منذ اكتشاف الملاريا قبل نحو مائة عام والصراع في محاربة المرض يتقدم على عدة جبهات في مقدمتها محاولة اكتشاف أدوية فعالة خاصة بعد أن أثبتت الطفليات الناقلة للمرض مقاومتها الشديدة للأدوية الحالية المضادة. ونتيجة للاعتقاد بأن التوصل إلى مصل جديد (لقاح) ضد المرض ربما يستغرق عدة أعوام من البحث، فقد سارت أبحاث مقاومة الملاريا في اتجاهات مختلفة بحثا عن أساليب أخرى.

وتوصل فريق المعمل الأوروبي للأبحاث الجزيئية في هايدلبرغ بألمانيا إلى اكتشاف 3 جينات في بعوض "الأنوفيليس" الناقل للطفيلي المسبب لمرض الملاريا (طفيلي بلازموديوم فالسيبارم). وهذه الجينات هي التي تتحكم في قدرة الطفيلي على الحياة والنمو في أحشاء البعوضة.

ويتوقع جورج كريستوفيدس -أحد الباحثين الذين توصلوا للجينات- أن هذا الكشف العلمي ربما يستحث عدة أساليب جديدة لمقاومة الملاريا، ومنها مثلا إعطاء البشر الذين يتعرضون للبعوض الناقل للمرض جرعات كيميائية لا تضر بهم، ولكنها قادرة على القضاء على الطفيلي المسبب للمرض.

ويضيف أن أحد الجينات الثلاثة التي تم التوصل إليها في البعوضة لديه القدرة على قتل الطفيلي، أما الجينان الآخران فيساعدان على إحاطته وحمايته من النظام المناعي للبعوضة.

وقد اتضح من خلال الأبحاث أنه في البعوض المعدل وراثيا الذي لا يحتوي على الجين الأول، ينمو الطفيلي ويزدهر بمقدار 5 أضعاف البعوض العادي. وفي حالة البعوض المعدل وراثيا الذي لا يحتوي على الجين الثاني، فإن حوالي 97% من الطفيليات ماتت في أحشاء البعوض. وكان ثمة أثر مماثل، وإن كان بدرجة أقل، في حالة إزالة الجين الثالث.

ووصف رئيس برنامج أبحاث الأمراض الاستوائية التابع لمنظمة الصحة العالمية روبرت ريدلي هذه الأبحاث بأنها "رائدة وذات آفاق هائلة".

وقد أدت هذه الاكتشافات إلى توجيه الأنظار إلى أساليب جديدة لمنع البعوض من نقل طفيليات الملاريا. حيث صار بالإمكان تحوير جينات البعوض لتحتوي على المزيد من الجين الأول ذي القدرة على قتل طفيلي الملاريا، أو بإزالة الجينين الآخرين اللذين يحميان الطفيلي المسبب للمرض.


ولكن ريدلي أشار إلى أنه حتى لو كان ممكنا تحوير الجينات للبعوض الجديد، فإنها ستكون مهمة مهولة أن يتم تحوير الجينات الوراثية للبعوض الناقل للمرض على الكرة الأرضية بأسرها.

وكان فريق البحث في هايدلبرغ قد نشر هذا الاكتشاف مؤخرا في مجلة Science (العلم) الأميركية، وقد فضل الباحثون أسلوبا آخر لمقاومة المرض وهو أن يتم إعطاء جرعات كيميائية للبشر المعرضين للبعوض، بحيث يكون لهذه الجرعات الكيميائية أثر مماثل لأثر الجين القاتل لطفيلي الملاريا، أو على الأقل داعم لذلك الجين.

وكان نفس فريق البحث قد توصل في فبراير/ شباط الماضي إلى جين آخر لديه القدرة كذلك على قتل طفيلي الملاريا، ونشر ذلك البحث في مجلة Cell (الخلية) في نفس الشهر.

الجدير بالذكر أن مجلة Nature (الطبيعة) كانت قد نشرت في أغسطس/ آب الماضي بحثا عن جدوى أحد الأعشاب الصينية (يسمى غيان غاو) في مقاومة الطفيلي المسبب للملاريا. هذا العشب كان قد ورد ذكره في كتب الطب الصينية القديمة، وأعاد اكتشافه فريق من الباحثين في الملاريا.

كما أن شركة فايزر للأدوية أعلنت في يونيو/ حزيران الماضي أنها بصدد المرحلة الثالثة من اختبار مضاد حيوي جديد لديه القدرة على تحسين الأدوية الحالية المضادة للملاريا، وأنها ستمنحه بالمجان لأكبر عدد ممكن من المرضى.

ووفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية فإن مرض الملاريا يسبب سنويا ما يزيد عن 300 مليون حالة مرضية شديدة، ومليون حالة وفاة على الأقل.

وإصابات الملاريا تحدث في أكثر من مائة بلد حول العالم, وأكثر من 40% من سكان العالم معرضون للإصابة بهذا المرض. وبينما اختفت مثل هذه الإصابات من أوروبا، لا تزال الملاريا هي المتسبب الرئيسي للوفاة في أفريقيا. كما أنها موجودة في قارة أميركا الجنوبية والهند والشرق الأوسط.
ــــــــــــــــــ