخير .. ''
    جذب طيتي صدر السترة معاً وهو يقول : '' لا تجادليني رجاءً '' .
    أحست (بيج) فجأة أنه لا يمكن لأحد أن يجادل هذا الرجل على الإطلاق .. نعم لا يجرؤ أحد على ذلك ..
    حكت أصابعه جلدها برفق و مر بإصبعي إبهامه في خفه على حلقها و تمهل فوق التجويف الذي يعلو الترقوة . تساءلت في عجب عما إذا كان يشعر باندفاع الدم السريع نابضاً تحت لمسته , وسرت رعشة ببدنها .

    اغتصبت ضحكة , وقالت : '' ربما أشعر بالبرد قليلاً .. الجو بارد هنا , أليس كذلك ؟ أظن أنه هواء المحيط رغم أننا في الخريف طبعاً '' .
    تباً .. إنها تثرثر كالمجانين .. أحست أنها تبدو كطالبة مدرسية هلِعة .. أو كأنها مراهقة تخرج مع صبي لأول مرة ..
    لكن الواقف بجوارها في الظلام رجلاً وليس صبياً , رجل لا تعرف اسمه ..
    ماذا تفعلين هنا يا (بيج) ؟!! , سألت نفسها بغيظ ..

    قبض على يدها قائلاً : '' سيري معي ... أرجوك ''
    ردت : '' لا أستطيع ''
    ولكنه كان يقودها بالفعل على الممر المحيط بالحديقة ..
    توسلت له : '' أرجوك ''
    '' فقط لدقائق قليلة ''
    أحست كما لو أنها في حلم من أحلامها الوردية القاتمة .. و صلتها الوحيدة بالواقع هي الموسيقى الخافتة المنبعثة من القاعة التي بدأا يبتعدان عنها ..

    لقد كان الرجل المجاور لها طويلاً .. أطول مما ظنت .. حتى لو ارتدت أعلى كعوب أحذيتها فإنها لن تصل إلا لكتفه فقط ..
    كانت سترته تنسدل حولها كأنها عباءة .. تهدلت الأكتاف والأكمام وبدت كأنها طفلة تلهو بارتداء الثياب .. كان قد رفع الياقة عندما بسط السترة على كتفيها , ومس الصوف الناعم للياقة بشرتها برفق , أحست بالدفء وكأن النسيج لا يزال يحمل درجة حرارة جسده ..

    استطاعت أن تشم عطره .. نفس العطر الذي لاحظته من قبل .. وكان ممتزجا بشيء أكثر وضوحاً و إحساساً .. ممزوجاً برائحة رجالية صافية مميزة .

    أغلقت (بيج) عينيها , وخفق قلبها وهي تستنشق الرائحة التي أحاطت بها مع حرارة جسده .. ثم رفعت أهدابها .. ماذا تفعل ؟ ..
    تتسكع في الظلام مع رجل لا تعرفه .. متسارعة الخفقات , جافة الحلق , ولم تفكر ولو لمرة واحدة في (آلن) أو في خاتم الخطوبة بإصبعها أو في قسم الزواج الذي ستردده بعد ثلاثة أيام ..

    اشتدت قبضته على يدها , وقال بتأوه : '' لا تخافي ''
    اغتصبت ضحكة أخرى , وقالت : '' لا , أنا لستُ خائفة أنا فقط ...
    توقف و استدار لها قائلاً : '' أنتِ خائفة .. فقط أنتِ خائفة ''
    و مر بيده على باطن معصمها في خفة , وقال : '' يمكنني الإحساس بتسارع نبضاتك . إن قلبك يدق كقلب أرنب مذعور '' .
    تراجعت (بيج) في خطوة سريعة , وهمست : '' لابد .. لابد أن أعود الآن . شكراً على سترتك .. دعني ..
    أحكم قبضته على معصمها , وقال : '' لا تذهبي '' .. كان صوته خافتاً و مبحوحاً .
    ثقل لسانها في فمها وقالت بسرعة : '' إن خطيبي ..
    هز رأسه في تبرم , وقال في خشونة : '' الجحيم على خطيبك .. ابقِ هنا معي '' .

    أحاطت يداه وجهها و أماله لأعلى . كان بإصبعه خاتم .. خاتم عتيق تتوسطه ياقوته . استقطب الحجر ذو اللون الأحمر الدموي ضوء القمر وألهبه بنيران متألقة .
    أحست بدفء هذا الرجل من قبل أن يمسها حتى .. كان الظلام يلف المكان ويغلف ملامحه .. لكن (بيج) عرفتها من قبل أن تراها حتى .. تماماً مثلما أدركت أنها تعرف هذا الرجل منذُ الأزل .. و أنها قد انتمت له في زمن آخر , وفي خلود آخر ..

    أغمضت عينيها و أخذت تنتظر أوامر الرجل التالية .. تنتظر .. وتنتظر ..
    سرى صوت ما في الظلام الصامت .. هل كانت الريح تحف أوراق الشجر أم كانت موجة ترتفع إزاء الشاطئ تحتهما .. لم تكن متأكدة .. ولكن كان الصوت كافياً ليعيدها إلى رشدها ..
    انتزعت نفسها مبتعدة عنه وهي تقول : '' يجب أن أعود .. أنا ممتنة لمساعدتك .. و .. حقا أنا لا أدري ماذا حدث هناك لكن ....
    ماتت الكلمات الوحيدة التي دفعتها شجاعتها أن تخرجها من حلقها الذي أصبح جافاً الآن عندما تحرك نحوها ..
    '' أنتِ تعرفين ما حدث هناك ..

    كان هناك شيء ما في صوته .. إحساس بالثقة لدرجة أثارتها و أرعبتها في آن واحد , أدركت أنه لم يقصد إحساسها المفاجئ بالدوار .. كان يقصد تلك اللحظات الصامتة من الخلود الذي تقاسماه .. ولم تكن هي للتحدث عن ذلك .. لا في هذا الوقت ولا في أي وقت على الإطلاق .. وبالتأكيد ليس معه ..

    قالت بسرعة : '' أنت على حق .. لقد أحسست بالإعياء وهذا كل ما في الأمر , كان الجو دافئاً في قاعة الرقص وكانت مزدحمة و ..
    شهقت عندما تحولت يداه إلى كتفيها ضاغطاً على لحمها البارد وقال : '' لا تكذبي يا جولييت ..
    لقد كنت أراقبك طوال السهرة ..
    أحست بوخز خفيف تحت أصابعه , وقالت بصدق : '' عن أي شيء تتحدث ؟!! ''
    ضحك بتأوه وقال : '' هل سنلعب سوياً ؟ أنتِ تعرفين أني كنتُ أراقبكِ ''
    أحست بالحرارة تندفع وتغمر وجنتيها . وشكرت الله على هذا الظلام .
    قالت : '' أنت على خطأ ''
    اشتدت قبضته على يدها وجذبها إليه ببطء وهو يقول : '' و أنتِ كنتِ تراقبيني أيضاً '' .
    يا لا جرأتك !! .. فكرت (بيج) بذلك في سرها ولكن إنكارها لما قاله جاء سريعاً ..
    '' لم أفعل .. أنا لم ألحظك على الإطلاق إلى أن عرضت علي مساعدتك '' .


    مدهش .. هاهي الآن بدأت تكذب .. يا لهذا الرجل الذي يدفعها للكلام دون تفكير ..

    رأت بريق أسنانه البيضاء وهو يقول : '' عمن كنتِ تبحثين عندما دخلتِ إلى قاعة الرقص يا جولييت ؟ عن خطيبك ؟ ''
    قالت بسرعة : '' نعم خطيبي '' تعلقت بالكلمة الأمل .. كأنها ستنقذها من كل ما هو آت مهما كان . و أضافت : '' هذا صحيح و من المحتمل أنه يبحث عني الآن .. لذا ..

    '' الجحيم كان يجب أن يصحبك طوال السهرة لا أن يتركك برفقة رجل غريب مثلي ''
    و تحركت يداه على كتفيها , و أضاف : '' كنت سأفعل لو أنكِ تنتمين لي'' .

    اندفعت تقول بقوة : '' أنا لا أنتمي لأحد .. ولقد كان ينتظرني ..أقصد أنني لم ألحظه من أول وهلة''
    ضحك بهدوء و قال '' : ولكنك وجدتني جذابا ً أم أني متوهم ؟ '' و انزلقت يداه من كتفيها حتى وصلت معصميها وقال : '' وعندئذ تزاحم الحشد و افتقدت مكانكِ . هل كان ذلك عندما عثر عليكِ خطيبكِ روميو ؟! '' .
    أحست الفتاة بجفاف في شفتيها وبحذر أجرت معه طرف لسانها فوقهما وهي تفكر شاردة فيما يحدث لها الآن ..

    وبعد الآن ..

    و إلى الأبد ..

    '' نعم والآن يجب أن أعود له .. أنا ..
    '' والمرة التالية التي رأيتك فيها , كنتِ ترقصين مع رجل كبير .. '' ورفع يديها بين يديه و أمسك بهما أمام صدره , وقال : '' لم يكن روميو '' .

    كان مجرد تقرير ولم يكن سؤالاً , ورغماً عنها ابتسمت (بيج) و تذكرت والدها وهي تقول له :
    '' لا '' ..
    أومأ قائلاً : '' والدك على ما أظن أو خال أثير ..''
    قالت بخضوع : '' والدي ,لقد رأيتك تراقبنا هناك ''

    كان الاعتراف قد خرج منها قبل أن تتمكن حتى من إيقافه ..
    تبدى أي أمل لها في أن مر هذه الزلة عندما سمعت ضحكته المنتصرة الهادئة من بين الأمواج ..
    '' لكنكِ قلتِ أنكِ لم تلحظيني على الإطلاق يا جولييت ''
    قالت في يأس : هذا ليس اسمي .. إنه مجرد خيال .. ''

    انزلقت ذراعاه حولها وهمس : هذه الليلة من الخيال .. ويمكن أن يحدث فيها أي شيء ''
    و ببطء جذبها قريباً منه وقال : '' يمكنك أن تبقي هنا وترقصي معي '' .

    كانت الموسيقى المتسللة من القاعة قد تحولت إلى نغمات بطيئة حالمة ..
    فرشت (بيج) يداها على صدره عندما بدأ يتحرك هو على إيقاعها الرتيب , ثم توقفت في تصلب بين ذراعيه .. والتقطت أنفاسها قائلة : '' لا تفعل , أرجوك ''

    كانت تقاوم رغبتها في أن تذوب بين ذراعيه .. إنها ليلة من الخيال , كما قال , وهذا ما يحدث , أليس كذلك ؟ .. مجرد خيال غير مؤذ . أضغاث أحلام اضطرب فيها قلبها ..
    همست : '' حسناً .. رقصة واحدة فقط '' ..
    رد ببساطة : '' رقصة واحدة . ثم نفعل أي شيء تريدينه . ''

    سنفعل أي شيء تردينه ؟!
    هل كان هناك تهديد في الكلمات البسيطة ؟! .. لا ليس تهديداً ..
    كانت (بيج) تحادث نفسها .. عندما بدأا يتحركان عبر المربعات الحجرية التي تغطي الأرض . كانت كلماته تحمل شيئاً أكبر .. هل هي ثقة أم هو اقتناع بأنه قد أدرك أخيرا ما هي تريده رغم أنها لم تعترف به لنفسها بعد ؟
    فليفكر هذا الغريب فيما يشاء .. رقصة واحدة معه , هذا كل ما في الأمر , ثم ستعود لـ (آلن) ..
    وستحكي له عن ذلك خلال أسبوع أو أسبوعين , وستحكي عن ذلك القدر من الضئيل من الحماقة التي تمكنت منها تلك الليلة .. قبل ثلاثة أيام ن زفافهما ..
    سيضحكان بشأن ذلك مثل ضحكهما بشأن الحفلة التي يخطط أشابين العريس لإقامتها مساء الغد في ملهى عُرف بنادلات حانته القصيرات الثياب .. وذلك احتفالاً بتوديع (آلن) لحياة العزوبية !!
    '' إنها أحد طقوس الانتقال ''
    هكذا يسميه (آلن) .. وهذا ينطبق على ما يحدث الليلة .. أليس كذلك ؟ ..

    هذه الرقصة مع غريب كانت فعلاً آخر مذاق للحرية .. وسيبتسم (آلن) عندما تحكي له ... و ....





    مهلاً ..
    من الذي تخدعه ؟! ..
    لن يمكنها إطلاقاً أن تحكي لـ (آلن) ..
    لن يمكنها مطلقاً أن تحكي لأي إنسان عن هذا الأمر .. إن هذا جنوناً .. جنوناً خطراً ..
    لأن هذا الأمر لم يكن ملذة أخيرة .. أو أحد طقوس الانتقال ..

    قربها الرجل منه أكثر .. وقال : '' هل عيناك فعلاً بلون بنفسج الربيع ؟! ''

    سرى صوته خلالها , ناعماً مبحوحاً , كأنه حضن مخملي . وفي صمت الليل استطاعت (بيج) أن تسمع دقات قلبها السريعة المضطربة ..
    سألته و قد كتمت أنفاسها : '' من أنت؟ ''
    ضحك بتأوه وقال : '' أنتِ تعرفين من أنا يا جولييت . . .
    ".... أنا الرجل الذي ظل طوال الليل يريد أن يعرفك ويسبر غورك ''

    ذهب الاعتراف بأنفاسها ... تعثرت أقدامها ... فضمها بقوة إلى جسده القوي ..
    همست : '' لا تفعل ... ''

    ولكنها أحست بنفسها كأنها طفله أمامه تذوب .. وتذوب .. و تذوب ...
    انتشرت يداها على صدره مرة أخرى .. أحست بضربات قلبه المكتومة تحت كفيها ..
    '' جولييت ...


    سمعا صوت الباب يصفق فجأة , ارتفعت صرخة ضاحكة .. أصوات أقدام على الممر المفروش بالحصى .. وصوت حفيف ثوب يكاد يقترب من مكانهما .. وبسرعة عادت إلى الواقع .. تكورت يداها إلى قبضتين ودفعته بقوة بهما ..

    ثم قالت في همس يائس : '' دعني أذهب أرجوك ''
    أمسك بيدها وقال بصوت خافت : '' تعالي معي ''
    '' هل أنت مجنون ؟ خطيبي ...
    '' أنا لا أبالي مقدار ذرة بخطيبك .. وكذلك أنتِ لا تبالِ به , لو كان الأمر يهمه لما كنتِ الآن معي ''
    أرسلت كلماته رجفة خلالها , وقالت :'' أنت لا تعرف ما تقول , إنه يعني كل شيء لي ''
    '' إذن ليس لديكِ ما تخشين منه بمجيئكِ معي , أليس كذلك؟ '' , و أدخل أصابعه بين أصابعها و أضاف : '' علاوة على ذلك , فإذا رآنا أحد هنا قد يسيء الظن يا جميلتي ''

    ودت أن تقول أن (آلن) سيفهم , ولكن كن ذلك مجرد أمل وليس يقيناً . اقترب وقع الأقدام والضحكات .. أحس الرجل بترددها فقبض على يدها بإحكام .

    جذبها خلفه , وهو يقول : '' سننهي رقصتنا هناك , على الشاطئ ثم , إذا أردتِ سأعيدكِ إلى روميو الخاص بكِ ''

    كان جنوناً أن تتبعه عبر الممر المفروش بالحصباء والذي يهبط الجرف .. أحست (بيج) بذلك وهي تسير بجانبه .. وكان جنوناً أن تلقي بصندلها عندما لمست قدماها الرمال ثم تخطو إلى ذراعيه المنتظرتين .. ولكن خالجها إحساس رائع في استنادها إلى حضنه و تحركهما على إيقاع الموسيقى الذي أصبح بعيداً نوعاً ما ..

    مرت اللحظات , وأغلقت عينيها و أراحت رأسها على كتفيه .. وعندما أزاحت يداه شعرها .. بدا واضحاً أن ليس لديها أي اعتراض ..

    همس '' جولييت ..
    و امتدت يده الأخرى إلى أعلى ظهرها .. إلى مؤخرة عنقها .. ومضى يجدل شعرها ..

    و كرر : '' جولييت ..

    هرب القمر من السحابة التي تلاحقه , وملأت هي عيناها منه .. حدقت في ابتهاج في الملامح التي لم تكن قد ألقت عليها حتى الآن سوى نظرات خاطفة ..
    كان ذا أنف دقيق وفم محدد .. و ذقن مرتفع يرفع راية التصميم .. و أحلى ما فيه تلك الغمازة التي تزين وجنته اليسرى .. والتي تظهر حتى من غير أن يتكلم ..

    برقت عيناه خلف القناع النصفي .. زرقاويتان , ظنت ذلك بينما كانت دقات قلبها تصل إلى حلقها في إعصار مدو .. نعم , زرقاويتان أو ربما خضراوتان ..

    و كأنما كان يقرأ أفكارها , مد يده و نزع البرنس ''القناع النصفي'' الأسود من وجهه .. تسارعت أنفاسها عندما أماط القناع جانباً وحدق فيها .. كانت عيناه بلون الزبرجد النقي . لون بحر الصيف عميقة الغور كثيفة الأهداب ..

    غمغم قائلاً : '' دورك '' .

    ارتجفت (بيج) عندما مد يده إليها ..
    أطبقت أصابعه على القناع الفضي , وكتمت أنفاسها بين ذراعيه التي امتدت نحو وجهها ..
    كانت نظرة عينيه وهي تتصفح وجهها أكثر دفئاً من أي عناق جربته ..

    يــا إلـــهي ..ماذا يحدث لها ؟!

    ابتسم قائلاً:'' كنتُ أعرف أن عيناكِ بلون البنفسج'' .
    و أضاف بصوت عميق : '' أنتِ جميلة يا جولييت '' ..

    ترنحت (بيج) بينما أسدلت أهدابها على وجنتيها .. ما فائدة الكذب ؟ إنها تريده أن يأخذها بعيداً .. إلى ذلك الخلود في عينيه .. والحقيقة في صوته .. كانت تعرف ذلك .. وكان هذا لغريب يعرفه ..
    لقد ظل يشاغلها طوال الليل .. بداية في قاعة الرقص .. ثم في الشرفة , والآن ...
    الآن سيعانقها .. لا بد أنه سيعانقها .. ولا بد أن تنهي هذا العناق .. وكل شيء .. ستنتهي هذا الخيال و تعود للواقع ..
    ستضع نهاية لكل هذه الحماقات .. و سوف تعود أدراجها , وتعتذر لتركها الأمور تخرج من يدها و ....

    مس فمه يدها برفق و خفة , كانت القبلة خفيفة كرذاذ متطاير من المحيط ..
    همس بينما تلتف ذراعيه حولها : '' زهرة .. أنتِ زهرة رحيقها كمذاق العسل '' ..
    رباط أخير من الواقع جعلها تقول بإصرار ضعيف : '' شكرا .. والآن دعني أذهب لــ ...

    '' إلى أين تذهبين ؟ إلى روميو المسكين ؟! ''
    '' نعم ''
    وارتعدت عندما ضمها إليه بينما تضيف : '' إنه خطيبي , وليس روميو تاريخي , أرجوك أريد أن أرحل ''
    قال في رجاء ساخر : '' أنتِ لا تريدين أن ترحلي .. أنتِ تريدين أن تبقي ''

    ''لا ''

    حتى هي سمعت صوت الكذب الذي يملأ كلمتها .. وتمنت أن تغفر لنفسها هذا الكذب .. تمنت ألا يسمعها أحد غير المحيط .. ولكن كانت ذراعاه محكمتان حولها .. وبدأت النجوم تدور .. و القمر يرتفع في السماء أكثر .. ملقياً غلالة فضية على صفحة الماء الداكن .. ولمعت ملايين النجوم في السماء .. لقد كانا آخر البشر على الأرض .. وكان الحب بينهما أمراً حتمياً ..
    سرت رعدة خلالها وهمست : '' أرجوك .. أرجوك ''
    قال : '' أرجوك ماذا؟ '' .. '' أخبريني بما تريديني أن أفعله يا جولييت ''


    و فجأة ..

    ترامى إلى مسامعها صوت تعرفه : '' .... هل أنتِ على الشاطئ ؟ ''
    ميزت الكلمات رغم اختلاطها بصوت الأمواج المتكسرة على الشاطئ ..
    وتصلبت (بيج) بين ذراعيه ..

    '' إنها أمي '' .
    كانت همستها شديدة الاهتياج .. لم يقل شيئاً .. و ظنت أنه لم يفهمها . ثم سمعت لعناته المكبوتة , و أحست بالتوتر المفاجئ في عضلاته .
    غمغم إزاء وجنتها : '' ابقِ هنا وستذهب بعيداً .. ''
    همست هي : '' إنها لن تفعل .. دعني أذهب .. أرجوك ''
    توهجت عيناه وحدقت في عينيها , وقال : '' بشرط .. عديني أن تعودي لي ''
    هزت (بيج) رأسها , وقالت : '' لا . لا لا يمكنني أنا ..



    '' ... هل أنتِ ؟ '' جاءها صوت أمها .




    قالت في همس يائس وهي تنظر في عيني الغريب : '' ستأتي إلى هنا .. دعني ... أتوسل إليك ''

    قيدت يداه حركتها وقال بغلظة : '' عديني أن تعودي ''

    حدقت في وجهه بغباء وقالت : '' لا أستطيع أنا ..

    بدا شبح أمها عند أعلى الممر الهابط إلى الشاطئ . قالت بأنفاس لاهثة : '' حسناً , حسناً سأعود ''

    قبضت يداه على كتفها وغاصت في لحمها حتى أجفلت . وهمس في إلحاح : '' عديني بذلك . عديني بذلك و إلا فسآتي معكِ الآن . و سأخبر أمك و روميو وكل العالم بأنك لي الليلة , وكل الليلة .. و إلى الأبد ''

    '' لا أستطيع ..

    جذبها إليه حتى لاصق وجهها بوجهه و هو يقول بحدة : '' لا تخدعي نفسكِ يا امرأة , حتى أنا لا أفهم الأمر , و لكنني متأكداً أن شيئاً كالجحيم قد حدث .. وستصيبني اللعنة إذا تركتكِ تخرجين من حياتي قبل أن أفهم ذلك . هل تفهمين '' .

    انتفض قلب (بيج) بجنون . وهمست '' نعم '' و غمرها إحساس بالسعادة الفياضة . و كررت : ''نعم '' و عندئذ سمعت وقع أقدام أمها على حصباء الطريق ..

    مست وجنة الرجل .. وخطت سريعاً إلى الممر , ورفعت صوتها : '' أنا هنا يا أمي '' ..

    تقدمت والدتها خطوة باتجاهها . وقالت : '' بالله عليكِ يا عزيزتي .. أين كنت ؟ لقد أشرفنا على الموت قلقاً عليكِ ''
    حثت (بيج) خطاها خلال الياردات الباقية حتى وصلت لأمها , وتأبطت ذراعها ثم جذبتها عائدتين باتجاه الحدائق و المبنى الساطع الأضواء .

    '' كنت .. كنت أسير على الشاطئ يا أمي . أنا آسفة لإزعاجك ''
    قالت (جانيت) بينما تتقدمان على الطريق المرصوف بالمربعات الحجرية : '' لستُ وحدي يا (بيج) لقد أصابنا القلق جميعاً .. أبوكِ و (آلن) .. ماذا حدث لك ؟ هل كنتِ وحدك ؟''

    ألقت (بيج) نظرة من فوق كتفيها .. لم يكن خلفها سوى الظلام .. وقالت : '' نعم , بالطبع أنا آسفة جداً .. مجرد أنني أردتُ الاختلاء بنفسي قليلاً قبل الالتقاء بالعمة (دوروثي) ''
    تباطئت خطوات الأم قليلاً قبل أن تتوقف , و تقول لها : '' هل أنت متأكدة انك بخير ؟ يبدو عليكِ شيئاً ما هذا المساء ''
    تجاهلت (بيج) سؤال أمها , :'' أمي أين (آلن) ؟ ''
    '' يبحث عنك بالطبع .. إنه .. ''
    اندفعت (بيج) قائلة : '' يجب أن أتحدث معه , يجب أن أخبره أن هذا الـ ..
    أحاطت (جانيت) خصر أمها وقالت لها تهدئها : إن (آلن) يفهم ذلك بالتأكيد إنه يقول أنه قلق اللحظات الأخيرة و ..
    '' أمي أرجوك .. دعوني أتكلـ ..
    '' عزيزتي .. عزيزتي كل العرائس يشعرن بنفس الإحساس ..ستكونين بخير يوم الزفاف .ستتلاشى هذه العصبية وسينجلي هذا الخوف بمجرد أن تشاهدي وصيفاتك و الزهور و ابتسام المدعوين لك فيما ينتظرك (آلن) ''
    توقفت (بيج) فجأة و همست : '' أسيحدث ذلك ؟''
    ابتسمت (جانيت) و قالت : '' بالطبع '' ثم نظرت إلى عيني ابنتها فتحولت ابتسامتها إلى عبوس قلق , وقالت : '' إلا إذا كانت لكِ تحفظات حقيقية يا (بيج) , هل لديكِ شيئا كذا ؟ حبيبتي إن لم تكوني متأكدة من ..
    عضت (بيج) على شفتها السفلى , وقالت : '' نعم .. لا , يا إلهي ..
    '' أمي أنا لا أشعر بذلك الإحساس المفروض تجاه (آلن) , هل تفهمين ما أقصد .. أنا لا أشعر تماما بذلك الإحساس ..''

    ارتفع حاجبا والدتها , وقالت : '' تقصدين ذلك الإحساس الذي شعرتِ به تجاه ذلك الرجل في نيويورك ؟'' كان صوتها جامداً مستهجناً , وتابعت : '' هل هذا ما تقصدين ؟'' .

    التقت (بيج) أنفاسها , وقالت : '' أنا لا أقارن بين الموقفين يا أمي .. أنا فقط لا ..
    '' أتمنى ألا يحدث . لن يؤذيكِ (آلن) يا (بيج) على الإطلاق .. يجب أن تكوني سعيدة لهذا ''

    فُتح باب القاعة فجأة .. و أحاطت بهما ضجة قاعة الرقص و دفئها المعبق بالدخان . أطلق (آلن) تنهيدة ارتياح عندما خطا إلى الشرفة صوب السيدتان .
    '' ها أنت هنا . ماذا حدث يا حبيبتي ؟ ''
    '' أنا خرجت في الهواء قليلا يا (آلن) ''

    وضع ذراعيه حول كتفيها , وقال : '' هل أنت على ما يرام ''
    أومأت (بيج) : ''أنا بخير ''
    '' لقد بحثت عنك في كل مكان .. في التواليت .. في السيارة ..

    قالت (جانيت) : أنت لم تبحث في الشاطئ حيث كانت يا (آلن) تريح أعصابها بالسير هناك ''
    تورد خدا (بيج) وقالت : '' أمي , من فضلكِ ! ''

    ابتسم (آلن) ابتسامته العريضة وهو يقول : '' تذكري أنني من يُفترض أن يكون عصبياً . هذا امتياز مقصور على العريس ''
    التقطت (بيج) أنفاسها وقالت : '' هل أنت كذلك ؟ ''
    سدد (آلن) نظرة إلى عينيها وقال بصوت رقيق : '' سنكون سعداء أعدك بذلك ''

    حدقت الفتاة في خطيبها وحادثت نفسها .. سيكونا سعداء . بالطبع سيكونا كذلك .. إن ما أحست به منذ لحظات قليلة بين ذراعي رجل غريب , لم يكن سعادة ..

    كانت تعرف مثل غيرها ..

    ربما كان شيء أفضل ..

    لن تجده مع (آلن) أو غيره ..


    شيء لن تجده سوى مع رجل غريب يحيط بوجه قناع نصفي أسود .. رقص معها رقصة الحرية الأخيرة فوق شاطئ "كونكت كت" ..

    قالت والدتها : '' لقد دعانا السيد والسيدة (فولر) لشرب القهوة في منزليهما يا عزيزتي , سأستدعي والدك و أعود لكما ''

    ابتسم (آلن) عندما انطلقت والدة (بيج) وقال بلهجة مغيظة : '' ستتناولين القهوة و الكعك مع كل آل (فولر) . تريد العمة أن تقابلك .. و سرب لا نهائي من الأقارب ''
    و أحنى رأسه وقبل خدها وهو يقول لها : '' أنا سعيد لعثور أمك عليك يا حبيبتي , لا نريد أن نشعرهم بخيبة الأمل أليس كذلك؟''
    '' بالطبع .. لا نريد ''
    ابتسمت له ابتسامه سريعة وهو يقبض على يدها ويقودها خلال الملهى إلى رواق المدخل الأمامي ذي الأعمدة .

    كم سينتظرها ذلك الرجل على الشاطئ ؟ خمس دقائق ؟ .. عشرة ؟ ..

    هل سيصاب بخيبة الأمل ؟ .. أم سيغضب ؟ .. أم ..

    '' ها نحن يا أولاد . لمَ لا تطلب من السائس إحضار السيارة ؟ '' , كان صوت (أندرو) السعيد يرتفع في الهواء معلناً استعدادهم للمغادرة .
    انتحت (جانيت) بابنتها جانبا , بينما تقدم الواد مع (آلن) تجاه الرصيف . وهمست : '' كفي عن إظهار القلق . إنها مجرد عصبية اللحظات الأخيرة . ثلاثة أيام من الآن وستصبحين السيدة (آلن فلور) , وستضحكين عندما تتذكرين ما أحسستِ به الليلة '' .

    أومأت (بيج) وتمتمت برد ملائم ..
    ولكن عندما خطت إلى سيارة خطيبها .. وتركت تعهدات و التزامات حياتها الجديدة تبتلعها.. أدركت أن والدتها كانت على خطأ .. و أنها هي على خطأ ..

    و أنهم جميعا على خطأ مماثل .. و خطأ كبير جداً ..

    ستذكر هذه الليلة ..

    ولكنها لن تضحك على الإطلاق ..

    ستكون ذكرياتها حلوة جداً .. ومريرة جداً ..

    ولكن ..

    هكذا يكون الخيال في الغالب ..











    *
    *
    *
    *
    *

    يُتـبــــــــــع
    [/ALIGN]





    ش
    هـ
    ر
    ز
    ا
    د
    في قلبه

  4. #4
    الصورة الرمزية ROMEO
    تاريخ التسجيل : Mar 2002
    رقم العضوية : 14
    الاقامة : Lonely Soul
    المشاركات : 3,579
    هواياتى : poetry_music_deep meditation
    MMS :
    إم إم إس
    mms-49
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 64
    Array



    [ALIGN=CENTER]شهرزاد في قلبه

    والليلة الثانية في استشراف النهاية....


    بربك لاتغيبي ......[/ALIGN]

  5. #5
    الصورة الرمزية عابده لله
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 286
    الاقامة : جدة
    المشاركات : 13,754
    هواياتى : القــراءة
    My SMS : الدرر في القلب مهما طال الزمن أو قَصُر
    MMS :
    إم إم إس
    23
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 766
    Array



    [ALIGN=CENTER]

    وبدأت خيوط النهاية ..
    وقصة بكل حرفٍ فيها تكللت بـ الروعة ..

    لأشد ما اعجبني سردك أيتها المحلقة في سماء الإبداع..
    وكم فات من عمري دون قراءة ما نقشته أناملك..

    بإنتظارك شهرزاد عودي قبل أن يحرقني اللهب..

    [/ALIGN]
    [flash=https://dorarr.ws/forum/uploaded/897/3abdh.swf]width=300 height=200[/flash]











    ولأننا نُتقن الصمـت
    حملـونا وزر النـوايا
    ـــــــــــــــــ
    ,, عــهد ,,

  6. #6
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array

    تـنوبـــه




    [ALIGN=CENTER]رغم مجاملاتكم الرقيقة و كلماتكم الرائعة ..
    و رغم أني قاصة و روائية و كاتبة و عاشقة للتخيل والخيال القصصي ..
    إلا أني لا أحب أن أُنسب إبداع غيري لإسمي ..
    ربما قد أستعير أقلام المبدعين في أوراقي ( كما الآن ) .. لكن من المستحيل أن أجرؤ لأسرقها ثم أنسبها لقلمي !

    لذلك أحب أن أوضح للسادة القراء والقارءات , أن هذه الرواية هي ملك
    للكاتبة الأمريكية : ساندرا مارتون بالدرجة الأولى .

    و قد قامت أحد الجهات بتعريبها .. بينما قمت أنا بإعادة صياغة و تنسيق بعض أجزائها , بعد مراجعة النص الأصلي للرواية باللغة العربية .. و نشرها بشكل يتلائم مع تفكيرنا العربي .

    لكن هذا لا يمنع من أن شهرزاد في جعبتها الكثير من الروايات الخاصة بها , المنسوجة بأناملها ..

    لقد أحببتُ أن أدخل إلى عالم درر برواية أوضح من خلالها نهج و نوعية القصص التي تكتبها شهرزاد دون إعتراض أو تسفير والتي من دواعي سرورها أن أنشرها في منتديات درر , و لأن أبطال جميع روايتي يحملون تلك الجراة المشاغبة .. أخترتُ احتضني اللهب لتكون فاتحة للروايات التالية

    والحمدلله أنها نالت رضا أهم الأعضاء حتى الآن ..
    [/ALIGN]





    [ALIGN=CENTER]*

    *

    *

    *

    *

    تحياتـــــــي[/ALIGN]



    [ALIGN=CENTER]
    ش
    هـ
    ر
    ز
    ا
    د

    فــ قلبه ــي
    [/ALIGN]

  7. #7
    الصورة الرمزية عابده لله
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 286
    الاقامة : جدة
    المشاركات : 13,754
    هواياتى : القــراءة
    My SMS : الدرر في القلب مهما طال الزمن أو قَصُر
    MMS :
    إم إم إس
    23
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 766
    Array



    [ALIGN=CENTER]


    وجمالاً يزيد على جمالك ..
    ونوراً يشرق بـ صدقك..

    أيتلاشى الماضي والحاضر بـ نظرة تسكن العيون ..

    !!!

    صدقاً ..
    ما اجمل عين صدقك ..

    وما كتبتي الآن .. لم يزدني الإ يقيناً بحرية قلمك..
    وصدق وروعة روحك..
    فالأدب لا يكون الإ بـ العفاف..

    تقبلي جوريتي التي أعشق تعبيراً عن إعجابي
    بشهرزاد القاصة والروائية والكاتبة ..
    فـ والله لقد تربعتِ بـ القلب ..



    عابده لله
    [/ALIGN]

  8. #8
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array



    [ALIGN=RIGHT]الحلقة الثالثة :[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]((احتضنني اللهب في أحلامك))[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]'' (بيج) ؟ .. (بيج) , هل رأيتِ غصن القرنفل الذي سأخيطه بتاج عرسك ''

    كانت (بيج) تُنقب في خزانة ثيابها عن الزوج الثاني من الحذاء الفضي الذي تمسكه بيدها , جلست على عقبيها وتنهدت .

    ثم رفعت صوتها قائلة : '' لا يا أمي . ولكني لن أقلق بشأنه . فالتاج يبدو جميلاً كما هو ''

    دلفت الأم إلى حجرة ابنتها , وبحثت خلال قطع الثياب المزركشة المتناثرة فوق منضدة الزينة .

    تمتمت : '' هل خلطته مع هذه الملابس ؟ '' ثم تنهدت و أجابت نفسها : '' لا , لا شيء هنا سوى الملابس المتبقية لجهازك ''
    نظرت المرأة الكبيرة نحو ابنتها , وقالت : '' ألم تنتهي من حزم حقائبك يا عزيزتي ؟ حفل الزفاف غداً . ويجب أن تذهبي أنتِ و (آلن) إلى المطار في الخامسة على أقصى تقدير ''
    جثت (بيج) على قدميها و قالت : '' هناك فسحة كبيرة من الوقت يا أمي ؟؟ سأقوم بالباقي الليلة , بعد أن نعود من بروفة الحفل '' .
    ثم غضنت جبهتها , و أضافت : '' هذا إذا ذهبنا أساساً ''

    و طوحت بالحذاء الفضي على الفراش قائلة : '' لا أستطيع العثور على الزوج الثاني لهذا الحذاء في أي مكان '' .
    قالت والدتها : '' أليس هذا هو .. نعم , إنه هو '' .. و التقطت الزوج المفقود من أرضية الحجرة , ثم جالت ببصرها و هي تبتسم للحقائب و الخزائن المفتوحة , وقالت بتأوه : '' هل سأفقد كل هذا ؟''
    ضحكت (بيج) وهي تدس قدميها في الحذاء , وقالت : '' ستفتقدين إلى هذه الفوضى .. آه يا أمي .. أعرف أنك .. أنك تنتظرين بشق الأنفس لدخول هذه الحجرة وتنظيفها ''
    ابتسمت (جانيت) و قالت : '' أنت تعرفين ما أقصد يا عزيزتي . سأفتقد فتح الباب ورؤيتك هنا ''

    و راقبت ابنتها و هي تمرر يدها على ذيل فستانها الأزرق الطويل وتمعن النظر في صورتها في المرآة وقالت : '' من الصعب تصديق أنك غدا ستكونين السيدة (فولر) ''

    وللحظة صغيرة , أظلمت قسمات (بيج) النا عمة , ثم ردت الابتسامة .. '' أنظري للجانب المشرق يا أمي . سيمكنك تحويل حجرة نومي إلى حجرة ضيوف مرة أخرى ''
    ضحكت المرأة الكبيرة وقالت : '' لم تكن شيئاً البتة سوى حجرة نومك يا (بيج) , حتى عندما كنتِ تعملين في نيويورك '' . وخرجت من الغرفة .. ثم استدارت و أطلت برأسها من الباب , وقالت بصوت رقيق : '' هل أنتِ على ما يرام ؟ ''

    أومأت (بيج) برأسها . أحست بغصة مفاجأة في حلقها , فلم تحاول الرد بأي بكلمة . و ابتسمت و طيرت قبلة في الهواء لوالدتها ثم استدارت و جذبت كومة الملابس المبعثرة من فوق المنضدة , ووضعتها في إحدى الحقائب المفتوحة . وعندما رفعت بصرها في لمحة سريعة مرة أخرى , كانت والدتها قد غادرت ..

    اختفت الابتسامة المرتجفة و غاصت (بيج) في فراشها الذي صحبها منذ طفولتها ..
    تعلقت الدموع بأهدابها و طرفت عينيها في غضب لتبتلعها مرة أخرى ..
    لا مزيد من الدموع .. لقد ذرفت من الدمع خلال اليومين الماضيين ما يكفيها باقي حياتها ..

    كل العرائس يكن عصبيات , هكذا يقولون لها طوال الوقت .. و أحياناً يبكين .. ولكن ما ذا ظنت بها عائلة (فولر) بعد تلك الليلة ؟
    الله وحده يعلم .. لقد صافحت العديد من الأيدي في منزل (آلن) بعد ما تركوا ملهى "هانت" , ولثمت العديد من الخدود , وكانت تتساءل إذا ما كانوا يشعرون بافتعال ابتسامتها . و ظلت على هذا الحال حتى أعلن (آلن) أن عروسه القادمة قد أُنهكت , و أعادها للمنزل .

    عندما وصلوا منزلها . سألها (آلن) : '' هل أنتِ على ما يرام ؟ ''
    وقتها أومأت (بيج) و ابتسمت شاردة مؤكدة له أنها بخير و قالت :''مجرد أنني مررتُ بيوم حافل ''

    ماذا بامكانها أن تقول ؟ هكذا فكرت وهي تجلس في حجرة نومها تحدق على نحو غائم في الحائط المغطى بورقة تداخلت ألوانه البيضاء والقرنفلية .. أكانت تخبره أنها كادت تُسلم نفسها لغريب مجهول الاسم على شاطئ تذروه الرياح ؟
    طوال وقت تبسمها لأقارب (آلن) . كانت تفكر في الرجل , و تتساءل إذا ما كان قلبه قد امتلأ بالألم مثل قلبها .
    أكان يلعن قسوة القدر الذي جمعهما ثم فرق شملهما ؟ ..
    أم أن كل ما فعله أن عاد على الملهى و التقط امرأة أخرى ذهبت عن طيب خاطر لترقص معه ..
    امرأة همس لها و احتواها في أحضانه ..
    امرأة بادلها أسراره .. و أسرار الحب مثلما فعل معها ..


    هذا هو السيناريو الأكثر احتمالاً .. لقد كان يبحث عن مغامرة عندما وجدها .. وقد كانت حمقاء بتصرفها مع هذا الغريب .. ويجب أن تشعر بالامتنان لأن الأمر لم يتعد قبلات قليلة و رقصة وحيدة في ضوء القمر ..
    إذن لماذا يمتلئ قلبها بهذا الشوق , وتمتلئ أحلامها لهذا الحد برجل ذي عينين بلون البحر ؟ ..



    '' (بيج) ! ''

    رفعت بصرها وحدقت مجفلة . قالت والدتها وهي تقف عند الباب :
    '' سيحضر (آلن) بعد قليل , و لم تكملي استعدادك ''

    ابتسمت ابتسامة مشرقة , وقالت : '' سأفعل يا أمي .. وسترين ''

    ضحكت أمها وقالت : '' هذا ما اعتدتِ أن تقوليه منذ كنتِ طفلة ''

    و هرولت عبر الحجرة و ضمت ابنتها إليها في عناق سريع , ثم مست عينيها برفق , وقالت :'' سأفسد زينتي لو أني ظللت على هذا الحال و سأضطر لإعادة التزيين مرة أخرى مما سيجعل والدك يستشيط غضباً ''
    وتوقفت لدى الباب قائلة : '' سنفتقدك عزيزتي , كان شيئاً رائعاً أن تعيشي معنا خلال العام الماضي '' ..

    شحبت ابتسامتها عندما تركت والدتها الحجرة و أوصدت الباب خلفها . إن والدتها تصور الأمر على أن عودتها من (نيويورك) إلى (كونكت كت) منذ عام كانت بعفوية , لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة , لقد عادت للبيت دون مقدمات , ومذاق الحرية لا يزال لاذعاً في فمها .


    كانت قد استقلت سيارة أجرة من محطة السكك الحديدية في (جرينتسن) إلى المنزل المكسو بالألواح الخشبية الرمادية الذي نشأت فيه .. لا تزال تذكر كيف أخرجت مفتاح الباب , ثم في تردد , تذكرت أنها لم تكن تعيش هنا على مدى الأعوام الأربعة الأخيرة .. منذُ أن أكملت العشرين وأنهت مدرستها التجارية . وببطء أعادت المفتاح إلى حقيبة يدها , و رنت جرس الباب .

    فتحت أمها الباب .. في البداية , ارتسمت على ملامح وجهها مفاجأة سعيدة تحولت إلى اهتمام قلق عندما رأت ملامح ابنتها الشاحبة . ولكنها تصرفت كما لو أن حضورها لم يكن سوى فرحة غير متوقعة .. فجردتها من معطفها سريعاً وذهبت بها إلى المطبخ حيثُ أعدت مكاناً لها بمائدة خشب البلوط العتيقة أمام المصطلى .. وأخذت تثرثر معها لتسري عنها ..
    عاد والدها من المكتب في وقت متأخر . فوجئت (بيج) بأنه يبدو كأنه لاحظ وجودها بالكاد ..
    بالكاد ألقى التحية و اختفى .. كعادته
    رفعت والدتها حاجبيها محذرة إياه من إلقائه أية أسئلة على ابنتهما الوحيدة وقالت : ''لقد جاءت (بيج) في زيارة ''
    ولكن بدا والدها غارقاً في أفكاره الخاصة لدرجة تمنعه من عمل أي شيء سوى التمتمة بكلمات قليلة.
    قال : '' هذا شيء رائع '' ثم ذهب لحجرته وتركهما بمفردهما .
    سألت (بيج) والدته وقتها : '' هل هناك شيء على غير ما يرام مع والدي ؟''
    قالت والدتها بتبرم :'' لا شيء غير المعتاد : أنت تعرفيه .. هناك خطة تملك عليه تفكيره في أن يصبح مليونيراً فجأة '' .
    هزت (بيج) رأسها و قالت : '' والدي البائس .. ماذا حدث آخر مرة ؟ مناجم ذهب أم شيء آخر ؟''

    ابتسمت السيدة (جارونز) بضجر , وقالت : '' شيء آخر . لا أفهم مطلقاً كيف أن الرجل المسئول عن الأمور المالية لمؤسسة كبيرة مثل مؤسسة (فولر) تكون ميزانيته الخاصة بهذا السوء !! '' .
    و تنهدت قائلة : '' بعد الكارثة الأخيرة جعلته يعدني بألا يمس مدخراتنا مرة أخرى ''
    ابتسمت (بيج) وقالت : '' هل لا يزال يقول : لا مغامرة يعني لا ربح ؟''
    ضحكت والدتها قائلة : '' نعم , وقد قلت له أن هذا صحيح طالما أن باستطاعته تعويض ما يخسره من النقود في مغامراته . دعيه يبدد حتى أموال سجائره لو كان ذلك يسعده . إنه رجل طيب يا عزيزتي ولكنه يرى أننا نحتاج للمزيد .. و يرى أنه أقل من رجل , بطريقة ما , لأنه لا يستطيع أن يحضر لنا القمر من سمائه ! '' .
    و عادت لتقول من جديد : '' اقصد أن الأمر مختلف عما لو كان يشرب أو أنه لا يحبني ... ''و فجأة ارتفع حاجبا الوالدة عندما لاحظت تغضن وجه ابنتها مع تقطيبه شاردة فوق جبينها , وسألتها : '' حبيبتي ما هذا؟ ''
    هنا .. سردت لها (بيج) .. ليس كل شيء , فقد كان الأمر جديداً ومؤلماً جداً , و لكنها حكت لها ما يكفي .. أخبرتها كيف أنها قابلت أحدهم متوهمة أنها تعيش معه قصة حبها الأول .. وطبعاً استسلمت معه لعواطفها البكر .. ثم لتجد بعدها خيبة الأمل و المرارة بدلاً من السعادة ..
    و هكذا بسبب علاقة لم تدم إلا قليلاً .. فقدت ثقتها و سعادتها ورغبتها في كل شيء ..

    مست والدتها يدها برفق وقالت : '' ما ذا فعل بكِ ؟؟ ''
    '' لا شيء .. سوى أنه نفض يده عن علاقتنا فجأة .. سعياً وراء ثروة إحدى الأرامل المسكينات '' .
    أحاطتها والدتها بذراعيها , وقالت في قسوة : '' إنسِ كل ما يتعلق بذلك الرجل .. إن رجل كهذا..

    ونظرت لها للحظة طويلة ثم ابتسمت و قالت : لدي فكرة رائعة ... اممم ... لماذا لا تعودين لهنا لفترة معينة ؟ يمكنكِ السفر إلى المدينة في حال أنك مصرة على الاحتفاظ بوظيفتكِ ''

    و هكذا ألقت (جانيت جارونز ) بالاقتراح الذي قدر له أن يغير حياة (بيج) دون أن تدري .

    قالت (بيج) بسرعة: '' أو أبحث عن أخرى هنا في جرينتش '' , وضحكت هي و أمها في آن واحد , ثم أضافت و الدموع تترقرق في عينيها : '' كم تمنيت أن تطلبي مني البقاء '' ..
    ربتت أمها على يدها بحنان وقالت : '' هذا بيتك يا (بيج) .. بالطبع نحن نريدك أن تعودي و تعيشي معنا من جديد .. وصدقيني ستضعين كل ذلك وراء ظهرك , و سترين ''

    و لقد حدث .. هكذا فكرت (بيج) و هي تحدق بنظرات جامدة إلى المرآة المعلقة على جدار يقابل فراشها .. في البداية جاءت الوظيفة في إحدى متاجر ''ماي ووك '' .. ثم بدأ والدها يلعب دور كيوبيد الحب فيدعو ابن مديره ,للعشاء في المنزل بينما يحثها هي على قبول دعوات (آلن) , خالطاً مابين مناسبات العمل والمناسبات الخاصة .. و هذا طبعاً لكي تكون في رفقة (آلن) دائما .. حتى و إن لم يكن بينهما اتفاق على اللقاء .

    ولكن (بيج) لم تحبه .. لا يوجد على الإطلاق ما يجعلها تكرهه أيضاً ..
    لكن من الصعب أن تقع يدك على شخصاً ما يكره ((آلن) فولر) .. (آلن) بنظراته وسحره . ولو أنها لم تنفعل بأي ومضات من ذلك عندما كانت تقابله .. لم تكترث لأي مشاعر خاصة لأنها لم تولد بينهما أصلاً .. هكذا أحست ..
    ربما هذا أفضل .. حسناً .. ماذا يمكن لها أن تفعل أفضل مما فعلته . .
    ثم إن التوافق و الاحترام هما التربة التي ينمو فيها الحب .. و ... الرغبة !

    لا إن الرغبة شيء يخص الأفلام والروايات الخيالية .. إنها شيء يحظى بتقدير مبالغ فيه , وما جربته منها يكفيها ليدوم طيلة حياتها ..

    لا .. إنها منذ ليلتين .. تصرفت كأنها .. و كأنها امرأة خليعة مع رجل غريب ! .. و ربما هو الآن قد اختفى في أستار الليل دون عودة ..
    أحست بالامتنان لله وهي تمشط شعرها الأشقر في غضب .. على الأقل لن تضطر للقلق بشأن رؤية هذا الرجل مرة أخرى ..
    و أما كل الأحاسيس التي أطلقت لها العنان معه .. فإنها سوف تتعلم كيف تشعر بها و بأكثر منها مع (آلن) .. هو من سيكون زوجها ويجب أن تتعلم أنها تريد منه أحضانه و قبلاته و تلك المشاعر التي ترفعها في السماء ..


    سمعت طرقة خفيفة على الباب . جاءها صوت والدتها في لهجة مشرقة : '' (آلن) هنا . جاهزة يا عزيزتي ؟ ''
    أخذت (بيج) نفساً عميقاً وقالت بصوت مسموع : '' نعم جاهزة '' ..
    و همست لنفسها .. '' أخيراً جاهزة ...

    *************************






    كانت البروفة ستقام مثل حفل الزفاف في منزل آل (فولر) . اعترضت والدتها في البداية , وقالت أن عائلة العروس هي التي يجب أن تُقيم الحفل .. ولكن والدة (آلن) كانت مصرة بشدة على أن يتم الزفاف في قصر عائلة (فولر) ..
    في النهاية رضخوا جميعاً لذلك , عندما حث (آلن) خطيبته على مسايرة خطط والدته قائلاً في ابتسامة ساخرة : '' من الأفضل لنا جميعاً مسايرة أمي عندما يبدأ شيء ما يستحوذ على تفكيرها ولا يكون هناك سبيلاً للخلاص منه ! ''
    ولكن في النهاية كان والد (بيج) هو الذي حسم الأمر .

    قال : '' دعي آل (فولر) يتكفلون بكل شيء , فهم أصحاب المال '' . نظرت له (بيج) في دهشة فتكلم بسرعة بابتسامة بالكاد خففت من جفاف كلماته : '' كل ما أقصده أنه من السخافة أن نتجادل في موضوع منتهي '' .. وفي النهاية وافقت هي و والدتها .

    أما الآن .. وهي تجلس في حجرة الجلوس المثيرة للإعجاب بمنزل آل (فولر) محدقة في الحشد المزدحم .. أحست (بيج) بالسرور لأنها هي و أمها قد وافقتا على ذلك !

    بدا كأن نصف سكان العالم قد حضروا .. أو على الأقل كل سكان (كونكت كت) و (نيويورك) .
    همست (بيج) لوالدتها : '' إذا كان آل فولر قد دعوا كل هؤلاء الناس لحضور بروفة الحفل .. تخيلي عدد من سيحضرون الزفاف غداً ؟! .. لا أظنني سأعرف عشرة وجوه من الموجودين ! ''

    '' لا تقلقي عزيزتي . فقط ابتسمي و قولي ''شكراً'' .. و '' لا ,شكراً '' , في المواضع المناسبة '' .

    ضحكت (بيج) وقالت : '' بمجرد أن يظهر (آلن) , لن أدعه يغيب عن نظري ''..

    '' يظهر .. حقاً أين ذهب ؟ ''

    '' المطار .. لقد سمعت منه بوصول البعض في اللحظات الأخيرة , وقد سعد بهم لدرجة أن قرر الذهاب لإحضارهم بنفسه ! ''

    '' ربما أخوه و زوجته ''

    هزت (بيج) كتفيها بلا مبالاة , وقالت : '' ربما .. صدقيني , كل ما اعرفه أني ترُكت هنا لأحمي الحصن .. سيتكفل (آلن) بــ ... أوه .. يــا إلــهي ....

    كانت كلماتها الأخيرة عبارة عن همسة مكبوتة .. استدارت لها والدتها في دهشة ..
    '' (بيج) ماذا حدث ؟!! ''

    '' أنا ؟ .. لا شيء . فقط أنا ...


    وجدت (بيج) نفسها تتلعثم وتنطق بكلمات لا معنى لها .. لكنها حدقت عبر الحجرة المزدحمة و هي تشعر بأنها معجزة إن استطاعت الكلام أساساً ! ..





    لقد كان هناك ..

    الرجل الغريب ..

    الرجل الذي تركته يبادلها الرقص وتلك المشاعر الغامضة منذُ ليلتين ..

    لقد كان هناك .. ضيف في منزل آل (فولر) .. ضيف في بروفة حفل زفافها !! ..

    كان يقف بالطرف البعيد من الحجرة .. لم يرها بعد , كان وحده ممسكاً بكأس في يده ..
    راقبت شخصاً يقف بجانبه .. امرأة .. شابة , جميلة .. وقد أمالت وجهها باسمة له , أومأ .. وقال شيئاً , ولكنه لم يبتسم .
    تكلمت المرأة الثانية , قالت شيئاً آخراً .. ولكن بدأ أنه لا يكاد ينصت لها ..

    '' (بيج) أرجوكِ أجيبيني .. ماذا حدث ؟ ''

    بصعوبة صرفت نظرتها المحدقة عنه و وجهتها لوالدتها , وقالت بحذر : '' لا شيء .. فقد ظننت أني رأيت زميل دراسة , هذا كل ما في الأمر ... شخص لم أحلم .. لم أحلم أن أراه مجدداً ..

    و همست لنفسها بغلظة ، ابتسمي .. ولكن عندما حاولت شعرت بشفتيها وكأنهما ملتصقتين بأسنانها .

    وضعت أمها يدها على قلبها وقالت : '' لقد روعتني تماماً يا عزيزتي . ظننتُ أنك رأيت شبحاً .. حسناً , لماذا لا تتجولي بين المدعوين وترحبي بهم ؟ '' , وضحكت قائلة : '' سأذهب لأرى السيدة (فولر) ربما يكونوا ضيوفنا القلائل قد وصلوا .. وعسى أن لا نُشعرهم أنهم أقل عددا من ضيوفهم ''

    '' نعم حسناً .. سأراكِ خلال دقائق يا أمي '' .

    حادثت نفسها .. كان ينبغي أن أفكر في عذر للمغادرة .. و لكن هذا سيؤجل فقط من القدر المحتوم.
    إذا كان هذا الرجل الغريب هنا الليلة فمن المحتمل أن يحضر الزفاف غداً.

    ماذا تفعل ؟ .. ماذا تفعل ؟

    ماذا لو ذهبت إليه و اعتذرت له عن سلوكها الزرى ؟ هكذا بكل بساطة ..

    ماذا لو توسلت إليه كي يصمت , كي يفهم ..

    آوه يـا إلـهي ..
    لقد رآها . توقف قلبها عن النبض .. تلاشى كل شيء عندما تلاقت العيون .. اكفهر وجهه وزم شفتيه ..
    كانت المرأة الملاصقة له لا تزال تتحدث وتبتسم .. و فجأة ..


    دفع إليها بكأسه و دار خلفها بسرعة ..

    كانت هي على يقين أنه سيقصدها مباشرة .. كانت موقنة من أنه لن يقبل أعذارها ولا توسلاتها من أجل أن يفهمها ..

    ولكنه أعقل من أن يثير الأمر أمام الجميع هنا .. و أجن من أن يتركها تمر أمام الجميع هكذا فقط !

    لا لن يفعل ..

    راقبته وهو يندفع بسرعة خلال الزحام و يصدم كتفه بفظاظة كل من لا يفسح له الطريقة بالسرعة الكافية .. كانت عيناه مستقرتان على وجهها .. وكأنهما بحيرتان جامدتان من النيران الثلجية ..

    استرجعت صورته أول مرة رأته فيها .. و بدأت نبضاتها تتسارع ..

    الليلة .. ليست لدى الأسد أية نية في انتظار أُنثاه الوحشية ..

    إنه القناص .. وهي فريسته ..

    كيف تخيلت أنه لن يثير الأمر أمام كل الحاضرين ؟ ..إنه قادر على كل شيء ..

    وثب قلبها إلى حلقها الجاف .. واستدارت في تهور لتنطلق وهي تعدو كالمجنونة ..

    دوت خلفها العديد من الضحكات العصبية مخلفة ورائها الأوجه الذاهلة والعيون الشاخصة ..

    و للحظة .. رأت أنه كيف صار من المستحيل أن تستطيع تفسير هذا الأمر لـ (آلن) فيما لو أثاره ..








    فيما لو ؟؟!








    فيما لو ؟؟!








    حتماً هو سيثير كل شيء ..


    هو من الجنون أن يثيره .. وهي من الثقة من حدوث ذلك ..


    لقد رأت الوحشية في عيني ذلك الرجل الآن .. و كل ما يهمها في هذه اللحظة أن تهرب منه إلى أي مكان ..
    فرت من حجرة الجلوس إلى ظلام المنزل , و هي تحاول تذكُر طريق الخروج الذي أصبح فجأة طويلاً .. حتى وصلت إلى الباب الخلفي ..


    لحق بها وقد كادت أن تمر من الباب ..



    حاولت صفق الباب في وجهه ..



    ولكنه كان قوياً جداً بالنسبة لها ..




    طاش الباب مرتداً من كتفه , و أصبح الرجل خلفها .. و مد يديه ليقبض عليها .. و تشبثت يداه بلحمها كأنهما مخلبين ..




    شهقت قائلة : '' دعنــــــــي .. '' و تلوت محاولة التخلص منه ..



    '' اللعنة عليكِ ... ''




    و ركل الباب بقدمه فأوصده .. وقال بصوت خفيض مليء بالغضب : '' هل ظننتِ حقاً أنكِ تستطيعين الهرب مني ؟ ''




    '' قلت لك دعني .. كيف تجرؤ على معاملتي بهذا الأسلوب ؟ أنا ...




    '' اصمتي .. '' , و زلق ذراعه حول كتفيها ..




    قاومته عندما بدأ يجذبها بعيداً عن المنزل , و سألته : '' أين ستأخذني أيها الــ ..



    قاطعها بوجه متجهم : '' سآخذك ِ إلى المنزل الصيفي ! ''




    كان يكاد ينتزع قدميها من على الأرض ..




    و أضاف : '' لا أريد أن أتعرض هنا إلى النظرات اللعينة من الجميع .. ''






    '' ألا ترى أنك قد تأخرت قليلاً في قلقك بشأن ذلك ؟ قبل دقائق قليلة ...






    '' أنتِ التي جريتِ ...




    و جذبها صاعداً الدرجات الخشبية المؤدية للمنزل الصيفي المُقام على مبعده من مؤخرة مرج آل (فولر) .



    '' بالطبع جريت ! كنت تبدو كأنك .. كأنك ..




    قبض على كتفيها بخشونة جعلتها تشهق , وحدق فيها مدمدماً : '' كأني ماذا ؟ ''




    ابتلعت (بيج) ريقها الجاف . كانت خطوط الأنوار الملونة تمتد بين الأشجار المتناثرة في المرج لأجل الحفل .. فاكتسى وجهه بنقاط ضوئية حمراء وصفراء وزرقاء ..





    و أخيراً همست : '' كأنك .. كأنك تريد أن تقتلني ''




    لوى شفتيه قائلاً : '' صدقيني , فكرتُ في ذلك في تلك الليلة , عندما أقنعتُ نفسي أخيراً بأنكِ لن تعودي .. ''






    '' أنظر بشان تلك الليلة ..





    لاحت في عينيه نظرة عابسة , وقال : '' هل أمضيتِ وقتاً طيباً في لعبكِ معي يا جولييت ؟ ''




    تدفقت الدماء إلى وجهها , وقالت مستهجنة بصوت كفحيح الأفعى :
    '' أنت رائع في حديثك عن الألعاب .. لم أكن أنا من بدأت الأمور .. كنت أنت ...


    اختنقت الكلمات في حلقها عندما هزها و قال: '' لقد انتظرت ساعة على ذلك الشاطئ الذي نبذته السماء .. اللعنة عليك ! و عندئذ عدتُ إلى الملهى .. ولم تكوني هناك ! ''


    انزلقت يداه من على كتفيها .. وتسلل الضجر إلى صوته , وأضاف : '' لم أستطع أن أسأل أي أحد إلى أين ذهبتِ .. الجحيم , أنا حتى لم أعرف اسمك .. ''


    أجرت (بيج) لسانها على شفتيها , وهمست : '' أنا آسفة لم أقصد أن ..


    أجفلت عندما اندفع اتجاهها قائلاً : '' لم تقصدي؟ إذن بحق الله لأي شيء كان كل ما حدث يا جولييت ؟ ''


    ثم قبض على ذراعيها وسدد نظراته إلى عينيها , و أضاف : '' أم أن هذا مجرد شيء تفعلينه عندما تذهبين إلى الحفلات ؟ تشربين .. تأكلين .. تراقصين أحدهم .. ثم تخرجين مع رجل ما وتكادي تفقديه عقله رغبة في امتلاكك و ..




    '' لا تتطاول علي ... ليس لك حق ''


    '' ليس لي حق ؟! لقد جعلتني إنساناً أحمقاً .. أنتِ ...




    '' لقد حاولت أن أخبرك مراراً بأنه لم يكن شيئاً صائباَ , ولكنك لم تنصت . لقد ظللتُ أقول أنني يجب أن أعود إلى خطيبي .. ولكنك أنت ... أنت ...





    أصابها الرعب عندما أحست بدموعها تملأ عينيها ثم تنحدر على وجنتيها .. كان شيئاً سيئاً إلى حد بعيد أن يستغفلها في تلك الليلة . ويجب أن لا تدع هذا الرجل يوصلها إلى حد البكاء ..


    وبسرعة , مسحت أهدابها بظهر يدها و أشاحت بوجهها بعيداً .. وهمست :
    '' دعني أذهب '' ..




    '' بحق الله إلى أين تفكرين في الذهاب ؟''


    '' دعني أرجوك ''


    تحركت يداه برقة على كتفيها , و أدار جسدها الجامد المتصلب إليه ..



    قال بغلظة : '' لا تبكِ يا جولييت الصغيرة '' ..



    رفعت (بيج) وجهها إليه , وكانت أهدابها مبللة بالدموع المتلألئة ..

    و في لعنات هامسة .. جذبها بين ذراعيه و .. قبًلها ..



    كانت قُبلة أخبرتها , بوضوح أكثر من الكلمات .. أبلغ من أي وصف ..

    أن عذابه على مدى الأيام الماضية .. كان ساحقاً كعذابها ..

    كانت قُبلة تضم الحب .. والغضب و الرقة ..

    ولكن وراء هذا كله ..

    كانت على وعي تام .. أن قُبلة واحدة لم و لن تكفي ..



    غمغم قبالة وجهها : '' جولييت .. لماذا لم تعودي إلي ؟ ..



    انزلقت ذراعها فوق صدره ,و وهمست : '' لم أستطع .. ولا أستطيع أن أبقى معك الآن ''



    اشتدت ذراعاه حولها , ودمدم : '' كفي عن هذا القول , لن ادعك تذهبين هذه المرة ''



    همست : '' بل يجب عليك .. أرجوك .. إن خطيبي ..



    ضحك ملء فمه , وقال : '' هل ستتحدثين عنه مرة أخرى , أي نوع من الرجال خطيبك هذا ؟ أنتِ لا تريدينه يا جولييت ! أنتِ تعرفين ذلك ''



    أغلقت (بيج) عينيها و غمغمت : '' لا .. ليس بهذا الأسلوب . ولكن ..



    '' بماذا تشعرين في صحبته ؟ ''

    ثم رفع يدها اليسرى إلى شفتيه , وقال : '' مثل هذه الماسة التي ترتدينها ؟... و هل تُحبس النار داخل الحجر البارد ؟! ''



    '' يجب ألا تقول ذلك .. إنه ..



    أنا فقط أخبركِ بما نعرفه نحن الاثنان ''


    و انزلقت يداه عن كتفيها حتى جانبتها ..

    تراقصت أنوار الحفلة على خاتم الياقوت الذي يرتديه و رأته يستله من إصبعه , وقال :
    '' اعطني يدك ''


    مسحت عيناها وجهه .. وببطء , فعلت ما طلبه منها ..

    أخذ يدها في يده و وضع الخاتم في كفها , و قال بتأوه :
    '' الرجل الذي يعطيكِ ماسة لا يريدك في الحقيقة يا جولييت ''


    حدقت (بيج) في الخاتم . توهج الياقوت في كفها كأنه قطعة فحم متقد ة .. كان إطاره العتيق , رائع كثير النقوش ..

    رفعت إليه بصرها .. وهزت رأسها :
    '' أنا .. أنا لا أفهم ! ''



    قال بتأوه : '' أنتِ مثل الياقوت الملتهب في هذا الخاتم ''


    و أحاط وجهها بيديه و أماله للأعلى .. وتابع : '' رائعة , ثمينة , تتقدين بالعاطفة '' ..


    طرفت بعينيها عندما سدد نظراته إليها .. وعندما رفعها عنها , كانت عيناه غامضتين وهو يقول لها : '' احتفظي بالخاتم , انظري إليه الليلة , إلى البريق الملتهب المتوهج بداخله . وفكري فِيً , وكيف سيكون الأمر عندما نكون معاً '' ..


    و أطبق يده على يدها , و أحست هي بحرارة الياقوت تلفح كفها , و قال :
    '' احتضنني اللهب في أحلامك يا جولييت .. وغداً .. عندما أراكِ مرة أخرى ..




    '' غداً !! ''








    كررتها كما لو كان يتحدث بلغة مجهولة ..


    '' الزفاف . ستكونين هناك .. أليس كذلك ؟ ''


    '' أنا .. نعم , نعم .. سأكون هناك ''


    ابتسم و قال : '' سنمضي اليوم معاً .. سنفعل كل ما يفعله (آلن)اس عندما يلتقون لأول مرة .. سنتحدث ونتبادل النكات و ...




    غــــــــــداً



    قالت (بيج) بيأس : '' أرجوك . يجب أن تنصت لي .. أنا ...



    أحكم ذراعيه حولها .. وضمها إليه قائلاً :
    '' إذا قلتِ (لا) فسأذهب بعيداً ولن تريني مجدداً على الإطلاق ''


    و أضاف بصوت هامس إزاء وجهها : '' ولكنك لن تفعلي .. لن تفعلي يا جولييت ''



    ظهرت الجدية على ملامح (بيج) و هي تقول له بإصرار :
    '' أنت لا تفهم .. إن غداً هو يومــ ...







    سمعا صوت الباب يصفق .. ثم صوت صفير لشخص يشق سكون ليلهم ..



    '' هيـه .. هل أنتم هنا يا أولاد ؟؟ ''










    إلـــهي العزيز ! إنه (آلن) ..


    بدأ قلب (بيج) ينتفض , وقالت بصوت مرتجف : '' يجب أن نخرج من هنا .. أرجوك ''




    '' (بيج) ؟ أين أنتي يا حبيبتي ؟ ''





    '' ألا تسمع ؟!! ... اللعنة .. هذا (آلن) .. خطيبي ''





    أظلمت عينا الرجل , و ضاقت .. و صارت كأنهما رأس دبوسين من نيران الكوبالت ..

    قبضت يداه على كتفيها ,, و أنشب فيها أظافره حتى شهقت من الألم .. وقالت له :
    '' حاولت أن أخبرك أنــ ..


    أسكتتها نظراته القوية .. وقال بتأوه :
    '' لابد أن أقتلك .. يا إلهي .. أريد أن أضع يدي حول عنقك و ....






    كانت هناك قعقعة أقدام تصعد الدرج ..

    ثم انزلقت ذراع حول خصرها ..



    '' هذه أنتِ أخيراً يا حبيبتي ! ''




    جحظت عينا (بيج) عندما رأت (آلن) يبتسم ويلقي بذراعه الأخرى حول عنق الرجل الغريب , وقال بسرور :
    '' رائع .. أرى أنكما قد التقيتما بالفعل ..
    حسناً ..
    (كوين) .. ما رأيك فيها ؟
    ماذا سيقول أخي الأكبر عن عروسي الخجول ؟؟ ''










    !
    !
    !
    !
    !

    يُتـبــــــــــع[/ALIGN]
    الصور المرفقة

  9. #9
    الصورة الرمزية عابده لله
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 286
    الاقامة : جدة
    المشاركات : 13,754
    هواياتى : القــراءة
    My SMS : الدرر في القلب مهما طال الزمن أو قَصُر
    MMS :
    إم إم إس
    23
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 766
    Array




    [ALIGN=CENTER]
    وسيلٌ من عذب ..
    ونهرٌ جاري من تحت جنبات
    ذاك الوادي ..
    الذي يرحب بـ قدوم اعز الأحباب ..

    شهرزاد..

    أنتظرك بشغف..



    قاتل الله الإنتظار..

    /

    عابده
    [/ALIGN]

  10. #10
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array



    [ALIGN=RIGHT]الحلقة الرابعة :[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]((عزيزي اللورد كم أكرهك !))[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]المفروض أن تكون أيام العرس في كمال ما يحدث في الروايات : سماوات زرقاوات .. شمس مشرقة دون سحابة في السماء .. وهكذا بدأ هذا اليوم ...
    و هذا ما رأته (بيج) وهي ترنو ببصرها من نافذة حجرة نومها.. ومضت الأوراق القليلة الباقية على شجر القيقب العتيقة بألوان ذهبية وقرمزية ..
    في صغرها كانت تهوي تسلق فروع الأشجار المنخفضة الملتفة .. و تقبع في حضنها الورقي مختفية في أمان عن كل العالم ..

    ليتها تستطيع ذلك الآن .. تتسلق الشجرة وتضع ذراعيها حول الخشب الآجر و الخشن وتختفي هناك حتى ينتهي هذا اليوم الرهيب ..
    ولكنها لم تعد طفلة ولم يكن هناك مهرب ..

    تنهدت (بيج) و ارتشفت الرشفة الأخيرة المُرة من فنجان القهوة الباردة ..
    الأمل الوحيد لديها الآن , يتمثل في القليل من رقة (آلن) ..
    (آلن) لم يتصل بها بعد .. ولكنه سيفعل بالتأكيد بعد أن يخبره كوين بكل شيء ..

    بطريقة ما مرت من مأزق الأمس خلال اللحظة المرعبة بالمنزل الصيفي . فقد غمغمت ببعض الكلمات بلا معنى لها عن مفاجأتها بلقاء (كوين) أخيراً , وكانت تنتظر هي في كل لحظة أن يكذبها هذا الـ (كوين) .. لكنه ظل صامتاً , يرقبها في حدة مرعبة .. ثم تمتم ببعض الجمل المهذبة المماثلة لما قالته ..
    ابتسم (آلن) ثم عادوا جميعاً للمنزل .. وكان يسير سعيداً بينهم .. دون أن يدري عن شيء ..

    هبت والدة (بيج) لنجدتها عندما دخلوا حجرة الجلوس .

    قالت : " إن شعرك بحاجة لإصلاح تصفيفه " و دفعت (بيج) إلى حجرة التواليت بالدور السفلي . وبمجرد إغلاق الباب , اندفعت تسأل ابنتها : أي مكان على وجه الأرض كنتِ تنطلقين ؟"
    حاولت (بيج) التمتمة مدعية عذرا لكن والدتها أوقفتها بإشارة من يدها , وقالت : " لقد تصرفت بطريقة غريبة تماما يا (بيج) . وظللت أقول للجميع أنها عصبية اللحظات الأخيرة ولكن ... هل أنت على ما يرام ؟ "

    تذكرت (بيج) أن والدتها سألتها نفس السؤال مرات و مرات خلال الأيام القليلة الماضية .. وبالطبع كذبت مرة أخرى , وقالت , نعم , إنها بخير .
    أي شيء آخر كان يمكن أن تقوله ؟ ..


    فكرت في ذلك وهي تحدق بعيون غائمة في شجرة القيقب العتيقة . لم يكن باستطاعتها أن تخبرها بالحقيقة ...
    لتقول لها – بنفس هدوء حديثهما – أن (كوين) ربما قد أخبر (آلن) بأن خطيبته كانت .. كانت ..

    أحدث فنجان قهوتها الفارغ دوياً و هي تضعه على المائدة .
    انعكس شعاع ضئيل من ضوء الشمس على الماسة بإصبعها .. خاتم (آلن) ..وقبضت يدها إلى صدرها .

    كان خاتم (كوين) الياقوتي الأحمر الدموي يمس جدها دافئاً متدلياً من سلسلة ذهبية رقيقة ..
    أي حماقة جعلتها تعلقه في السلسلة و ترتديه ؟

    وقع بصرها على الساعة المجاورة لفراشها , باق على الزفاف ساعات قلائل . لماذا لم يتصل بها (آلن) ؟ لا بد أن (كوين) قد أخبره ..
    طوال ليلة الأمس كانت مشتتة مابين الرهبة و بين الترحيب باضطرارها للاعتراف بنفاقها .. ولكن لم يحدث شيء ..
    و (كوين) .. (كوين) يكمن في خلفية الصورة بوجه يغطيه قناع من الظلام , ويراقبها و ..


    " (بيج) " ..

    حدقت في الباب وهو يُفتح : " حان وقت أن ترتدي ثيابك يا عزيزتي ! "

    " هل اتصل (آلن) يا أمي ؟ "

    هزت (جانيت جارونز ) رأسها , وقالت : ليس من المفترض أن يفعل أليس كذلك ؟ ربما سوء حظ أو شيء ما " ..
    ثم فتحت خزانة الثياب , وبعناية , سحبت فستان زفاف (بيج) الطويل الذيل .. وتنهدت قائلة : "أليس جميلاً ؟"

    راقبت (بيج) والدتها وهي تبسط الفستان على السرير . رأت أن الزركشات الجميلة الرقيقة اليدوية الصنع تبدو مثيرة للسخرية !

    " أمي لستُ أدري .. لكن .. ماذا تعرفين عن ((كوين) فولر) ؟ "

    هزت أمها كتفيها بلا مبالاة , وقالت : " شقيق (آلن) " ..

    ثم تابعت وهي مشغولة في ترتيب الفستان فوق سريرها : " لا أعرف الكثير فقط ما قاله السيد (فولر) لوالدك . إنه يعيش مغترباً .. في لندن على ما أظن . يبدو أنه يمثل خيبة أمل كبيرة لآل (فولر) .. لقد رحل من هنا في ظروف غامضة . لكنهما , أقصد هو و (آلن) لا يزالان ملتصقان في علاقتهما ببعض .. لماذا تسألين؟ "

    ابتلعت (بيج) ريقها . وقالت : " لا سبب محدد فقد ظننت ...
    و تثاقلت كلماتها ثم تابعت : " أمي . ماذا لو .. لو حدث أي شيء و جعلني لا أتزوج (آلن) ؟ "

    ابتسمت والدتها وقالت بتأوه : " أووه .. لن يحدث أي شيء يا ابنتي .. "

    " فقط افترضي .. ماذا لو غيرت رأيي ؟ هل سيزعجك ذلك ؟ "

    بعد لحظة صمت قصيرة سألتها والدتها : " هل غيرت رأيك ؟"

    هزت (بيج) رأسها , وقالت : " مجرد ... مجرد سؤال " ..

    اجتازت (جانيت) الحجرة و وضعت ذراعيها حول ابنتها , وقالت : " (بيج) يا عزيزتي .. لكل عروس شكوك اللحظة الأخيرة " .

    " أعرف , ولكن "

    تابعت عينا والدتها عينيها , و سألتها بهدوء : " هل تريدين الحديث عن هذه الشكوك ؟ "

    هزت (بيج) رأسه مرة أخرى و همست : " لا " ..

    قالت والدتها دون أن تترك عيناها عيني ابنتها : " هل يقول لك قلبك بأن هذا هو كل ما في الأمر "

    تلألأت الدموع في عيني (بيج) , وقالت بابتسامة سريعة : " أنتِ أم رائعة . هل حدث أن قلت لك ذلك من قبل ؟ " ..
    اغرورقت عينا (جانيت) أيضاً . وضحكت قائلة : " ليس كثيراً " , ثم قبلت وجنة (بيج) و قالت بلهجة مبتهجة : " والآن .. دعينا نلبسك فستانك , هل لنا أن نفعل ؟ الوقت يمر سريعاً " .


    رنت كلمات الأم لاحقاً في عقل (بيج) وهي تقف وسط حجرة صغيرة بالدور العلوي في منزل آل(فولر).

    فعلاً, لقد مر الوقت سريعاً .. ترامت إلى مسامعها الأصوات المبكرة لمهرجان الزفاف من ناحية الدرج الخلفي :
    همهمة الحديث بين متعهد الأطعمة ومعاونيه ..
    صلصلة الأواني الفضية ..
    نغمات خافتة من موسيقى (فيفا ليدي) ..

    في أقل من ساعة سيمتلئ المنزل بالناس .. وستتحرك هي ببطء , هابطة الدرج الرئيسي المزين بالورود .. فوق السجادة الطويلة الضيقة ذات اللونين القرنفلي والأبيض .. والتي تمتد فوق بساط الأوبوسون الجميل ..... وبجوارها (آلن) ..



    ولكن قد لا يحدث أي شيء من هذا .. في أي لحظة سيُفتح الباب وسيواجهها (آلن) ..
    (آلن) و (كوين) ..
    وهاهي بمفردها .. ومستعدة ..
    لن يكون هناك متفرجين على عارها ..

    لقد صرفت أمها بقولها : " اذهبي لترين ضيوفنا .. أنتِ تعرفين السيدة (فولر) .. ستبتلعهم أحياء لو لم تكوني هناك ! "
    بدا والدها متحمساً لتركها , وقال تعليقه بطريقة كئيبة و ثقيلة : " أنتِ تبدين رائعة " .. لدرجة رسمت الابتسامة الوحيدة على وجه (بيج) على مدى اليوم كله ..


    نظرت (بيج) إلى ساعتها .. و أحست بلحظة رعب , هل يمكن لـ (كوين) أن يكون قد غير رأيه ؟! ..
    هل قرر ألا يخبر (آلن) بأي شيء ؟! ..
    هل تَبَقى أقل من ساعة تصبح زوجة لرجل لا تحبه .. رجل لا تستحقه ؟!

    لا .. هذا مستحيل .. لقد رأت النظرة التي ارتسمت على وجه (كوين) لحظتها .. لقد كرهها و أحب أخاه .. لقــ ....







    فُتح الباب وصفق بشدة ...

    هل هو (آلن) ؟ ...

    استدارت (بيج) إلى الباب خافقة القلب . . و أحست بالدماء تهرب من وجهها ..

    لم يكن (آلن) ..



    لقد كان (كوين) .. وبمفرده ! ..



    همست في هلع : ماذا تفعل هنا ؟ أين (آلن) ؟! .. "



    " انفرجت شفتاه كاشفة عن أسنانه,وقال بهدوء : " ياله من أسلوب ساحر لتحية شقيق زوجك !"


    كانت عيناه تمسحان جسدها بوقاحة : " انتِ تبدين جميلة حلوة يا جولييت . شديدة الصفاء و البراءة .. "


    أحست (بيج) بالحرارة تلتهب في وجهها .. هل هناك طريقة للهرب من نظرة الاشمئزاز في عينيه .. لا بد لها أن تجد طريقة .. غير أنها لم تستطع أن تفعل سوى أن تنصب قامتها و تدفع نفسها لملاقاة نظرته دون إجفال .


    " هل أرسلك (آلن) ؟ .. هل هو .. هل هو .. "


    غربت الابتسامة من وجهه , وقال : " هو لا يعرف أنني هنا .. إنه لا يعرف أي شيء يا (بيج) .. أنتِ خدعتِ أخي الأصغر .. "


    " تقصد ... أنك لم تخبره ؟ .. لكن ..


    قال (كوين) بصوت أجش : " لن يصدقني (آلن) إذا أخبرته أنك مومس بابل حتى ... يعلم الله , أنني حاولت .. لقد أخذته لتناول الشراب بعد انصراف الجميع بالأمس .. لقد بالغت و أخبرته أنه يرتكب خطأ كبيراً .. غير أنه ضحك و لطمني على ظهري وقال أنه توقع أن أحاول أن أقنعه بالعدول عن الزواج .. وعندما قلت له أنني لا أظنك ملائمة له , ضحك مرة أخرى وقال أنني فقط أشعر بالغيرة من حظه الطيب " .




    اكفهر وجهه و خفت صوته حتى أصبح همساً , و أضاف : " أنتِ لا تعرفين كم لزمني من الجهد كي امتنع عن إخباره بأن حظه هذا كان يمكن لأي فرد أن يناله في المكان والوقت الملائمين "





    أصابها الاتهام في صميم قلبها , و همست : " غير صحيح .. ما فعلته معك ...


    لوى شفتيه احتقاراً وقال : " تذكري أني كنتُ هناك , هل كان جلدك يؤلمك وكنتِ بحاجة لمن يحكه لك ؟ أهذا كل ما في الأمر ؟! " ..



    شحب وجه (بيج) بينما تابع هو ساخراً : " ما ذا هناك يا طفلتي ؟ أهذا شيء بذيء جداً لأذنك الرقيقة ؟ " ...


    " لا يمكنك أن تتحدث لي بمثل هذا .. أنتــ ...


    تحرك اتجاهها في تصميم حاد لدرجة أنها تراجعت . ولكن لم يكن هناك مهرب ! .. حتى اصطدم كتفاها بالحائط في نفس اللحظة التي أطبقت فيها يداه على ذراعيها ...


    " ما الذي أوصلك لهذا (بيج) ؟ هل هي أسابيع من تمثيل البراءة على (آلن) ؟ أظن أن ذلك لم يكن صعباً .. إنه لم يثيرك , أليس كذلك ؟ لقد قلتِ لي ذلك صراحة .. "



    ترقرقت الدموع في عينيها و هي تقول له في خضوع : " (كوين) أرجوك .. لم يكن الأمر بهذه الصورة ...


    جذبها إليه قائلاً : " أكنتُ أنا من أثارك يا (بيج) ؟ أم استحوذت عليكِ فكرة أن يأخذك رجل غريب ؟ "


    " أرجوك يا (كوين) .. أتوسل إليك ..


    حدق فيها للحظة طويلة .. ثم دفعها عنه و تمتم .. " يا إلهي , أنتِ بارعة فيما تفعلين .. لا عجب أن سقط (آلن) تحت تأثيرك .. ذلك اللقيط التعس "


    هزت (بيج) رأسها , وقالت : " أنا لم أكذب على (آلن) البتة .. لقد أخبرته أنـ ...


    هز (كوين) رأسه غير مصدق , وقال : " ذلك الهراء المضلل الذي اضطررت للإصغاء إليه ليلة الأمس .. أنا فهمتك الآن سريعاً , و أصبحت منه في ثقة الجحيم يا جولييت . كل ما كان عليكِ أن مثلت الخجل .. و طرفت هذه الأهداب الطويلة .. وقلتِ (لا) كلما حاول أن يمد يده إليكِ , وبذلك كان عرض الزواج قد ضُمن تقريباَ "


    " لم أكن كذلك يا (كوين) .. لقد أخبرته مراراً بأنني لا أحبه "


    ضحك ساخراً , وقال : " يالها من لمسة بارعة .. لقد كاد يذوب خجلاً عندما أخبرني أنه كان يزمع تعليمك بعض الأسرار " ..

    و ثنى رأسه تجاهها .. والكراهية تملئ عينيه .. و زمجر قائلاً :
    " لابد أن (آلن) كان هبة من السماء .. فرصتك في زوج غني ... و عقد تأمين لوالدك , كل ذلك في ضربة واحدة مُحكمة "



    تأرجحت نظراتها المحدقة على وجهه , وقالت مندهشة :
    " عن أي شيء تتحدث؟ ما دخل والدي بهذا ؟ "


    " لا تجربي هذه التمثيلية معي يا طفلتي . لن تجدي نفعاً معي .. فأنا أعرف كل شيء "


    " و أنا لا أعرف أي شيء .. حتى أني لا أعرف ما تتحدث عنه يا (كوين) .. والدي ....


    " لابد أن أعترف .. أنتي ورجلك العجوز كنتما ماهرين .. لم يشك (آلن) مطلقاً أنكما كنتما تستغفلانه "


    تركها (كوين) و مشي ببطء عبر الحجرة . وقال :
    " يا إلهي , لقد حدثني عن مدى الإمتنان الذي يكنه تجاه والدك .. وكيف أنه كان بحاجة على صهر عندما بدأتِ أنتِ و هو تخرجان معاً , وكيف أنه لجأ إلى والدك "


    " إن والدي يحب (آلن) .. إنه ...


    دار على عُقبيه , و واجهها صارخاً : " لا تكذبي علي أيتها اللعينة "


    التقطت أنفاسها بسرعة عندما بدأ يتحرك اتجاهها ببطء مرة أخرى . وقال : " فكرة من هذه يا جولييت ؟ فكرتك أم فكرة أبيكِ ؟ "


    أنا لا اعرف ما تتحدث عنه !! "


    كان فمها جافاً من الخوف ...


    " اللعنة .. لكنه كان ماهراً .. ألقاك والدكِ في طريقه , ثم لعبتِ أنتِ بجد لتنجحي .. و أنزلق الغبي في الشرك تدريجياً " ..


    و مد يده فجأة و قبض على كتفيها , وتابع :
    " وعندما وقع في الفخ .. تُم حل المشكلة ببراعة لفريق الأب (جارونز) و ابنته " .


    قالت بكراهية : " أنت مجنون يا (كوين) أريدك أن تخرج من هذه الغرفة الآن "


    تجاهلها و تابع : " المشكلة الأولى :ماذا تفعل مع ابنة أقامت بعيداً بعض الشيء ؟ المشكلة الثانية: ماذا تفعل عندما تغوص يدك في خزانة النقود حتى مرفقك ؟ ما الحل؟ الأمر بسيط ... تغلف بضاعتك التي فقدت بريقها بغطاء أنيق من الطلاء .. وتزوجها للرجل الذي كنت تسرقه , من الذي سيطالب بتوقيع عقوبات جنائية على أحد أقاربه ؟ "



    حدقت (بيج) فيه كما لو كان يتحدث بلغة بربرية , وقالت :
    " عقوبات جنائية ؟! عن أي شيء تتحدث ؟!! "


    قال بلهجة حادة : " أنا أتحدث عن والدك إنه لص حلت عليه لعنة السماء "


    قالت غير مصدقة : " أبي ؟!! ... أنظر , قل ما تشاء عني يا (كوين) .. أنا أعرف ما تظنه بي ولا أستطيع ... لا أستطيع أن ألومك .. و لكن والدي؟ لقد كان والدي كبير المحاسبين بمؤسسة (فولر) لسنوات . إنه ...


    " لقد كان يسرق مؤسسة (فولر) لسنوات "


    ردت بسرعة : " أنت كاذب " ..


    كان صوتها حاداً وغاضباً .. و أضافت : " أنت لا تعرف أي شيء عنه .. ولا تعرف أي شيء عن مؤسسة (فولر) أيضاً .. لقد هربت من عائلتك ومن مسؤولياتك .. "


    اشتدت قبضة يده عليها حتى أخذت أنفاسها صوت الفحيح بين أسنانها .. التوت محاولة الفكاك منه , وقالت : " أنت تؤذيني .. دعني اللعنة , دعني و إلا سوف ...


    رفع يديه عنها بحذر زائد , وقال : " و إلا ماذا ؟ " وضحك قائلاً :
    " ستطلبين النجدة ؟ هل سترسلين في طلب الشرطة , سيكون شيئاً مُضحكاً , أليس كذلك ؟ ابنة المختلس و الشرطة ! "


    اجتذبت (بيج) نفسا قصيراً قبل أن تقول : " مختلس ؟!! "


    " ما الأمر يا (بيج)؟ هل ترين أن الكلمة قاسية جداً ؟ .. هذا ما كان يفعله أبوكِ .. الجحيم .. لابد وأنك تعرفين القصة أفضل مني .. خُذ قليلاً من هنا و قليلاً من هناك .. هذا الحساب و تلك الحسابات المعلقة و بالطبع , وبأسلوب لا يشك فيه أي فرد على الإطلاق .. من سيمسك بك ؟ و خاصة إذا كنتَ أنتَ الرجل المسئول ؟ "


    قالت بسرعة : " هذا مستحيل .. لو فعل ذلك أي إنسان فلابد أن يعرف (آلن) و والده .. من أنت .. متى تأتي من لا مكان و تدعي هذه المزاعم !! "


    تلاشت ابتسامة (كوين) الساخرة . وفجأة بدت الحجرة باردة ..



    " أنا امتلك مؤسسة استشارية يا (بيج) . ألم يخبرك (آلن) ؟ مؤسسة كومبيوتر , أجهزة و برامج .. وتخصصي هو عمل النظم المحاسبية لمؤسسات مثل مؤسسة (فولر) .."

    وعادت الابتسامة مرة أخرى سريعة و باردة : " عندما علم والدي بعودتي لحضور زفاف (آلن) , رمى لي بعظمه , قال (لدي ما يمكنك عمله لقسم السجلات بمؤسستنا) .. ربما لم يتوقع الكثير .. لقد أمضيتُ الأيام القلائل الماضية أضع برنامج كومبيوتر ينقل مؤسستهم من عصور الظلمة إلى القرن الواحد و العشرين " .


    حدقت فيه (بيج) . لم تفهم أياً مما قاله , وقالت : " ولكن .. (آلن) قال أنك ربما لا تصل حتى ...


    " كان شديد الانشغال بكونه عريساً لدرجة أنه لم يعرف بما يحدث .. لقد جئتُ بالطائرة عشية الحفلة التنكرية الراقصة .. بالطبع لم يرني في تلك الليلة . ولم يرني أي إنسان .. وشكراً على تعذيبك المحدود لرغباتي على الشاطئ " .


    تخضب وجهها بالدماء و وضعت يدها على حلقها وهي تقول له خافضة النظرات : " لم يكن الأمر كذلك أبداً .. أنت يا (كوين) ...


    تجاهل مقاطعتها وأكمل كلامه : " منذُ ذلك الحين .. أمضيتُ تلك الأيام أضع فيها برنامج الكومبيوتر .. واكتشفتُ خطة والدك أول أمس " ..
    و ارتسمت على شفتيه ابتسامه بسيطة وهو يقول : " هل تريدين سماع نكتة حقيقية ؟ عندما أدركت أن .. والد ((بيج) جارونز) .. حاولت فيما يشبه الجنون أن أجد طريقة لدفن ما وجدته .. لم أرد أن يعلم (آلن) و عروسه الجميلة أن والدها مختلس .. ليس قبل الزفاف مباشرة "

    و حدق فيها قائلاً : " إذا كنتِ لا تصدقينني , فابحثي عن والدكِ , و اسأليه عما يسمى حساب (ميلينك) , و أنظري لرد فعله " .


    كان كل شيء يقوله (كوين) يُعد كثيراً على (بيج) المذهولة .. لا بد أن خطأ ما يتعلق بشان والدها مثلما (كوين) على خطأ بشأنها .. لابد أن يكون على خطأ .. والدها لص ؟؟ .. مستحيل .. لا يمكن أن يسرق ...



    (لا مغامرة يعني لا ربح) .
    اقشعر جلدها .. كما لو كانت الأشباح التي تمخضت عن اتهامات (كوين) لها و لوالدها تحتك بها ..
    لقد تصادف أكثر من مرة أن استمعت في طفولتها لشجار بين والديها بعد منتصف الليل . كان ذلك دائماً لنفس السبب : تصميم والدها على عمل ربح كبير على نحو مفاجئ و سريع . كانت والدتها تقول إنه يطارد ذهباً وهمياً .. ثم ينتهي الأمر بأن يعم الأسرة صمت بارد لأيام ..

    ماذا لو خرجت خطط والدها من يده ؟ ماذا لو أن غرابة الأطوار أصبحت إدماناً ؟ ...

    تتابعت ذكريات الشهور الأخيرة تتداعى خلال عقلها .. فكرت في الطريقة التي ألقاها بها والدها في طريق (آلن) .. لم يترك ادعاء إلا و أتى به . . ثم كانت هناك التعليقات البغيضة المبهمة التي كان يلقيها خلال الأسابيع الماضية عن آل (فولر) و أموالهم .. وتوقفت لتتذكر أنه كان يتصرف بطريقة غريبة منذ عودتها إلى المنزل ..

    (كل ما في الأمر أنني أردتُ الأفضل لنا جميعاً)
    الم يكن هذا ما قاله والدها غي تلك الليلة ؟ .. وقتها ضحكت وأغاظته بسخريتها من اختياره للكلمات . هل كانت زلة لسان ؟ هل كان تعبيراً عن ارتياحه إذ سيرتبط مع آل (فولر) , ويحتمي بالزواج من حمل العار على الملأ ؟ وربما هو أسوا من ذلك ؟ ...


    عرفت فجأة أنه من المستحيل البعيد أن يكذب (كوين) .. إن ما قاله لها كان الحقيقة .. ملأها الرعب ..



    والدها مختلس ..


    لص ..


    قالت بصوت يائس: " ماذا تُريدني أن أفعل ؟ سأفعل أي تُريده يا (كوين) .. فقط عدني ألا تفضح والدي .. "


    عبست عيناه وقال بتأوه : " أوه لقد انتهت اللعبة .. لا مزيد من الادعاء بأنك لا تعرفين ما أتحدث عنه يا (بيج) "


    لافائدة من الإنكار مع هذا الرجل !!

    أجابه صمتها ..

    أومأ (كوين) , وقال : " حسناً , لقد انتهت لعبة والدكِ الحقيرة . سأنظر في كتمانها .. إذا فعلت ما أقوله بالضبط "



    أومأت بقلق وهي يتقول : " قل ما تريد " .



    قال بصوت حاد : " أُريدك أن تخرجي من حياة (آلن) " ..




    اتقد الغضب داخلها , وقالت : " أنت تظن أنك تعرفني يا (كوين) , ولكنك لست كذلك . كنتُ سأصبح زوجة صالحة لأخيك و ..



    انفجر ضاحكاً , وقال : " زوجة صالحة ؟!!
    تقصدين في الظاهر فقط , أليس كذلك يا طفلتي ؟ زوجة ترقد باردة بين ذراعيه , لمجرد أن تحتفظ بحبه لها ولهفته عليها .. بينما تقضي الليل كما تشاء خلال المدينة " .



    لمعت الدموع على أهدابها , وقالت :
    " لافائدة من هذا الحديث . أنت تريد أن أخرج من حياته . و هذا طيب .. سأخبر (آلن) بإلغاء الزفاف .. كنتُ سأفعل ذلك منذُ أيام ...



    ضحك مرة أخرى , وقال : " أراهن أنكِ كنتِ ستفعلين "



    التقت عيناها بعينيه , وقالت : " احضر لي (آلن) . سأخبره أني أعدتُ التفكير في مسألة زواجنا و سأخبره ذلك بطريقة لا تؤذيه " ..


    " تقصدين وسيلة لا تُطفيء هالتك , نعم , أستطيع أن أفهم الأمر الآن .. و عندما تنتهين أنتِ يكون هو جاثياً لدى قدميكِ يتوسلك البقاء و إعطائه فرصة ليُسعدك " .


    أمسكت (بيج) بذراعه وهو يمر بها في سيره في الحجرة و قالت : " إذن سأكتب له خطاباً "




    توقف (كوين) واستدار لها و قد ثبًت عيناه بلونهما المزرق على وجهها . . و أسرعت تضيف : " سأخبره أني لا أستطيع أن أُتمم الزفاف , ثم أغادر الآن في التو .. إن حقائبي هنا , بل و جواز سفري " ..

    صمتت .. ولكنه لم يقل شيئاً , فتابعت : " سيجدي هذا , أليس كذلك ؟ سأبتعد لفترة . يمكنك أن تعود إلى .. إلى حيثُ كنت تعيش , و ...


    ابتسم راسماً خطين قاسيين على جانبي فمه الضيق حتى غاصت غمازاته عميقاً و قال بهدوء :
    " رائع " ..



    اندفعت يده تقبض على معصمها , وانفجر صوته غاضباً : " هل تظنين أن كل الرجال مغلين ؟ سأرحل .. وتعودين ؟ .. أليس كذلك ؟ ثم تقولين لـ (آلن) أنك غيرتِ رأيك و أنه ما كان ينبغي إطلاقاً أن تلغي الزفاف "


    هزت (بيج) رأسها بشدة , و قالت : " لن أفعل .. اقسم أني لن أفعل "


    صرخت عندما اشتدت أصابعه على عظام معصمها الرقيقة و شهقت : " أنت تؤذيني "



    زمجر قائلاً : " حقاً ؟ " وجذبها إليه و أضاف : " بيقين الجحيم , أتمنى ذلك "


    " أنا لم أغر (آلن) بأي شيء . لقد أرادني "


    " هذه هي الحقيقة اللعينة , لقد أرادك " . والتوى فمه وهو يميل مقترباً منها , و تابع : " ومن هذا الرجل الذي لا يفعل عندما تسلطين عليه هاتين العينين ؟ .. لابد أن أعرف "


    صارت وجنتاها الآن بلون القرنفل , وقالت : " أنت لست بريئاً فأنا لم أبحث عنك لأوقعك في شراكي ...


    التهبت عينا (كوين) , وقال : " عندما يُبدي رجلاً الاهتمام يا (بيج) , فإن المومس الأمينة تخبره بثمنها أولاً ..






    " طـــااخ "




    كانت يدها كالسهم وهي تطوحها و تلطم وجهه ...


    دوى صوت ارتطام اللحم باللحم في الحجرة ..


    و همست : " أيها اللقيط " .


    و تحول لون عينيها البنفسجي إلى أزرق نيلي .. و تابعت :
    " هل تعرف ما سأفعل يا (كوين) ؟ .. سأتزوج (آلن) سواء رضيت أم لم ترض , ولا يمكن لأي من أفعالك التافهة أن يوقفني .. أنت على حق تماماً .. سيصدق (آلن) أي شيء أقوله له " .


    " سيصدق ما يقوله الكومبيوتر . إن والدك لص " .


    قالت ببرود : " ليس والدي هو من يريده أخوك . بل أنا .. و سيأخذني بناء على أي شروط .. حتى لو تضمنت العفو عن والدي . "


    اتصل الصمت بينهما للحظات .. ثم أومأ (كوين) , وقال : " أنتِ بارعة يا (بيج) , ولكن ليس بدرجة كافية .. لقد نسيتِ شيئاً واحداً " ..

    و ابتسم ابتسامة بغيضة , وقال : " مرحنا الصاخب على الشاطئ في تلك الليلة .. شيء ما يقول لي بأن (آلن) لن يريدك بعدما أخبره بذلك " .


    ارتفعت ذقنها , وثبتت نظرتها على عينيه , وقالت بهدوء : " إذا فعلت فسأضطر لإخباره بأنك قد فرضت نفسك عليً . وكيف أنك كدت تغتصبني ...


    هاه من تعتقد أنه سيصدق عندها ؟ "



    و للحظة ظنت أنها قد أسرفت في الضغط عليه . اكفهر وجهه .. وجمدت عيناه و كأنهما من زجاج ..
    أعدت (بيج) نفسها لهجومه ..


    و في نفس اللحظة التي تيقنت فيها من أن قلبها سيثب من صدرها ..


    فعل ما لم يكن متوقعاً ..


    ابتسم ...


    قال بصوت مرح خفيض : " جميلتي .. جولييت الرائعة .. شكراً على إظهارك وجهك الحقيقي .. من الصعب النظر إلى هاتين العينين و تخيل أي مومس حقيرة أنتِ " .


    التوت يده بإحكام أكثر على معصمها و تابع : " أنتِ على حق .. سيصدق (آلن) أكاذيبك أياً ما كانت , وعندئذ ستفوزين أنتِ و والدك اللص بكل شيء "


    ولوى (كوين) معصمها تجاهه قائلاً : " أنا على حق . أليس كذلك ؟ " .


    تألم معصمها تحت وطأة قبضته , ولكن ليس بقدر تألم قلبها ..

    فكرت في وقت رغبتها أن يسقيها هذا الرجل من حبه .. وكيف كانت قد هجرت ملاذها الأمن بين ذراعي (آلن) ..لتهرب إليه ..


    أما الآن ..






    أما الآن ..





    " كم أكرهك "

    هذا ما أحسته .. ولكنها لم تقله ..


    ردت على سؤاله : " نعم .. و لن تستطيع عمل شيء ..
    و أنبهك إلى أن زفافنا اليوم "


    ضحك بهدوء , وقال : " أنتِ على حق " .
    ثم بدأت ذراعاه تحيطان بها وتحتجزانها أمامه .. وهو يقول لها :
    " بحق لعنة الله على الشيطان .. سيكون هناك زفاف اليوم ..

    ولكن ليس في هذا البيت ..

    وليس بينك وبين (آلن) المسكين .. "



    ثم توقف وارتسمت بسمة على شفتيه دون أن تدفئ إطلاقاً من برودة عينيه ...


    و استطرد : " أنتِ لم تتركي لي خياراً يا (بيج) ...

    هناك طريقة واحدة لإيقافك عن ألاعيبك ..

    ستتزوجين..

    و ستكونين عروس جميلة في يومها الخاص ..

    و ستصبحين زوجتي أنا .. "









    حدقت فيه ذاهلة ..


    و في مكان ما من أرجاء المنزل المترامية .. سمعت ما يشبه ضحكة مدوية .. و تساءلت هي في ذهول .. إذا ما كان الجميع قد سمع ما قاله هذا المجنون , و أنهم يضحكون على هذه النكتة البشعة ..








    "مم .. ماذا ؟!! "


    هزها ...


    بالأمس .. كانت تلهث بالرغبة لدى لمسته .. أما الآن .. فإن لمسته ترعبها ..



    ابتسم هو .. و أدركت هي أنه قد أحس بخوفها .. و أنه استمد منه السرور ..

    " لقد أفقدتك السعادة القدرة على النطق , أليس كذلك ؟ "


    اختفت الابتسامة منه , و كأنها مصباح كهربائي قد انطفأ .. ثم تابع :
    " لا يوجد وسيلة أخرى أستطيع بها حماية أخي منك " ..


    حدقت فيه تنتظر الضحكة التي تخبرها بأنه كان يلقي بعضاً من الترهات التافهة .. ولكن بدت عيناه بلا أي تعبير ..



    " أنت ... أنت لا يمكن أن تكون جاداً "


    " جاد إلى حد الموت يا جميلتي جولييت "


    بدأت خفقات قلبها تتسارع , وقالت : " أنا ... أنا لابد أن أكون مجنونة كي أتزوجك "


    أمال (كوين) رأسه جانباً , وقال بهدوء : " أو يائسة .. إلى أي مدى ستذهبين لتنقذي والدك من السجن ؟ " ..


    " أنت لن ...


    ابتسم ابتسامة عريضة , وقال : " ألن أفعل ؟ الضيوف ينتظرون بالطابق الأرضي . كل ما ينبغي فعله هو إلقاء بيان قصير ... (مساء الخير جميعاً .. أخشى أن يكون الزفاف قد أُلغي .. كما ترون , فإن والد العروس مختلس , ولابد أن أبلغ الشرطة وقد طلبت مني العروس أن أخبركم بأن العريس سيتزوجها على أية حال , في نفس الوقت الذي يتبرأ فيه والد العريس من والدها ويفصله من المؤسسة , وذلك لعدم الرغبة في أن يكون هناك لص من ضمن العائلة .. آسف إذا كان ذلك قد أفسد يومكم , ولكن فقط أنظروا إلى ما فعلته العروس و والدها "


    " أيها اللقيط "


    " يالها من مفردات قوية تلك التي تملكينها يا (بيج) . سيُصدم (آلن) عندما يسمع هذه الكلمات تنساب من فمك الرقيق "


    " ألا تقلق بشأن أذية (آلن) ؟! "


    هز كتفيه في استخفاف , وقال : " إن زواجك منه سيؤذيه أكثر "


    " سيكرهك . كل عائلتك ستكرهك . إنهم ... "


    " انفرجت شفتاه في ابتسامة باردة , و قال : " لقد رأيت ما هو أسوأ "


    قالت في محاولة أخيرة يائسة : " سيظل (آلن) يريدني يا (كوين) . سيحاول استعادتي "


    " ليس وأنتِ زوجتي .. ملكي .. شيئاً قد أصبح لي أنا "


    " لن يسكت (آلن) عن ذلك أبداً .. سيظل ...


    " كفي عن ذلك .. عندما تنتمين إلي يا (بيج) , فإن أي رجل يريد أن يحتفظ بعافيته لن ينظر إليكِ مرتين , بما في ذلك أخي الأصغر "


    مسحت عيناه وجهها الجميل .. ثم انطلقت تمسح جسدها الرشيق و الذي يبرزه فستان زفافها الناصع الرقيق .. وعادت مرة أخرى على عينيها .. ولوى شفتيه مبتسماً و قال :
    " كنتِ تريدين أحد أبناء (فولر) , ولقد حصلتِ على أحدهم ..
    صدقيني يا (بيج) الشخص الذي حصلتِ عليه هو من تستحقين "


    ارتعد قلبها رعباً من المستقبل الآتي إليها مع هذا الرجل , وهمست بذل :
    " لا يمكنك أن تفعل هذا .. سيبدأ الزفاف حالاً .. الجميع ينتظرون .. (كوين) , أرجوك , يجب أن تنصت لي .. والدك .. والدي ...


    " لا تنسي التعويضات يا (بيج) "


    عندما رأت ما بعينيه بدأت تقاومه , و لكن غلبتها قوته ..

    جذبها إليه و التهمها في رسالة وحشية لا وجود للرقة فيها ..
    لقد قصد بقبلته تلك تعيين حدود علاقتهما .. و أنه سيمتلكها .. و أنه لا يوجد ما يمكنها عمله حيال ذلك بالمرة ..


    " هل تفهمينني ؟ "


    وضعت (بيج) يدها على فمها .. ومسحته . وهمست : " كيف استطعتُ في لحظة ما أن أرغب في أن تلمسني ؟! " ..


    ملأت الدموع عينيها و سالت على وجنتيها في ثوان .. ومض شيء في عينيه الزبرجديتين .. ولكنه اختفى بنفس السرعة التي ظهر بها ..


    قال بلهجة جافة : " أريد أن نخرج في خمس دقائق . بدلي فستانك حالما أكتب كلمة لـ (آلن) .. سأمليك كلمات تكتبينها له و لوالديك .. سأجعل الأمر يبدو كما لو أننا لم نستطع منع أنفسنا .. سيظنون أننا لا نستطيع الحياة بعيداً عن بعضنا " .


    أرسلت ابتسامته قشعريرة في دمها , و أضاف : " يكاد ذلك يكون الحقيقة , بطريق ملتو بعض الشيء , أليس كذلك يا جولييت الجميلة ؟ "


    " عزيزي اللورد كم أكرهك ! "


    " ربما يمكن للقاضي الذي سيعقد قراننا أن يضيف هذه الكلمات لقسيمة الزواج . . صدقيني الشعور متبادل " .


    التقت عيونهما و ثبُتت , ثم دفعها (كوين) عنه ...


    قال بسرعة و حِدًة : " بدلي ثيابك . أسرعي " .


    حدقت فيه بعجز , وقالت : " أدر ظهرك ..


    ضحك (كوين) وقال : " عروس خجول .. هذا بالضبط ما كنتُ أريده تماماً " ..


    ولكن فعل ما طُلب منه .. وعندما ارتدت ثيابها التي سترحل بها بعيداً , استلت (بيج) ماسة (آلن) و وضعتها بهدوء على المنضدة .




    وتحت بلوزتها الخضراء الحريرية ... كانت ياقوتة (كوين) لا تزال ملتصقة بها ...




    في جسدها ...













    *
    *
    *
    *
    *

    يُتبــــــع
    [/ALIGN]


    [ALIGN=CENTER]ملحوظة شهرزادية

    موعدنا السبت القادم[/ALIGN]

  11. #11
    الصورة الرمزية عابده لله
    تاريخ التسجيل : Apr 2002
    رقم العضوية : 286
    الاقامة : جدة
    المشاركات : 13,754
    هواياتى : القــراءة
    My SMS : الدرر في القلب مهما طال الزمن أو قَصُر
    MMS :
    إم إم إس
    23
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 766
    Array



    [ALIGN=CENTER]


    كلما مررت من هنا .. هزني الشوق..
    وتابعت بشغف ما تخطيه أيها الشهرزادية ..

    ومن هنا لـلـ سبت القادم
    سأكون على احر من الجمر ..

    فلا تغيبي ..

    [/ALIGN]

  12. #12
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array



    [ALIGN=CENTER]عزيزتي عابده ..

    تحية عطرة ..

    شكراً لمرورك الكريم على موضوعي ..

    لكم يسعدني أن أحداً يتابع احتضني اللهب بهذا الشغف ..

    عودي

    أرجوكِ عودي

    حتى السبت القادم ..


    تحياتي ...
    [/ALIGN]




    [ALIGN=CENTER]
    ش
    ه
    ر
    ز
    ا
    د
    في قلبه[/ALIGN]
    الصور المرفقة

  13. #13
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array



    [ALIGN=RIGHT]الحلقة الرابعة[/ALIGN]



    ((قولي مرحبا لزوجتي))

    [ALIGN=RIGHT]تابعت (بيج) (كوين) و هو يتناول ورقة وقلماً من درج مكتب صغير .
    " عزيزي (آلن) "
    كتب هذه الكلمات بيد ثابتة قوية .. سرت رجفة خلالها و أشاحت بوجهها .

    لا يمكن أن يحدث هذا . . هل هو حلم سرعان ما تستيقظ منه .. ولكن صوت احتكاك القلم بالورقة كان حقيقة مثل منظر فستان زفافها وفد تكوم فوق الفراش .. راقبت (كوين) وهو ينهي الصفحة الأولى من الخطاب ويبدأ الصفحة الثانية ..
    يا إلهي .. لا بد أن هناك طريقة لإيقافه ..
    إنه لا يستطيع أن يفعل بها ذلك بالفعل .. إنه لن يفعل .. لن ..

    لا بالطبع لن يفعل .. إنها مجرد حيلة صغيرة لا غير .. لقد أراد (كوين) أن يتأكد أنها قد اختفت من حياة شقيقه إلى الأبد .. هذه مجرد ميلو دراما للتأكد من ذلك ..

    مات أملها اليائس بمجرد أن أنهى (كوين) الكتابة .. رفع بصره و دفع الخطاب باتجاهها و قال ..
    " وقعي عليه "

    نظرت لها مشدوهة و قالت : " أنت ... أنت لا يمكن أن تقصد ...

    نفذت عيناه داخلها بنيران باردة وقال بهدوء : " هل غيرتِ رأيك يا (بيج) هل تفضلين أن أهبط إليهم و ألقي بياني عليهم ؟ "

    هزت رأسها وقالت : " لا .. لا يمكن ..

    " وقعي الخطاب يا (بيج) "

    تقدمت خطوة نحوه وتناولت الخطاب .. ارتعشت يداها وهي تقرأ الكلمات التي يفترض أنهما قد كتباها معا .

    بدت الكلمات كأنها ستقفز من الصفحة ..

    " في الوقت الذي تقرأ في هذا الخطاب .. لا يمكنني إتمام زفافنا .. لا أريد أن أؤذيك .. كنتُ دائماً أريدك ولكنني وقعتُ في الحب مع (كوين) " .

    قالت : " لقد قلت أنني أستطيع أن أكتب لـ (آلن) بنفسي "

    كانت ابتسامته مقتضبة وهو يقول : " غيرت رأيي .. دعينا نذهب يا (بيج) .. وقعيه " .

    اهتزت الورقة وسقطت من يدها .. التقطها (كوين) ودفعها إليها , وزمجر : " وقعيه ! " .

    " (كوين) "

    صار صوتها أجشاً .. " (كوين) أرجوك .. أتوسل إليك .. لا تجبرني على فعل ذلك .. أقسم بأنني لن أتزوج (آلن) .. أنا لا أحبه أساساً .. لم أحبه على الإطلاق .. و والدي .. ربما يستطيع أن يقدم تفسيراً .. ربما .. "

    كانت عيناه مظلمتين و عميقتين , وقال : " ربما يتقدم به العمر في السجن .. وقعي الخطاب يا (بيج) "


    كان صوته ناعماً .. قرأت التهديد في عينيه .. وعندئذ تناولت الورقة منه .. وبسرعة .. وفي خط مضطرب .. خربشت اسمها بجوار اسمه .


    لوى فمه قائلاً " " لديكِ دقيقتان فقط لتكتبي لولديكِ .. ولن يصب أبوكِ لعناته عليكِ طالما أنك ستتزوجين بواحد من أبناء (فولر) مما سيضمن سلامته " .

    كتبت (بيج) الخطاب إلى والدها و والدتها .. ولكنها كانت كلمات موجهة إلى (جانيت جارونز) .. بناء على (آلن)صيحة التي قدمتها لها والدتها هذا الصباح .. لقد صنعت منها كذبة مؤثرة ..

    " لقد أُغرمت بـ ..

    توقفت يدها , وارتجفت .. و ضحك (كوين) , وقال : " اكتبي اسمي يا جولييت , ربما ستتعودين عليه " .

    التقطت (بيج) نفسا عميقا , وكتبت :" ... مع شخص آخر .. لقد فعلت مثلما قلتِ لي يا أمي .. و اتبعت قلبي .. "


    كانت أنفاس (كوين) دافئة على وجنتيها بينما ينظر من فوق كتفيها ليقرأ ما تكتبه , وقال : " حسناً .. لن تبقى عين جافة في المنزل بعدما يذاع هذا "


    عندئذ بدأت تصدق لأول مرة أنه فعلا قد يأخذها معه بعيدا ..
    قفزت نبضاتها التي تدق في تجويف حلقها متجاوزة الاحتباس المفاجئ لدمها .. مسحت كفيها الرطبين في التنورة الحريرية لثوب رحيلها .. وراقبت (كوين) وهو ينتزع نفسه من سترته الرمادية الداكنة ويطوحها جانباً ..

    همست : " ماذا تفعل؟! " .


    انتقلت أصابعه بين أزرار قميصه المنشى .. و قال : " أبدل ملابسي .. كانت هذه حجرتي .. لابد أنه قد بقي بخزانة الثياب شيء يمكنني أن أرتديه " ..

    ثم همهم بصوت خافت : " ها هي .. "


    واستدار مبتسماً ابتسامة جافة .. وطوح على الفراش بذلة قطنية مخملية الزغب , و أضاف : " ربما تكون ضيقة ولكنها أفضل من التجول في نيويورك في صباح نهاية الأسبوع بمعطف مشقوق الذيل " .

    تلوى نازعاَ قميصه و طوح به وراء سترته .. سدد نظراته لعينيها الذاهلة .. فتورد وجهها خجلاً و أدارت له ظهرها ..

    " نيويورك؟!! "

    دمدم (كوين) وسمعت فحيحه المستهجن , و كرر : " نعم .. نيويورك ثم لندن . "




    لندن .. بالطبع حيث يعيش .. لو كان يخطط فعلاً لإتمام هذا الأمر .. فهذا هو المكان الذي سيأخذها إليه .. ابتلعت ريقها عقب الضحكة العصبية التي صعدت إلى حلقها ..

    لقد اعتذر (آلن) عشرات المرات عن اضطراره لأخذها إلى أميركا الجنوبية بعد زواجهما .. لكن ها هو (كوين) .. على وشك أخذها إلى إنجلترا دون كلمة واحدة تقريباً !


    قال بحدة : " دعينا نذهب " ..


    رفعت بصرها عندما فتح الباب ..
    كان واضحاً أن البذلة القطنية ترجع لما قبل اكتمال نموه .. كانت السترة قصيرة و ضيقة .. و بدا درز الخياطة كأنه سينفجر حول كتفيه ..

    خالجها شيء أشد وطأة من الخوف .. تراجعت خطوة .. وقالت :
    " لن أذهب معك .. لا تستطيع أن تجبرني ... "


    لم يقل (كوين) شيئاً .. بل قبض على يدها وجرها إلى الباب .. وخرج صوتها فحيحاً :
    " أيها اللعين لن تفلت دون عقاب ! "


    ضحك بهدوء : " ألن أفلت دون عقاب يا جميلتي جولييت ؟! أنتِ تصورين الأمر كأنني أسرقك .. هل تتذكري أنكِ معي بملء إرادتك الحرة ؟ أنتِ لا تستطيعين الحياة بدوني .. "

    ثم لوح بالورقة أمام عينيها وهو يقول لها بإغاظة : " هذا ما تقوله هذه الورقة "

    ثم تابع في صوت بارد : " و هذا ينطبق على والدكِ تماما .. فهو لا يستطيع الحياة بدوني "
    [/ALIGN]


    [ALIGN=RIGHT]كانت سيارته المؤجرة تقف في الشارع الهادئ خلف منزل آل (فولر) ..
    دوى صوتها كأزير منشار عندما أدار المحرك .. ونظرت هي تجاه المنزل ..
    متيقنة أنها رأت شخصاً ما يعدو خلفهما .. لكن كان المنزل يرقبهما بنوافذ زجاجية خاوية ..

    و سرعان ما كانا ينطلقان بسرعة بين شوارع الضواحي الهادئة ..
    و عندما وصلا الطريق السريع .. ضغط (كوين) بقدمه حتى كادت تلمس أرضية السيارة التي قفزت كأنها حصان سباق ..
    و على طوال الطريق لم يتوقف سوى مرة واحدة في محطة خدمة .. بينما جلست هي في السيارة و قد استحوذت عليها لامبالاة غريبة .. تراقبه وهو يجري مكالمة هاتفية من كشك الهاتف .. كان حديثه مفعماً بالحيوية .. و أحست أنه يتجادل مع شخص على الطرف الأخر .. ولكنه ضحك أخيرا .. وضرب بيده جدار الكشك .. ثم وضع السماعة ..

    بعد أقل من نصف ساعة .. كانا يقتربان من البنك المركزي في الجانب الشرقي من (منهاتن) .


    أبطأ (كوين) السيارة , ثم توقف بجوار الرصيف أمام منزل كبير من الحجر الأسمر , ثم خرج من الظلام رجل يقاربه في السن و إن بدا أكبر قليلاً .. و حدق في السيارة , ثم ابتسم لـ (بيج) .
    قال : " لا عجب في أن تكون على عجلة يا صديقي .. حسناً , اتبعاني من فضلكما "

    ركب الرجل مرسيدس صغيرة كانت تنتظر بجوار الرصيف , و انطلق إلى الطريق ..
    تدافعت عشرات الأسئلة في رأس (بيج) .. ولكنها لم تشأ أن تمنح (كوين) شعورا بالرضا الذاتي إذ هي وجهت له أسئلتها .. لا بد أن تباد صمته بصمتها ..

    شقت السيارتان طريقهما في زحام المدينة من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي .. حتى وصلت جنوب (منهاتن)..

    و أخيراً..
    و في منطقة مخصصة لمباني البلدية .. اقترب صاحب (كوين) من الرصيف ثم توقف .. و كذلك فعل (كوين) ..

    قال لـ (بيج) : " انزلي "

    كانت كلمته الأولى لها منذ ساعات .

    ابتسم الرجل لها ابتسامة عريضة و هي تخطو إلى الرصيف .. ثم نظر إلى (كوين) ..
    و هنا وجه (كوين) لها ابتسامة خاطفة وهو يسألها : " هل أنتِ متأكدة من أن هذا ما تريدينه يا صديقتي ؟ .. عفواً .. يا محبوبتي ؟ .. إن هذه خطوة ضخمة بكل ما في الكلمة من معنى , ويجب ألا تؤخذ ارتجالاً " .

    بدأت نبضات (بيج) تتسارع , وهمست : " (كوين) ؟. . "

    استدار لها بوجه بارد غير مبتسم .. و قال : " كان (جيم) زميل دراستي , وهو الآن الرجل الأول في مؤسسة (مايور) . "

    جف حلق (بيج) , وكررت : " (كوين) ؟ .. "

    و هذه المرة ارتسمت على فمه ابتسامة ساخرة ..

    " لقد تم إعداد كل شيء .. يمكننا أن نتزوج الآن .. "

    تابعت عيناه عينيها .. و التقطت شهيقاً صغيراً عندما رأت فيهما بريقهما الأخضر الزرقاوي ..
    ثم أضاف : " أليس هذا نبأ رائع يا محبوبتي ؟ "

    " لكن .. أنا ظننت .. "


    لماذا بدت شديدة الذهول ؟ لقد أخبرها من قبل أنه سيتزوجها . بل إنها بدأت تصدقه خلال الساعتين الأخيرتين .
    و أحست و هي تحدق فيه أن هذا الأمر يمكن أن يحدث بهذه السرعة معه .. مع (كوين) فقط ..
    و دون أن تدري كانت تعد الثواني مثل رفيقها ..

    " ولكن هناك تصاريح و قوانين و اختبارات دم و ...

    و في صوت شاحب كأنما يأتي من مسافة بعيدة , سمعت ضحكة (جيم) المتحيرة و هو يقول لـ(كوين) : " هيه يا صديقي .. لقد ظننت أنك قلت أن السيدة ستكون سعيدة ! "

    قال (كوين) : " هي كذلك " .. و أحاط عنقها بذراعه , وتابع : "هي فقط صامتة . أليس كذلك يا (بيج) ؟ " .. كان صوته همسة ضبابية وهو يضمها إليه .


    إنسدلت أهداب (بيج) على وجهها .. أرادت أن تضربه .. أن تدق صدره بقبضتيه .. و لكن كان هناك وهن جميل يسري خلالها ..

    همست : " لا تفعل ..

    ولكن كلمتها طارت في الهواء كريشة بلا معنى ..

    مس (كوين) فمها في قبلة سريعة .. ومالت هي إلى ذراعيه وهو يضمها بقوة .. حتى أحست أن جسمها ذاب في جسده ..

    ضحك (جيم) بعصبية . و قال : " حسناً يا أولاد لقد اقتنعت "

    عندما رفع (كوين) رأسه , كانت عيناه لهيبين زرقاويين .. و همس :
    " أخبري جيم انكِ تودين الزواج مني "

    مست (بيج) شفتيها بلسانها وقالت : " أنا ...

    " أخبريه "

    نظرت لعينيه , وتمتمت : " أنا أريد الزواج من (كوين) " ..


    كانت تعرف أن الكلام موجه لـ (جيم) .. ولكنها أحست أن شيئاً ما قد اشتعل في أعماق عيني (كوين) الزبرجدتين .. لمعت الدموع على أهدابها .. و طرفت بعينيها لتداريها .. و عندما نظرت لعينيه مرة أخرى .. كان ما رأته قد اختفى .. و أدركت أن ما رأته فيهما ليس سوى انعكاساً لآلامها المبرحة ..


    في البداية .. بدا المبنى الشاهق الذي قادها إليه (كوين) خالياً .. لكن كان هناك موظفاً مرهقاً ينتظرهم في مكتب يبدو وأنه قد فُتح خصيصاً لهما .. ثم حجرة وقد غُطيت جدرانها بالقيشاني .. و حياهما مسئول عمل يرتدي معطفاً أبيض و يمسك بمحقن ذي إبرة حادة و .. أخيراً ..


    في مبنى بمنطقة النهر الشرقي .. تُم زواج (بيج) و (كوين) ..



    سألها رجل غريب يرتدي بذلة داكنة الأسئلة التي كانت تتوقع سماعها هذا اليوم .. و أجابت عليها ..

    غير أن الرجل الواقف أمامها الآن لم يكن (آلن) .. كان (كوين) .. و كان يمسك بيدها .. و يراقب وجهها وهي تقدم إجابتها الهامسة .. و بقدر قوة إجاباته بقدر ما كان ترددها .. توقف فقط عندما جاء وقت وضع خاتم الزواج في إصبعها ..

    لم يكن هناك خاتم ..

    نظر (كوين) من فوق كتفي القاضي إلى صديقه (جيم) .. ولكنه أشار بوجهه متحيراً وهو يهز كتفيه ..

    تنحنح القاضي الذي يوثق زواجهما , و قال : " يمكننا أن نتجاوز عن ذلك . ونتمم العقد بدونه إن لزم " .

    لكن (كوين) هز رأسه و زمجر : " بحق الله .. لابد و أن يكون هناك شيئاً يمكننا استخدامه ! "




    وقد كان ..






    التقطت (بيج) نفساً قصيراً .. ومدت يدها إلى صدرها , و قالت : " خاتمك " .




    أخطأ (كوين) فهمها .. فلوى فمه بطريقة غريبة , وقال : " لم يعد معي .. يبدو أني وضعته في غير موضعه المعتاد ! "


    أحست باندفاع الدماء إلى وجهها و هي تدس يدها من فتحة صدر بلوزته الحريرية ..




    وقالت في همسة خافته : " لقد أعطيته لي " ..


    و أخرجت السلسلة الذهبية .. و أرته الياقوتة المعلقة فيها .. و التي بدت في كف يدها كجذوة متقدة ..



    حدق (كوين) في الخاتم للحظة طويلة قبل أن يرفع عينيه إلى عينيها ..


    " أنتِ تردين خاتمي " ..



    اتخذ صوته نبرة ذكرتها بسماوات الصيف الرمادية فوق إحدى البحيرات في الشمال .. و أومأت (بيج) : " نعم " .




    خيم الصمت للحظات طويلة ..




    و بينما ظلت عيونه المعلقة بعيني (كوين) .. مدت يدها إلى رأسه ورفعت شعرها من على كتفيها ..
    سمعت الشهقة الحادة لأنفاسه .. ثم استدار خلفها وفك السلسلة التي يتدلى منه الخاتم الياقوتي ..
    احتكت يده بجسدها عندما سقطت السلسلة في كفه .. وأطبق أصابعه عليها بقوة ..



    قال القاضي : " ضع الخاتم في إصبع الآنسة (جارونز) و كرر ورائي .. مع هذا الخاتم ..



    بطريقة ما , استطاعت أن تبتسم خلال تقديم التهاني الإجباري .. قبًل (جيم) وجنتها وصافحها القاضي ..
    [/ALIGN]


    [ALIGN=RIGHT]و أخيراً ..

    أصبحت هي و(كوين) وحدهما .. ينطلقان عبر الطريق إلى مطار كنيدي ..
    خفضت (بيج) نظرها إلى يدها ناظرة للياقوتة التي بدت كأنما تتوهج في إصبعها .. و حادثت نفسها في تبلد .. لقد أصبحتُ زوجة (كوين) فولر) .. زوجته ..



    استلت الخاتم من إصبعها ومدت به يدها إليه .. كأن ذلك سيحل القسم الذي أجبرها عليه ..


    تحولت عينيه بلمحة خاطفة من الطريق إلى كفها المبسوطة و إلى الحجر الأحمر بلون الدم .

    سألها : " ما المفروض أن أفعل به ؟! "


    " إنه خاتمك . أظن أنك تريد استعادته " .


    قال بصوت أجش : " احتفظي به .. لم يعد له معنى لدي .. "




    ملأت دموع الغضب عينيها ..

    يا إلـهي .. كم يكرهها .. أرادت أن تقذفه بالخاتم .. لكن شيئاً ما بداخلها ..
    غير محدد .. ونصف وامض .. أوقفها ..
    ارتجفت يداها وهي تدخل السلسلة الذهبية خلال الخاتم ثم تعلقها حول عنقها .


    لم يقولا أي شيء لبعضهما إلى أن استقرا بردهة الدرجة الأولى بالمطار .. سأل (كوين) عن هاتف , ثم استدار إلى (بيج) :
    " يجب أن نجري بعض المكالمات . هل بإمكانك أن تقولي الأشياء المناسبة أم أكتب لكِ نصها ؟ "


    نظرت إليه ببلاهة وقالت : " مكالمات؟! .. لمن ؟! "


    " لعائلاتنا .. عائلتي وعائلتك .. و (آلن) "


    أذهلتها غطرسته .. وكررت .. : " (آلن) !! "

    كان صوتها ينطق بعدم التصديق .. وتابعت : " ولكن ماذا تريد أن تقول له ؟! "

    التوى فم (كوين) بابتسامة مُقبضة . وقال : " المهم ما سيقوله هو لي يا (بيج) .. لا تقلقلي سأعالج الأمر "

    سددت له نظرة باردة و قالت : " أنا لا يهمني أن تعالجه أو لا تعالجه يا (كوين) .. ما يهمني هو (آلن) .. من المؤكد أنه سيتأذى بعد الذي حدث ! "


    ارتفع حاجباه , وقال : " كان سيحدث على أية حال يا (بيج) .. سبق أن قلتِ أنك لن تكملي خطوات الزفاف " .


    كان صوته ناعماً و شكل غشاء رقيقاً على سخريته .. و أضاف : "أم أنني مخطئ ؟ "


    " لكن هناك فرق .. ليس بهذه الطريقة .. إن تغيير رأيي ليس مثل .. مثل هذا ! "


    هز (كوين) كتفيه استخفافاً , وقال بخشونة : "لا أريد أن يدق (آلن) باب منزلي .. أريد لكل شيء أن يستقر من الآن "


    تقوقعت هي في الأريكة الجلدية .. وراقبته وهو يطلب الرقم .. منتظرة انفجاراً يحصل على الطرف الآخر .. ولكن لم يكن الأمر كما توقعت له أن يكون ..


    تستطيع القول من متابعتها لكلمات (كوين) , أن والداه كانا أكثر انزعاجاً بصدد ما قد يقوله ضيوفهما أكثر من إنزعاجهما للوقع العاطفي لأحداث اليوم على ابنيهما ... تحدث (كوين) معهما بكياسة .. لكن ليس بأسلوب دفاعي .. اعتذر عن أي ارتباك ريما قد سببه لهما ؟؟ و أوضح أن ما حدث بينه وبين (بيج) كان أمراً حتميا . كما لو أن موضوع النقاش يتضمن خطبة في آداب السلوك , و لاشيء غير ذلك .


    عندما طلب منها التحدث إلى (آلن) .. هبت (بيج) واقفة . ولكنه أمسك بيدها وجذبها لتجلس بجواره .. كما كانت ..


    شحب وجهها .. وهمست له : " أرجوك .. لا أريد أن أسمع ...


    قبضت يده على يدها .. و أبقتها بجانبه . .


    ترقرقت الدموع في عينيها وهي تنصت إلى تبرير (كوين) .. لقد كانت كلماته منتقاة بعناية , و رقيقة على نحو مذهل , وضاعفت من وطأة ضغط أصابعه على معصمها ..

    استطاعت أن ترى تألمه لإيذاء أخيه , بعد برهة طويلة .. أومأ .. و ثبت عيناه على عينيها , وبدأ الضغط يخف عن معصمها ..

    قال بهدوء : " نعم .. سأخبرها .. سأفعل يا (آلن) .. بالطبع سأفعل ... شكراً لك (آلن) ... حسناً على اللقاء "

    راقبته وهو يعيد سماعة الهاتف لمكانها, وقالت : " (كوين) ؟ هل (آلن) .. هل هو بخير ؟! "

    برزت عضلة فكه , وقال : " بخير "


    " هل هو ...



    و خفت صوتها .. ثم تابعت :
    " هل هو يكرهني كثيراً جداً ؟ "



    نظر لها و ارتسمت على فمه ابتسامة غريبة ..



    و بعد برهة قال :
    " لقد قال .. قال أنه يتمنى لنا السعادة معاً "

    امتلأت عينا (بيج) بدموع المفاجأة .. إنه الم تحب (آلن) .. ولكن كان (آلن) يستحق حبها ..


    " لابد أنه قال أكثر من ذلك ..


    مد (كوين) يده ومسح دموعها , وقال : " بحق الله , ماذا توقعتِ أن يقول ؟ " .. كان صوته أجشاً على النقيض من رقة لمسته , وتابع : " ما الأمر يا (بيج) ؟ هل كنتِ تأملين أن يأتي في أثرنا ؟ "


    هزت رأسها ببطء وقات بحزن : " فقط قصدت ..


    " لقد طلب مني أن أحبك و أن أهتم بك .. هو ..


    نقبت عيناه في عينيها .. ورأت هي عبوساً في الأعماق الخضراء الزرقاوية . وقال باقتضاب :
    " لقد مسه الأذى " ..


    و أشاح ببصره بعيداً عنها , وتابع : "و لكن الأفضل أن يحدث هذا الآن من أن يحدث فيما بعد "


    تشنجت (بيج) باكية و هي تقول : " هذا كله غلطتي .. فقط لو أنني ..


    قاطعها (كوين) بخشونة : " فقط لو أنك و والدك لم تصابا بالطمع ... لديكِ خمس دقائق قبل أن نصعد إلى الطائرة , إذا كنتِ تريدين أن تحادثي والديكِ , فافعلي الآن "

    نظرت إليه طويلاً و هي تشعر بظلم واقع عليها .. ولكن الأقدار ما زالت ضدها حتى الآن ..

    ارتجفت يدها وهي تطلب الرقم .. ولكن كانت أمها مُدهشة .. كانت تضحك من خلال دموعها .. وذكًرت (بيج) بأنها هي التي نصحتها بأن تتبع قلبها ..

    قالت : فقط أرجو لكِ السعادة يا عزيزتي . ابتلعت (بيج) ريقها مؤكدة لها بصعوبة أنها في منتهى السعادة .

    كان الحديث إلى والدها أصعب .. لم تعرف ما تقول .. وأدارت خط الهاتف في صمت .. أخيراً ودون أي تخطيط همست : " والدي ؟ "

    أذهلتها نبرتها الطفولية ..

    قال : " لقد غفلت عن أمننا جميعاً يا (بيج) .. "


    كان بصوته ود كاذب .. شددت قبضتها على سماعة الهاتف . وكررت : " والدي ؟ (كوين) .. (كوين) يعرف كل شيء "

    التقطت أذنها صفير أنفاسه , وغمغم : " نعم .. حسناً . أخبريه أن ذلك لن يتكرر مرة أخرى .. سأتصرف بأسلوب سليم "


    كان اعترافاً صريحا لدرجة أفقدتها القدرة على الكلام . وضعت السماعة و نظرت مشدوهة إلى (كوين).


    همست بذهول : " أنت على حق بشان والدي .. لقد .. إنه .. إنــ


    أدهشها تعبير وجهه و الزمها الصمت . .



    زمجر : " كفى "



    كان وجهه قريباً من وجهها لدرجة أحست بأنفاسه على وجنتها و تابع : " هذه التمثيلية لن تجدي , هل تعرفي ذلك ؟ كان بإمكانك التمادي في استغفال (آلن) حتى تجففيه عصراً .. و لكن أنا اعرف حقيقتك . لا تنسي ذلك مطلقاً "


    سرت قشعريرة بأوصالها . . ونظرت إلى عينيه و فكرت مرة أخرى .. أي حيوان مفترس هو ؟
    قبضة يده على معصمها ..
    نظرته ..
    نزعته الإمتلاكية في أسلوب حديثه مع الجميع ..
    كل ذلك كان يذكرها بحقيقة أن يحتجزها أسيرة لديه ..

    قالت بقسوة : " لن أنسى أي شيء .. صدقني يا (كوين) , سأتذكر كل أفعالك الحقيرة هذه معي "



    ضحك بينما تحركت عيناه على جسدها متغطرسة متباطئة , وقال : " بالتأكيد ستفعلين يا جميلتي جوليت "


    لم تخطئ فهم ما يهدف إليه . أحست بوجنتها تلتهبان .. تزاحمت كل الكلمات الغاضبة في حلقها .. ولكنها ابتلعتها مع ريقها , واستدارت بعيداً .. و صمتت ..

    كانت تعرف أنه لا فائدة من الرد عليه .. سيُحرف كل ما تقوله و يستخدمه لصالحه ضدها ..
    أفضل دفاع لها - بل ودفاعها الوحيد – هو الصمت .

    ولكن صار الصمت يزداد صعوبة كلما اقترب موعد المغادرة . لم يقدم (كوين) من تلقاء نفسه أي معلومات عن لندن , أو بيته , أو ما ينتظره منها هناك ..
    تزاحمت الأسئلة في عقلها و لكنها لم تلق عليه أياً منها , كانت متأكدة أن قيامها بذلك يُعد خطأً .
    ربما يدرك (كوين) مدى خوفها .. وكانت مصممة على ألا تعطيه هذه الميزة ..[/ALIGN]



    [ALIGN=CENTER]* * *[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]في أرجاء (الكونكورد) المحدودة .. لاح من النافذة ظلام الليل المطبق اللانهائي .. وكان إحساسها بأنها في سفينة فضاء وليس في طائرة تتجه إلى لندن ..
    كل ذلك أكد الطبيعة السريالية للساعات القليلة الأخيرة .. أحست أنها ودعت الحياة التي تعرفها في ظلمة الليل البهيم . .
    ألقت نظرة خاطفة على (كوين) .. كان يجلس بجانبها صامتاً مطبق الشفتين ..
    و فجأة أحست بإثارة عاصفة مفاجئة نحوه ..

    ماذا لو سارت الأمور في اتجاه آخر ؟ .. ماذا لو كان قد وقع في الحب معها فعلاً ؟ ..
    وطلب منها الفرار معه إليه ؟ .. إلى حيث يعيش .. وينتمي ؟ ..

    ماذا لو ..




    لو ..






    لو ..




    لافائدة من مثل هذه اللعبة .. و ماذا بعد ؟ .. وجدت (بيج) نفسها تسترق نظرة للرجل المجاور لها
    و تذكرت ما همس به لها ليلة لقاءهما .. وكيف قبًلها .. و إحساسها بذراعيه حولها .. وكلمات الحب المنطلقة من بين شفتيه ..


    و فجأة .. تمنت لو كان الوقت عجلة مستديرة .. و بإمكاننا لو نعيده للوراء .. فقط لو قابلت (كوين) قبل أن تقابل (آلن) ..

    التفت (كوين) نحوها .. و أشاحت هي وجهها بسرعة .. لا أهمية لما حدث عندما التقيا .. إن ما أحست به و هي بين ذراعي (كوين) لم يكن حباً ..
    كان سيطلب منها شيئاً أخراً على أية حال .. وليس أن يهربا و يتزوجا ! ..
    هذه هي سخرية القدر .. أليس كذلك ؟ .. لقد تزوجها لمجرد اعتقاده أنها تصرفت كمومس .


    برقت أفكارها بعصبية تجاه ما ينتظرها في لندن .. إن له أعمالا تجارية هناك .. هل يعيش في فندق؟ .. يبدو أنه من أولئك الرجال الذين يفضلون هذا النوع من الأماكن اللاشخصية ..
    ربما شقة مفروشة .. نعم من المحتمل أن تكون إقامته بمكان كهذا ..

    أرخت لخيالها العنان , متخيلة بعض حجرات جناح بأحد الفنادق مزخرفة بكفاءة و لكن بأسلوب بارد لا يحمل أي طابع للرجل الذي يقيم بها .[/ALIGN]




    [ALIGN=CENTER]* * *[/ALIGN]
    [ALIGN=RIGHT]عندما هبطت طائرتهما .. كانت لندن ترقد في سكون الليل المطبق .. وخلال رحلة سيارة الأجرة من المطار .. أسندت (بيج) جبهتها إلى النافذة .. إنها (إنجلترا) .. و انتظرت أن تشعر بشيء ما ..
    ولكن كان الإرهاق قد أفقدها الحس تماماً ..

    و أخيرا توقفت السيارة أمام نزل ذي أحجار رمادية ..
    نزل (كوين) إلى الرصيف ومد يده إليها ..


    " بيتك الجديد يا (بيج) "
    و غامت عيناه بضحكة باردة .. و أضاف :
    " أرجو أن يلقى قبولك "


    تجاهلت يده الممدودة .. وسارت خلفه , محاولة البحث عن رد يزيل ما بداخلها من رعب ..
    ولكن لم تأت أي كلمات , وجف حلقها ..

    سمعت (كوين) ينطق باسمها , ثم أحاطها بذراعيه ..

    تمتمت : " أنا بخير "


    ولكنه كان قد جذبها فعلاً إلى أحضانه ..


    و زمجر : " أنتِ عذاب " .. و أبقاها قريبة منه وهما يصعدان درج المنزل ..

    فتح الباب .. و من المدخل .. حدقت فيهما مدبرة منزل (كوين) ..

    تمتم وهو يتجاوزها : " قولي مرحباً لزوجتي يا (نورا) "


    انطلقت المدبرة في أثرهما , وقد جحظت عيناها من الصدمة .. و أخذت تعرض تقديم قهوة أو شاي أو أي شيء آخر احتفالاً بالمناسبة ..

    ولكن (كوين) اتجه مباشرة إلى الدرج الحلزوني الصاعد إلى الطابق الثاني ..

    " شكراً لكِ يا (نورا) .. ولكن السيدة (فولر) مرت بيوم طويل , أظن أن أكثر ما تحتاجه هو النوم"




    أرادت (بيج) أن تعترض , وتخبره أنا تستطيع صعود الدرج بنفسها , ولكن كانت ذراعاه دافئتين و مريحتين على نحو غريب ..



    كان أسهل أن تحيط عنقه بيديها وتريح وجهها على صدره ..



    وفي اللحظة التي دفع فيها باب حجرتها في نهاية الردهة .. ارتخت أهدابها بثقل على وجنتيها ..


    قال بهدوء : " حسناً .. "

    و وجدت نفسها تغوص في أحضان فراش ناعم وثير ...


    هل كان حلماً أم أنها سمعت صوتها يهمس باسمه ؟ ..


    هل سمعت صوتاً مبحوحاً يقول : " ستكونين بخير يا جوليت " ؟ ..



    نعم .. كان حلماً .. لابد أنه حلماً ...


    الحقيقة الوحيدة التي أحستها (بيج) وهي تسقط في دوامة من الإعياء .. أن (كوين) قد فاز بها رُغماً عنها ..


    إنه زوجها ..


    و هذه (إنجلترا) التي كانت يوماً بلد الفرسان المدرعين , و القلاع الحصينة ..


    و لكن هذه الأيام قد ولت منذ أمد بعيد ..





    ربما لا يزال باستطاعتك أن تفوز بامرأة ...



    لقد أثبت (كوين) ذلك ..




    لكنك لن تستطيع مطلقاً أن تجبرها على الانتماء لك ..



    سيبقى ذلك شيئاً ثابتاً على الدوام . . .[/ALIGN]










    [ALIGN=RIGHT]
    *
    *
    *
    *
    *
    يُتبــــــع
    [/ALIGN]




    [ALIGN=CENTER]شهرزاد في قلبه[/ALIGN]
    الصور المرفقة

  14. #14
    الصورة الرمزية ROMEO
    تاريخ التسجيل : Mar 2002
    رقم العضوية : 14
    الاقامة : Lonely Soul
    المشاركات : 3,579
    هواياتى : poetry_music_deep meditation
    MMS :
    إم إم إس
    mms-49
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 64
    Array



    على الموعد المنظور


  15. #15
    تاريخ التسجيل : Jun 2004
    رقم العضوية : 2138
    الاقامة : في قلب شهريار
    المشاركات : 52
    هواياتى : الكتابة ثم الكتابة ثم الكتابة
    MMS :
    الحالة غير متصل
    معدل تقييم المستوى : 20
    Array



    [ALIGN=RIGHT]الحلقة السادسة :[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]((دعني أعود لبيتي .. أرجوك))[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]سارت (بيج) على مهل عبر ممر ملتو .. كانت ترتدي فستان زفافها الأبيض الطويل .. وبعيون جامدة , راقبتها الأبواب التي توصد خلفها كلما مرت من إحداها .. ظهر رجل في أقصى الممر .. كان طويلاً , عريض المنكبين .. اتجهت إليه و استدار نحوها معطياً إياها إيماءة متبرمة .. بدأت تحث خطاها .. ولكن دون جدوى إن آخر الممر يزداد تعرجاً و طولاً .. إلى أن سدته جدراناً شاهقة .. لقد اختفى الرجل وأصبحت (بيج) لوحدها في هذا المكان الغريب من الأشباح والظلمات ..لفها الخوف في أحضانه الباردة .. ..

    فجأة تنامت إلى أسماعها ضوضاء بعيدة .. و دقات من وراء الجدار .. هناك شخص ما .. شخص سيساعدها ..

    طق طق طق






    "سيدة (فولر)؟! "





    تأوهت (بيج) بصوت خافت و هي لا تزال في شرك هذا الحلم المشوش ..





    عاد الطرق المزعج مرة أخرى ..




    طق طق طق




    " سيدة (فولر) ؟ هل لازلتِ نائمة يا سيدتي ؟ لقد طلب السيد (فولر) إخبارك بأن الإفطار صار جاهزاً "




    السيدة (فولر) !!



    طار النوم من عيني (بيج) و فتحتها هامسة ..
    " (آلن) ؟ "


    فُتح الباب .. و ظهرت امرأة تحمل صينية ذهبية .. و خطت بتردد إلى الحجرة الغارقة في الظلام ..

    " أنا (نورا) يا سيدتي .. لقد أحضرتُ لكِ بعض القهوة "

    وضعت المرأة الصينية على المنضدة المجاورة لفراش (بيج) , ثم تنحنحت , وقالت : "هل أنتِ أفضل يا سيدة (فولر) ؟ هل أحضر لكِ بعض الأسبرين أو ما شابه ؟ "


    " (نورا) ؟ "


    كانت آثار النوم ما زالت عالقة في صوت (بيج) ..

    أومأت المرأة , ولمعت عيناها بالاحترام وهي تقول : " مدبرة المنزل يا سيدتي , ولكن .. هل أنتِ بخير يا سيدة (فولر) ؟

    بللت (بيج) شفتيها بلسانها و قالت : " نعم , أنا بخير .. مجرد أنني ..


    و تنبهت ذاكرتها فجأة ... السيدة (فولر) .. إنها هي ولكنها ليست زوجة (آلن) ..
    بل زوجة (كوين) !


    جلست في فراشها ببطء و أجرت يديها في شعرها المبعثر .. أحست بدوار .. و كأنها أفرطت في الشرب .. . إنها رحلة الطائرة النفاثة .. ونتيجة التركيز في نهاية يوم أمس لمدة أربع ساعات استغرقتها الرحلة من نيويورك إلى لندن .. شيء آخر ..
    إنه الطريق الذي انتقلت له حياتها في الساعات الأخيرة ..


    كانت (نورا) تقول شيئا عن جمال الطقس لهذا اليوم ..
    رفعت (بيج) بصرها وابتسمت لها بتردد ..

    " آسفة يا (نورا) . يبدو أنني مرهقة بعض الشيء .. كم الساعة الآن ؟ "


    " تجاوزت الثامنة بقليل يا سيدتي " .


    وضعت (بيج) يديها على رأسها .. و سألت بضحكة محدودة :
    " صباحاً أم مساءً ؟ "


    ابتسمت (نورا) , وقالت : " صباحاً يا سيدتي .. هل تحبين أن أعد لك الحمام ؟ "

    " لا , شكراً "


    أومأت المرأة وقالت : " لقد أعددت الإفطار في المكتبة , أرجو أ، يلقى هذا قبولك " ..



    بعد كل الذي حدث لها , ضحكت (بيج) من فكرة أن يكون هنا من يتساءل عما يلقى قبولها ..

    و رفعت مدبرة المنزل حاجبيها وهي تسألها مرة أخرى :
    " هل أنتِ واثقة أنك على ما يرام يا سيدة (فولر) ؟ ربما يجب أن أرسل لكِ السيد (فولر) ! "


    قالت (بيج) بحدة : " لا "

    ثم التقطت أنفاسها , وقالت بحذر :
    " لا .. شكرا لك يا (نورا) "

    و ابتسمت وهي تتابع :
    " أنا بخير "


    و طوحت بالأغطية قائلة :
    " إن فنجان من القهوة سوف ......



    تعثرت الكلمات .. وصمتت عندما نظرت إلى نفسها في المرآة ..

    كانت ترتدي ثوب نوم بلون الكريم الباهت .. واحد من الثياب المزركشة التي اشترتها لها أمها في جهازها ... ولكن متى ؟! .. ومن ؟! ..
    تراءت لها ذكرى سريعة مروعة ليدين قويتين داكنتين و وهما تفكان أزرار بلوزتها ..
    ولكن لم تتذكر أي شيء بعد ذلك ..

    " سيدتي ؟! "


    التقطت (بيج) أنفاسها , وقالت : " فقط أخبري .. أخبري السيد (فولر) أنني سأهبط خلال دقائق قليلة .. فقط سأفرغ حقائبي "


    هزت مدبرة المنزل رأسها , وقالت : " سأقوم أنا بذلك أثناء تناولك الإفطار يا سيدتي .. كنتُ سأقوم به ليلة أمس بعد ما أرسلني السيد (فولر) لأساعدك على ارتداء ثياب نومك . ولكن طلب مني ألا أزعجك . . لذلك ...


    أصدرت (بيج) ضحكة مرتعشة , و قالت : " تقصدين أنك أنتِ ... شكراً يا (نورا) ليس من عادتي أن أكون بهذا العجز .. "

    ابتسمت المرأة في سرور .. وقالت :" أنتِ لم تكوني عاجزة على الإطلاق يا سيدة (فولر) .. فقط كنتِ منهكة , ومن لا يكون كذلك بعد مثل هذا اليوم المثير ؟ إنه لشيء خيالي جداً "


    " خيالي ؟! "


    " فرارك للزواج دون موافقة أهلك يا سيدتي . من كان يظن أن السيد (فولر) سيعود إلى المنزل مع عروس ...

    جميلة "


    توردت وجنتا (بيج) , وقالت : " حقاً ؟ " , و اغتصبت ابتسامة بشفتيها المتيبستين , و أضافت :
    " من كان يظن ؟ "



    بمجرد أن أُغلق الباب .. اختفت الابتسامة المصطنعة .. وسبحت في أفكارها ..
    شيء مثير .. خيالي ..

    أوه .. نعم .. هذا ما يظنه الجميع ..
    لا يحلم أي إنسان بأنه جاء إلى هذا المنزل في لندن , رُغماً عنها .. و كأسيرة أكثر منها زوجة ..
    لقد رتب (كوين) أن يراهما العالم كعاشقين .. سقطا في الهوى رغماً عن إرادتهما .. ولقد أدى الدور ببراعة لعينه .. فقط هي و (كوين) يعرفان الحقيقة البشعة ..


    وضعت (بيج) فنجان قهوتها على المنضدة .. وسارت إلى النافذة .. أزاحت ستائرها الثقيلة جانباً ..
    و مدت بصرها إلى الشارع المشمس ..

    إنها لندن .. و راقبت المنظر الذي تطل عليه , والغير مألوف لها ..
    كان المنزل مُحاطاً بشوارع هادئة .. ضاحية ماي فير .. نعم لقد سمعت (كوين) يقول اسم الضاحية لسائق التاكسي الذي أحضرهما من المطار ..
    في ظروف أخرى , كان ينبغي أن ترقص من الإثارة .. سروراً بسحر هذا الشارع المرصوف بالمربعات الحجرية الكبيرة , والبيوت الصغيرة المبنية على الطراز المنسوب للملك (إداور) , والسيارات التي تسير على الجانب المخالف من الطريق .

    تركت الستائر تعود لمكانها مرة أخرى .. كان منظر الشارع يؤكد إحساسها بالانتقال من موطنها إلى هنا .. إنها في بلد غريب ولا تعرف أحداً .. فقط (كوين) ..
    و كأن عقارب الساعة قد عادت للوراء أربعة أو خمسة قرون .. و هاهو (كوين) يمتطي جواداً راقصاً و يختطفها .. نعم .. إنها رهينة لديه الآن ..

    التقطت (بيج) نفساً عميقاً عندما بدأت في ارتداء ملابسها ..
    إنه وقت مواجهة (كوين) و وضع قواعد لحياتها الجديدة .. معه ..

    ستكون هناك ((تعويضات)) .. هكذا قال لها عندما أخذها من منزل آل (فولر) منذ مليون سنة ..

    لم تطالب بهذه التعويضات منه .. فقد كانت مأخوذة تماماً بما يحدث .. ولكنها ستطالب بها الآن .. ستخبره أن هناك حدوداً لما يمكن أن يحدث بينهما أو يطلبه منها ..
    قد تكون سجينته .. لكنها لن تكون جاريته أبداً ...
    [/ALIGN]



    [ALIGN=CENTER]* * *[/ALIGN]

    [ALIGN=RIGHT]كان الصمت يخيم على الرواق خارج حجرتها .. لقد رأت جزءاً يسيراً من المنزل ليلة أمس .. فمن بين ذراعيه استطاعت أن تلمح جدراناً داكنة و أركاناً معتمة .. والآن .. يكشف ضوء النهار عن منزل جميل ملئ بالأجهزة الكهربائية التي تحمل طابعاً رجالياً ..
    حادثت نفسها .. لا توجد هنا جسور متحركة ولا خنادق سرية .. وندت عنها ضحكة ساخرة وهي تنزل الدرج .

    كان من الواضح أنه منزل (كوين) , الجدران تزدان بإطارات تضم صوراً بالأبيض والأسود لمناظر و أماكن مختلفة من البلاد .. يجمع بينهما درجة من الكآبة التي تتدفق كأنهار مظلمة ..
    أدركت (بيج) سريعاً أن (كوين) هو الذي التقط هذه الصور .
    و على المنضدة بالصالة الأمامية .. كانت هناك كومة من الخطابات , كُتبت عناوينها بنفس الخط المتدفق الثابت الذي تعرفه .. إنه خط (كوين) !
    و على ظهر احد الكراسي , رأت سترة (تويد) مُلقاة بلا اهتمام , إنها سترته , لمستها بيدها , وأحست بضربات قلبها الثقيلة المفاجئة تجتاح صدرها ..

    وصلت الموسيقى إلى أسماعها ,, إنها تنساب من باب نصف مفتوح في بداية الصالة . موسيقى موتَسارت .. وسارت تجاهها على مهل .. و عند مدخل الحجرة , توقفت , و فجأة .. جف حلقها ..

    كان وحده في حجرة الضيوف .. و كانت تقول في نفسها أن من السهل أن تضع القواعد التي ستحكم حياتها الجديدة .. في هذه اللحظة .. عرفت أن الأمر لن يكون بالبساطة التي تخيلتها ..
    ولكنها ستفعل .. هذا هو المهم .
    رفع التصميم من هامتها .. وتقدمت خطوة , وطرقت الباب النصف مفتوح ...



    " ادخلي يا (بيج) .. أغلقي الباب ورائك "



    كان (كوين) يجلس إلى مكتب عتيق الطراز في أقصى الحجرة .. نهض عندما دخلت و ألقى ببعض الأوراق على المكتب الذي يفتقر إلى النظام ..

    كانت الحجرة جميلة .. إلى جوار المكتب كانت هناك منضدة من النحاس و أخشاب الساج .. يعود طرازها لعصر حملات نابليون , و قد وضع عليها جهاز كومبيوتر أنيق ..
    كانت الكتب تكاد تحجب الجدران مع مزيد من الصور .. بعضها دون إطار وقد لصق على الحائط ببساطة .. و أكثر ما يلفت النظر في الحجرة كان مُصطلى النيران الرخامي , وقد اتقد الفحم بداخله طارداً برد الصباح .
    كانت الستائر تُغطي بابين داخليين يطلان على ما افترضت (بيج) أنه حديقة , وبين البابين وُضعت منضدة صغيرة .

    عادت عيناها إلى (كوين) .. كان يرتدي سروالاً رمادياً و سترة زرقاء قصيرة . وكان يرقبها بنظرة مندهشة .



    سألها: " ما رأيك ؟ هل أعجبتك الحجرة ؟ "


    نظرت له بثبات , وقالت : " قالت (نورا) أنك تريد رؤيتي ! "


    ارتفع حاجباه دهشة , وقال : " لم تكن تلك الرسالة التي بعثتها على وجه الدقة , لقد طلبت منها إخبارك أن الفطور جاهز . "


    ارتسم الخجل الخفيف على وجنتها , وقالت : " نعم , هذا ما قالته .. ولكني لا أتناول إفطاراً , شكراً لك , أنا أشرب القهوة فقط في الصباح و ...


    قال مبتسماً : " و كذلك أنا . ولكنني ظننت .. حيث أن هذا يوم خاص ...


    ازداد تورد وجنتيها , وبدأت تشيح بوجهها .. وهي مصممة على ألا تنزلق في لعبة القط والفأر .


    " إذا كان هذا كل ما أردتَه ...


    " هل تفضلين قهوتك سادة ؟ أم مع القشدة والسكر ؟ "

    اجتاز الحجرة إلى المائدة القصيرة الأنيقة و التي وُضعت عليها الصينية .


    " سادة .. ولكن ...


    كرر : " سادة "

    و تناول إبريق قهوة فضي . وعبقت الحجرة برائحة عطرية عندما ملأ فنجانين وناولها أحدهما , وقال : " سأتذكر ذلك .. يجب أن يعرف الزوج القهوة التي تفضلها زوجته .. ألا ترين ذلك ؟ "


    التقطت نفسهاً عميقاً ..


    " (كوين) , هناك أموراً يجب أن نناقشها ...


    " القهوة أولاً .. وبعد ذلك سأنظر في أمر النقاش "

    ارتشف بعضاً من قهوته ثم عاود النظر إليها , وقال : " هل تشعرين بتحسن ؟ "


    أومأت , وقالت : " أفضل كثيراً , أنا .. فقط كنتُ متعبة على ما أظن .. أنا ..


    " نعم كنتِ غائبة عن العالم " .


    عادت لها صورة كأنه احلم .. لمسات دافئة .. و شفتان تلمس باطن يدها بأرق القبلات ..


    " وعندما رأيتك في الصباح وددت أن أدعك تنامين قدر ما تريدين .. ولكن هذا يزيد من صعوبة التعود على فارق التوقيت ..

    و أمال رأسه جانباً , وقال : " هل بقهوتك شيء خطأ يا (بيج) ؟ "



    لكنه يعلم ما الخطأ .. ذلك اللعين ..
    إنها تستطيع أن ترى السخرية في أعماق عينيه الباردة الزرقاوية كمياه المحيط ..


    " هل كنت في حجرتي أثناء الليل ... ثم هذا الصباح ؟ "


    هز رأسه موافقاً .. فتابعت : " لكنك قلت ..


    قال بتأوه : " في الواقع .. أنا كنتُ في حجرتي يا (بيج) "



    حجرته .. لقد نامت في حجرته !! .. في فراشه ...


    " حجرتك !! "



    كان صوتها مرتفعاً فبدت الكلمات كأنها ترتعش في الهواء , و أضافت : " لقد ظننت .. لقد افترضت أنني كنتُ في حجرة الضيوف "


    التقت عينا (كوين) بعينها و هو يسألها :
    " لماذا تنام زوجتي في حجرة الضيوف ؟ "


    " (كوين) ..


    ابتسم وقال : " لقد نمتُ أنا في حجرة الضيوف .. يا (بيج) "


    اندفع زفيرها قوياً من رئتيها , وقالت :
    " لم يكن هذا ضرورياً .. "

    و تخضب وجهها خجلاً مرة أخرى , وتابعت :
    " أقصد أنني سأنام في حجرة الضيوف .. أنا لا أجد بأساً في ..



    " ولكنني أجد بأساً "
    كان صوته واضحاً وكلماته حادة .


    " حقيقة يا (كوين) , سيكون ذلك على ما يرام .. أنا ..


    " لا أظن أنك تفهمينني يا (بيج) . فنحن لن ننام في حجرتين منفصلتين "


    اهتز صوتها و هي تقول : " ليس لدي أي نية لــ ...


    قال : " أنتِ زوجتي " .. وكأنه التوضيح الوحيد اللازم لذلك ...
    مسحت عيناه جسدها ببطء .. كادت هي أن تشعر بعناقهما .. ثم أضاف :
    " لقد رأت (نورا) أنها شهامة مني أن أدعك تنعمين بنومك في ليلتنا الأولى معاً "


    " أنا لا أكترث البتة لما قد تقوله (نورا) .. فأنــ ..


    " لم تبغ الحقيقة نصف هذا الاحترام " ..


    سرت كلماته خلالها كالبرق في السماء المظلمة . و أضاف : " الحقيقة هي أنني أريد أن تكوني متيقظة و دافئة و أنتي بين ذراعي (كوين) " .

    و التقت عيناه بعيناها , وتابع : " ولهذا أمضيتُ ليلة أمس خراج فراشنا " .



    فراشنا !


    حدقت فيه وتساءلت إن كان سمع دقات قلبها , ورأته قد اختار هذه الكلمات الناعمة عن قصد لكي يفقدها توازنها . ولكن نظرة واحدة إلى وجهه .. إلى وضع فكه المتحدي والبريق المتوحش في عينيه.. كل ذلك أنبأها أن ماقاله كان الحقيقة المجردة .

    سارت (بيج) عبر الحجرة حيثُ وضعت فنجانها والصفحة على المائدة . وقالت بسرعة : " هذا مستحيل .. نحن لسنا ..

    ضحك قائلاً : " لسنا زوجة و زوجة ؟ توجد وثيقة رسمية على مكتبي تقول ذلك " ..

    رفعت ذقنها قائلة في تحد : " إن زواجنا عار .. كلانا يعرف ذلك يا (كوين) .. نحـ ..

    اجتاز الحجرة إليها في خطوات واسعة فتراجعت حتى وصلت إلى الحائط .


    قال بتأوه : " أنصتي لي يا جميلتي جولييت ... أنا أحب أخي .. ولكنني لستُ مرشحاً لأكون قديساً .. كان الزواج منكِ لحماية (آلن) شيء .. أما عدم الاستفادة مما حدث فهو شيء آخر , مختلف تماماً "


    أشاحت بوجهها عندما مد يده إليها , ولكنه أمسك بذقنها وأدار وجهها إليه , وقال : " سأكون جديراً باللعنة , لو كنتُ أنا الخاسر الوحيد في هذه العملية " ..


    أجبرت عينيها أن تلاقيا عينيه دون إجفال . . وسألته بتأوه :
    " ماذا خسرت يا (كوين) ؟ .. لقد آذيتَ أخاك .. و أربكتَ عائلتك , وأفسدتَ حياتي .. "


    اشتدت قبضته عندما انزلقت لمؤخرة عنقها .. و تساءل :
    " أفسدتُ حياتكِ "


    كان صوته في صمت القبور , وتابع : " لقد بلغتِ مأربكِ يا حبي .. لقد أردت أن تتزوجي المال .. و أنا لدي أموال يا (بيج) أكثر مما يستطيع (آلن) أن يقدمه لكِ .. لقد أردت أن تتزوجي أحد أبناء (فولر) .. بحق الله , كان لابد أن تتزوجي أحدهم من أجل والدك .. حسناً , أنا أحد أبناء (فولر) "

    ثم انفرجت شفتاه كاشفة عن أسنانه ., و أضاف : "ليس الشخص المُستهدف بخططك .. ولكن هذه ميزة , أليس كذلك ؟ "


    قالت (بيج) بسرعة : " لا تقارن نفسك بـ (آلن) .. أنت لا تشبهه في أي شيء "


    كتمت أنفاسها عندما جذبها (كوين) إليه , وقال في همسة خافتة :
    " بالضبط .. يكفي أن تفكري في متعتك و أنتي بين أحضاني أكثر منك بين أحضانه "


    أحست بالدماء تهرب من وجهها , وقالت : " هذا شيء مثير للغثيان . أنتـ ..


    قال (كوين) بهدوء : " يمكنني أن أفهم الآن .. هذه الرجفة البريئة على شفتيكِ , ونظرة الخوف التي تملأ هذه العيون الواسعة .. "

    و تحرك إبهامه بخفة على امتداد حلقها , و تابع : " لا عجب أن ظن (آلن) ..


    قالت بحدة : " لن أعيش معك ..


    " ستفعلي ما يمليه عقدنا "


    " ما يمليه ماذا ؟! "


    " عقدنا .. قسم زواجنا " , وابتسم ببرود , و أضاف : "لا تقولي أنكِ قد نسيتِ فعلاً تسوية الأمور التي توصلنا إليها "


    مست (بيج) شفتيها بطرف لسانها , وقالت : " كانت كذلك بالضبط .. تسوية و ..


    " أنا أعرف المصطلحات يا (بيج) , صدقيني ليس لدي أي وهم بشأن حب ضخم قد يكون بيننا "


    " ولا أنا .. وهذا سبب لـ ..


    قاطعها بصوت مرتفع : " سبب أنكِ كنتِ تفضلين (آلن) , أليس كذلك ؟ .. سيكون (آلن) عريكة .. لن يطلب أي شيء مطلقاً , ولن يسأل عن أي شيء .. وسيكون ممتنا لأي فتات تلقين به إليه "

    و أطبقت يداه على كتفيها بقوة قائلاً :
    " ولكنني لستُ (آلن) "


    تجمعت الدموع في جانبي عينيها , وقالت بسرعة : " لا . أنت لا تشبه (آلن) في أي شيء .. إنه عطوف و مراع لمشاعر الآخرين و ..


    " و هو لا يصلح لمومس مثلك "


    التوت ضد القوة الحديدية ليديه , وقالت بصوت مخنوق : " لا تصفني بذلك أيها اللعين .. أنا ..


    " لا عليكِ يا (بيج) , لا داعي لهذا الهراء .. كلانا يعرف حقيقتك "



    همست وهي تحاول أن تمسح دموعها بيدها :
    " أنت لا تعرف عني أي شيء "


    " بالعكس أنا أعرف عنكِ كل شيء . لكن (آلن) هو الذي لا يعرف شيئاً .. لقد تبعتني مثل ..

    سألته في تحد : " أنت لم تأبه عندما عرفت أنني مخطوبة لشخص آخر أليس كذلك ؟ .. لقد قلت (الجحيم على خطيبك انسيه ) .. ولكن عندما أدركت أنني مخطوبة لـ (آلن) ...


    توترت عضلة فكه , وقال : " تقصدين عندما أدركت أنكِ قد خدعته , و أنكِ جعلته يراكِ على غير حقيقتكِ "

    ثم أضاف بهدوء : " أنا أعرف كيف أتعامل مع امرأة مثلك . لكن (آلن) لا يعرف .. إن الأبرياء يحتاجون لمن يحميهم . وهذا سبب أنني أخذتكِ منه "


    سددت نظرتها الحاقدة إليه قائلة : " رائع جداً .. (كوين) تقدم على تضحية لأجل أخيه الصغير "


    " بمعنى ؟ "


    ابتسمت ببرود , و قالت : " هل هذا هو السبب الذي تردي أن تصدقه ؟ "


    أظلمت عيناه , وقال : " بحق الله .. مالمقصود بهذا السؤال ؟! "


    قالت بصوت يفيض بالغل : " فقط أنصت لنفسك يا (كوين) .. كل هذا الحديث عن (حماية) الأبرياء هل يدخل ابتزاز النساء ودفعهن إلى فراشك ضمن هذه (الحماية) .. إنك حتى قد تقدمها بكرم شديد "



    " اللعنة عليكِ يا (بيج) "


    " لماذا لا تحاول أن تكون صادقاً مع نفسك ؟ .. أنت لم تتزوجني لتحمي (آلن) .. لقد فعلت ذلك لأنك أردتني لنفسك أيها البغيض "


    اعتصرت يداه يديها وهو يجذبها إليه بوحشية , وقال : " أنتِ تتمنين أن تصدقي هذا , أليس كذلك ؟ "


    قالت : " لا أدري لم أرى ذلك قبل الآن ...

    و هنا ذهبت رغبتها في إيذائه بصوابها .. وأكملت : " هل كنتَ تحاول استغفالي أم استغفال نفسك ؟ .. ليس هذا ما يهم ... كلانا يعرف الحقيقة , أليس كذلك ؟ .. أراهن أنك أعدت على أن تخطف لُعب (آلن) منه أيضاً "


    ضحك قائلاً : " أنا أكبر من (آلن) بتسعة أعوام يا (بيج) .. الأشياء الوحيدة التي آخذها منه هي فقط ما تؤذيه " . وتوقف .. وارتسمت على جانبي فمه ابتسامة لا تحمل من الابتسام شيء , و أضاف :
    " أشياء مثلك مثلاً "


    " ماذا تعرف عني أو عن (آلن) ؟ لقد خرجت من حياته منذُ سنين .. تلهو بالمعيشة مُغترباً .. تعبث بأجهزة الكومبيوتر ..


    ضاقت عيناه وهو يحدق فيها , وقال : " يؤسفني أن أخيب أملك , غير أن هذا لم يحدث . أنا لم (أعبث) بأي شيء .. لقد عملتُ بكل جدية كي أصل إلى ما حققته " .


    " إنه (آلن) الذي عمل بجدية , وحمل على كاهله العبء في مؤسسة (فولر) بعد انسحابك " .


    سقطت يداه عن كتفيها , وقال بهدوء : " أنتِ لا تعرفي أي شيء بخصوص ذلك "


    عندما راقبت وجهه , عرفت أنها قد نفذت تحت سطح الهادئ , و أنها مست بعض الجراح الخفية , وتحدثت بسرعة .. باحثة عن الكلمات التي قد تجرحه ..


    " أنا اعرف ما يكفي .. لقد تركت عائلتك ..

    ضحك لاشمئزازها , وقال : " أنا في ثقة الجحيم مما فعلت .. لقد غادرت بناءً على طلبهم .. ألم يخبرك (آلن) بذلك ؟ "


    حدقت فيه (بيج) وقالت : " تقصد أن والديك هما من طلبا منك المغادرة ؟ "


    ابتسم قائلاً : " أنا نفسي لا أستطيع صياغة ما حدث في كلمات أفضل من هذه "


    استرسلت في محاولة جرحه أكثر , وقالت : "أنت تبدو .. أنت تبدو وكأنك فخور بذلك "


    " لأنها الحقيقة اللعينة .. أنا فخور بما فعلته ...


    " يا لـ (آلن) التعس .. وكان يسميك (أخي الأكبر) ! .. وهو يتحدث عنك كأنه .. كأنك من طراز سيد خاص "

    نظرت له , ثم أشاحت بوجهها , وتابعت : " أنا سعيدة لأنه لا يعرف الحقيقة "


    قال (كوين) بهدوء ساخر : " ياله من إخلاص "


    اتقدت عينا (بيج) بالغضب .. وقالت : " أعرف أنه شيء أبعد من أن تفهمه , ولكنني لا أريد أن أرى (آلن) و قد مسه الأذى "


    خفض (كوين) رأسه في تقدير ساخر , وقال : " رائع .. لولا معرفتي الجيدة بكِ , لربما أكون قد صدقتك ! "


    قالت بصوت كالفحيح : " فقط لو أنك لم ترجع , فقط لو بقيتَ بعيداً "


    قال : " ولكنني لم أبق بعيداً " , وجذبها إليه قائلاً : " لقد عاد الابن المعربد ... وأفسد كل خططك الدقيقة البارعة . حظٌ سيء يا محبوبتي "


    " لا فائدة من النقاش معك .. أليس كذلك ؟ .. فأنتَ على يقين لعين أنك على صواب "


    " أنا على صواب فيما يخصك يا (بيج) .. ستجدين من الصعب أن تصدقي ذلك , ولكن النساء أمثالك .. ليس شيئاً نادراً " .


    رفعت بصرها متسائلة : " و ما المقصود بذلك ؟ "


    " ما قلته فقط , لقد قابلتُ أمثالك من قبل .. أنتِ و أمثالكِ تبعن أنفسكن مقابل أي شيء يمكن الحصول عليه .. لذة عابرة .. أو إثارة طويلة المدى .. حسب المناسبة والمشتري .. أنتن يمكن أن تقمن بأي شيء "


    " يا إلهي , كم أكرهك .. لا عجب أن قذف بك والدك بعيداً .. ربما كنتَ من أولئك الصبية الملعونين اللذين يخلقون المشاكل في كل آن "


    ضحك قائلاً : " لقد كنتُ من ذلك النوع الذي يفكر لمصلحته يا (بيج) .. ولا زلت كذلك . لو أن (آلن) طوًر من موهبته الفطرية فربما تمكن من الرؤية الصائبة و أكتشف مسرحية الملكة الثلجية التي تمثلينها"


    شحب وجهها , وهمست : " لا حق لك في أن تقول ذلك لي .. أنا لم أكذب على (آلن) مطلقاً بشأن .. بشأن هذا الأمر .. إن (آلن) يعرف أنيــ


    " (آلن) لم يعرف أي شيء . لقد جعلت ذلك اللقيط التعيس نصف مقتنع أنك الجمال النائم و أنه الأمير المنقذ الذي ستوقظك قبلته الأولى " .. قبض على كتفيها بقوة و جذبها غليه قائلاً : " فقط لو كان يعرف الحقيقة " .


    التوت (بيج) محاولة الإفلات منه , وقالت : " أنا لم أغر أخاك على الإطلاق .. لقد كان يطاردني .. أنا ..


    قاطعها : " نعم .. أراهن على أنه فعل ذلك "
    كان صوته حاداً يفيض بالسخرية , و أضاف : " لقد جعلته كفرد مروض .. تدلين له بالجزرة فيتبعك إلى أي مكان .. وكنتِ ستنجحين لو أنكِ لم تلتقي بي صدفه " .


    رفعت (بيج) نفسها إليه , وقالت بتصميم : " مرة أخرى نعود لنفس نقطة البدء : ( (كوين) ينقذ (آلن) من براثن المرأة الفاتنة ) , أنا مندهشة أنك لم تحكي لجميع من قابلك عني .. إذا صدقوا أكاذيبك .. لكان مكانك قد تغير بين عشية وضحاها من خروف العائلة الأسود المنبوذ إلى البطل الخارق " .

    لمعت عيناها بالتحدي .. و أضافت : " أتمنى ألا تكون أحمقاً لدرجة أن ترى فيما فعلته تذكرة عودتك إلى عائلتك يا (كوين) .. لقد زاد إسوداد اسمك أكثر مما مضى "


    ضحك بصوت ناعم مرعب .. وتظاهر بالاستحسان قائلاً :" أداء رائع , أنا أكرر ما قلته سلفاً يا (بيج) : مثيلاتك لسن شيئاً فريداً , ولكن قد تكون مواهبك فريدة .. علم نفس أخرق تافه و تمثيل حقير .. اللعنة .. ولكنك بارعة "

    انزلقت يداه إلى خصرها و جذبها إليه أكثر , وأضاف : " ولكنكِ لستِ بارعة بدرجة كافية " .

    سرى الخوف في أوصالها عندما أحست بحرارة جسده وهو يلامس جسدها ..



    " دعني "


    ابتسم ببرود , وقال : " هل أفاد ذلك مع (آلن) "

    و شهقت عندما ضغطها إليه مستعرضاً قوته و أضاف : " بيقين الجحيم إن ذلك لن يحرك لي ساكناً "


    " لا تـ ..


    ارتفعت يداه على ظهرها ثم أحاط بها وجهها وأماله إليه , وقال : " لم يكن هذا ما قلته على الشاطئ "

    ردت بسرعة : " كان لا بد أن أقوله .. و ها أنا ذا أقوله الآن .. أرجوك ..


    قال بهدوء : " عودة ملكة الثلج .. يالها من فتنة "


    تحرك إصبعا إبهامه ببطأ على حلقها .. وابتسم لها ابتسامة خطرة خاطفة , وقال : " ولكن الوقت متأخر جداً لمحاولة ذلك يا (بيج) , لن يجدي .. ليس معي .. "


    سألت في يأس : " أليس بإمكانك .. أليس بإمكانك أن تنسى تلك الليلة ؟ لقد قلت لك مراراً وتكراراً أنها كانت غلطة .. إنها كانت ...


    بدت عيناه غامضة وهو يلف يديه حول عنقها , وقال بصوت ناعم : " لقد عرفت نساء كثيرات يا جولييت الجميلة .. أرادت بعضهن القيام ببعض الألعاب التي ربما تصيبك بالخجل ولكن ما حدث على ذلك الشاطئ .. "


    بسطت يداها على صدره , وقالت : " أنا .. أنا لا أريد أن أتحدث عنه .. لقد كان ذلك .. كان كما لو أنـ ..


    ضحك بهدوء , وقال : " أنتِ لستِ مضطرة لإخباري كيف كان .. أنا أذكره .. و سأظل دائما أعيش ذكراه .. " , وغلظ صوته ثم تابع : " لماذا لم تعودي لي في تلك الليلة ؟ "


    " أنا .. أنا لم أستطع .. لقد كانوا .. كانوا ينتظرونني .. وقد كان ما فعلناه خطأً .. كنتُ .. كنتُ سأتزوج (آلن) خلال أيام قلائل .. كنتُ ..


    أظلمت عيناه , وقال : " كنتِ خائفة من ضبطك " .


    " نعم .. لا لا .. ليس كذلك .. أنا كنتُ مرتبكة جداً .. فقط لم أرد أن أؤذي (آلن) "


    " تقصدي أنكِ لم تريدي أن تخسري الربح الذي جاهدتي بقوة لتحقيقه .. لقد عدتِ إلى قاعة الرقص و واصلتِ إمتاع نفسك .. ماذا لو كان شخص ما قد رآنا ؟ كانت كل خططك ستذهب أدراج الرياح "


    " أنت على خطأ يا (كوين) .. أنا ..


    حاولت أن تشيح بوجهها بعيداً عنه , ولكن منعتها يداه ..


    " لا شيء تمنحيه لـ (آلن) بدون زواج .. هذا كل ما في الأمر , أليس كذلك ؟ كان هذا ما أوقعت به ذلك المسكين في المقام الأول "


    " لقد سمعت ما يكفيني .. لن أدعك تقول هذه الأشياء لي .. أنا ..


    " أجيبيني .. هل كنتِ ستسمحين لـ (آلن) أن يفعل ما يريده معك ؟ "


    تمتمت : " نعم "


    " لأنه سيكون زوجك ؟ "


    قالت مرة أخرى : " نعم "


    التقط (كوين) أنفاسه بعصبية , و قال : " لأن هذا سيكون مكافأته إذا جعلك أحد أفراد عائلة (فولر) "


    رفعت رأسها في حدة , وقالت صارخة: " لا .. عليك لعنة الله يا ابن (فولر) "


    كان هناك شر يتأرجح في عينيه , وقال بهدوء : " حسناً .. أنتِ الآن أحد أفراد هذه العائلة يا (بيج) "

    ثم انزلقت يداه إلى أسفل حلقها ..

    إلى كتفيها ..

    إلى ظهرها ..

    و تأوهت بألم عندما جذبها إليه بقسوة قائلاً :
    " و هذا وقت المكافأة "


    بدأت ترتعد بين يديه , وقالت :
    " لا تفعل ذلك يا (كوين) .. لقد عقدنا صفقة ..


    " نعم . و أنا قلت أنني سأحمي والدك إذا تزوجتني "


    " ولقد تزوجتك يا (كوين) .. أنا ..


    تحركت يداه على جسدها مضرماً فيه النار ببطء .. وهمس :
    " نعم .. لقد فعلتِ .. و أنا الآن أريدكِ في أحضاني "


    كانت لمسته واثقة , وخبيرة .. و بدأت هي ترتجف تحتها ..

    التقطت أنفاسها قائلة : " دعني أعود لبيتي يا (كوين) , أتوسل إليك ..


    " هذا بيتك يا (بيج) "


    " طلقني .. افسخ عقدنا ..


    ضحك بتأوه , وقال : " لن يكون هناك أي مجال للفسخ .. ليس بعد الليلة "


    ومع أخر ذرة في جهدها , رفعت (بيج) رأسها و سددت نظراتها إلى عينيه ..


    قالت في كراهية واضحة : " أتمنى أن تُحرق في الجحيم "


    ومض ضوء ما في أعماق عينيه الزرقاء بلون أغوار البحر ..


    و همس :
    " أحياناً يا جولييت الجميلة .. أعتقد أنني فيه فعلاً "
    [/ALIGN]













    [ALIGN=RIGHT]*

    *

    *

    *

    *

    يُتبــــــع
    [/ALIGN]




    [ALIGN=CENTER]شهرزاد في قلبه [/ALIGN]
    الصور المرفقة

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة واحة الدرر 1432هـ - 2011م
كل ما يكتب في هذا المنتدى يمثل وجهة نظر كاتبها الشخصية فقط