لله در هذه الآية من كتاب الله عز و جل كم ايقظت من ساردين و نبهت من غافلين و ارشدت من تائهين...
و هنا اريد سرد قصتين لرجلين من العظماء حولتهم هذه الآية من الاسراف على النفس و الاعراض عن الله الى العبودية و الزهد و الاقبال على الله... وهما عبد الله بن المبارك, و الفضيل بن عياض...
فهذا عبد الله بن المبارك يروي عن نفسه: كنت يوما في بستان و انا شاب مع جماعة من اترابي و ذلك في الصيف و قد نضجت الفواكه, فأكلنا و شربنا وكنت مولعا بالعزف على العود فنمت بعض الليل ثم استيقضت و اذا غصن يتحرك عند رأسي فاستهواني الحال و أخذت العود لاعزف عليه فإذا العود ينطق قائلا : الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق ) فضربت بالعود الارض فكسرته, و صرفت ما عندي من جميع الامور التي كنت عليها مما يشغل عن الله, و جاء التوفيق من عند الله عز و جل...
اما الفضيل بن عياض فقد امضى الشطر الاول من شبابه فاتكا بطاشا يقطع الطريق و يستلب اموال الناس و صار ذكر اسمه يلقي الرعب في قلوب المسافرين و رجال القوافل...
و في غمرة حياته... لقي جارية فاحبها و تعلق بها و شغله ذلك عن جزء كبير من اهتمامه بقطع الطرق و التربص بالقوافل ... و هدأت في نفسه نيران البطش و حرارة البغي...و مضى ذات ليلة يفكر في الخطة التي ينبغي ان يهتدي اليها للقاء محبوبته و اطفاء غلة اشتياقه الشديد اليها... واهتدى اخيرا الى ان عليه ان ينتظر الى الهزيع الاخير من الليل لتحجبه الظلمات عن اعين الاهل و الاقارب في ساعة محددة تنتظره فيها... ومضى الفضيل بن عياض الى دار الجارية و بحث عن اقرب متناول يتعلق به من جدرانها و سرعان ما تجاوزه متسلقا الى اعلى الجدار و قبل ان يهوي منه ساقطا في داخل الدار... وقف يلقي السمع الى اي صوت يمكن ان يبلغ اذنه بحثا عن مزيد من الطمأنينة... و بينما هو كذلك... اذ سمع قارئا يرتل في جوف الليل قول الله عز وجل: الم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و مانزل من الحق و لا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم...)
فتحرر قلبه من رعونات نفسه و تساقطت منه الاغشية التي غلفته بالقسوة و سرت اليه شعلة اضاءت مصباحه المنطفئ و اوقدت ناره الخامدة و صاح بصوت يخترق سكون الليل من حوله... بلى يا رب... لقد آن...
هذه نماذج من رجال حركتهم آيات من القرآن ليعقدوا صلحا بينهم و بين الله و يدفنوا الغي و البغي ليولد على انقاضهما الورع و العلم.... و هم قلة قد عرفناهم, ولعل الكثرة الكبرى تلك التي لم نسمع عنها و لو نحط بها علما...