السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
اخترت لكم هذه الاستراحة التي تتيح لنا الاطلاع على معتقدات بعض الشعوب وأفكارهم
وقتاً ممتعاً
من غرائب الشعوب؛؛
لسكان التبت عقائدهم، ومنها عدم الايمان بالعقاب والثواب بعد الموت، وبالتالي فانهم لا يؤمنون بوجود الجحيم، الذي تقدم له اديان عديدة صوراً مرعبة، من هذه العقائد ايضاً، فان عالم الآخرة، يتم وصفه باعتباره المكان الذي تذهب اليه ارواحهم بعد الموت، لتلتقي مع تلك التي سبقتها في الرحيل الى هناك.
وهم ايضاً يسمون هذا المكان: ارض الضوء الذهبي، الذي تلتقي فيه الارواح التي تحب بعضها، اما تلك التي لا يجمعها الحب، فانها لا تلتقي في ارض الضوء الذهبي.
ينظر اهل التبت الى جسد الانسان، باعتباره الغطاء المادي للروح الخالدة، انهم يشبهونه بالصدفة أو القوقعة، وعندما يموت فانه في نظرهم لا يساوي أية قيمة، والمدهش في عقيدة اهل التبت، ايمانهم بان اصابة الجسد بالمرض تعني التصدع، وفقدان القدرة على البقاء مكاناً صالحاً لاقامة الروح، التي سرعان ما تنسحب خارج الجسد المادي. وهذا الجسد في اعتقادهم يحتاج الى ثلاثة ايام حتى يموت، أي قبل ان تتوقف فيه العمليات الفيزيائية كلها، وتتحرر الروح من غلافها المادي. هنا من الضروري الانتباه الى ان ما نقوله انه الشبح، انما هو عند اهل التبت، ذلك الجسد الاثيري الذي يوازي الجسد المادي. وقد اعتاد الناس هناك الحديث عن ثلاثة اشكال للجسد، فاما الجسد المادي فانه الذي من لحم ودم وتتعلم الروح من خلاله دروس الحياة، وهناك الجسد الاثيري أو المغناطيسي وهو الذي يتشكل من شهواتنا وعواطفنا الجياشة، وهناك اخيراً الجسد الروحي، أو الروح الخالدة.
وفي بلاد التبت، لا يدفن الناس موتاهم تحت الارض مثلما يحدث عند اغلبية الشعوب. البعض يعزو ذلك لطبيعة التربة الصخرية ورقة القشرة الارضية، واخرون يرون ان ذلك يرتبط بالعقيدة. انهم ايضاً لا يحرقون جثث الموتى مثلما يحدث في الهند مثلاً، ولا يلقونها في الانهار، لانها كما يقررون تلوث المياه التي يشربونها.
لذا فانهم يميلون الى القاء الجثث في الهواء، بمعنى ان يقدموها طعاماً للطيور الجارحة كالنسور مثلاً، ان كل فرد من الناس يتم التخلص من جثته بهذه الطريقة ووضعها في اعالي الجبال والاشجار لتأكلها الطيور الجارحة، باستثناء اللامات ذوي الرتب الدينية العالية، الذين يعتقد بانهم قد ظهروا للحياة بواسطة التناسخ, وهؤلاء يتم تحنيطهم ووضعهم في صناديق لها واجهات زجاجية يمكن النظر من خلالها اليهم عندما توضع في المعابد.
في رابع ايام الموت، وبعد ان تكون الروح قد غادرت الجسد، يجيء واحد من (الراجيات) الذين يتخلصون من الجثث في مستعمرة الموتى. تعطى الجثة له، فيكورها على شكل دائرة، ويربطها بشدة، ثم يلفها بقطعة قماش بيضاء، ويضعها على ظهر ثور جاء به لهذا الغرض، لينقلها الى مكان تكسير الجثث. وعادة ما يقع هذا المكان في منطقة منعزلة، محاطة بصخور كبيرة، تتوسطها مصطبة حجرية كبيرة مستوية، تتسع لاضخم جثة، ينـزل الرجل الجثة عن ظهر الثور، ويضعها فوق المصطبة، ثم ينزع قطعة القماش. آنذاك تتم عملية ربط اليدين والرجلين معاً، ثم يستل رئيس الكسارين سكينه الطويلة ويشق الجثة ليفتحها، ويقطعها الى شرائح. تلي ذلك عملية تقطيع الاطراف، وتقطيعها هي الاخرى الى شرائح، وهكذا ايضاً يقطع الرأس ويفتح.
في وسط هذا المشهد المثير للدهشة والاستغراب، تكون النسور قد تجمعت منذ الوهلة الاولى التي رأت فيها حامل الجثة، انها تحيط به واقفة على الصخور كمجموعة من المتفرجين في مسرح مكشوف. ومما يكتشفه المرء، ذلك النظام الاجتماعي الصارم الذي يوحد الطيور مع بعضها. ان أية محاولة من طائر جريء للهبوط فوق الجثة قبل ان يأمر قائدها، تبدو عملية مستحيلة، لذا فان النسور في وقفتها، تكون على اهبة الاستعداد لمهاجمة الجثة بضراوة عندما يصدر لها الامر بذلك.
يسمى اولئك الذين ينقلون الجثث ويقطعونها بالكسارين، أو محطمي الاجساد. وهؤلاء بحكم التجربة والخبرة الطويلة، اصبحوا مثل الجراحين، في مقدورهم اقتطاع كل عضو في الجسم، وفحصه بدقة، لمعرفة سبب الوفاة. لقد حدد هؤلاء سبب الوفاة بالسم، وكذلك بسبب انسداد احد الشرايين، والجلطة، والورم وسوى ذلك.
بعد ان يفتح كاسر الجثة الجذع، يمد يده بقوة داخله لينتزع منه القلب. لحظتها يرفرف زعيم النسور بتثاقل ويهبط على الارض، ثم يسير متهادياً ببطء نحو الرجل الذي يناوله القلب. لاحقاً فان من يليه في الزعامة، يرفرف ويهبط ليأخذ الكبد، ويتراجع ليأكله فوق صخرة، وهكذا فان بقية زعامات النسور، ترفرف وتهبط وتتقدم لتأخذ الكلى والاحشاء الداخلية والعيون.. الخ.. هذا يعني ان الجثة تكون قد اكلت في وقت قصير جداً، ولم يبق منها سوى العظام، التي يقوم الكسار بتقطيعها الى احجام صغيرة، تتم عملية طحنها بسرعة، لتتحول الى مسحوق ناعم يقدم للطيور ايضاً.
فهل ثمة ما يثير الدهشة مثل هذا الذي نراه في التبت! تلك البلاد النائية التي لا يعرف سكانها التشاؤم واليأس والاحباط؟ نظن ان اسرار الشعوب كفيلة بتقديم المتعة والفائدة، فهل يحقق القارئ هذين الهدفين؟
؛؛؛
دعواتي؛؛