الرجل.. الذي مات واقفا! "" مالكوم إكس ""
من هو هذا الشخص المدعو ( مالكوم إكس ) الذي يجهله أكثر شباب الأمة الإسلامية؟ وما الذي يهمنا في أمره؟ إن هذه الشخصية الهامة كان لها فضل كبير -بعد الله- في نشر الدين الإسلامي بين الأمريكان السود، في الوقت الذي كان السود في أمريكا يعانون بشدة من التميز العنصري بينهم وبين البيض، فكانوا يتعرضون لأنواع الذل والمهانة، ويقاسون ويلات العذاب وصنوف الكراهية منهم.
في هذا المناخ المضطرب الذي يموج بكل ألوان القهر والإذلال ولد مالكوم إكس لأب كان قسيسا في إحدى الكنائس، وأم من جزر الهند الغربية، وعندما بلغ السادسة من عمره قتل والده على أيدي البيض بعد أن هشموا رأسه ووضعوه في طريق حافلة كهربائية دهمته حتى فارق الحياة.. فبدأت أحوال أسرة مالكوم إكس تتردى بسرعة.. ماديا ومعنويا، وباتوا يعيشون على الصدقات والمساعدات الإجتماعية من البيض والتي كانوا يماطلون في إعطائها.. ومع هذه الظروف القاسية عانت والدة مالكوم إكس من صدمة نفسية تطورت حتى أدخلت مستشفى للأمراض العقلية قضت فيه بقية حياتها، فتجرع مالكوم إكس وأخواته الثمانية مرارة فقد الأب والأم معا، وأصبحوا أطفالا تحت رعاية الدولة التي قامت بتوزيعهم على بيوت مختلفة...
في هذه الأثناء التحق مالكوم إكس بمدرسة قريبة كان فيها هو الزنجي الوحيد.. كان ذكيا نابها تفوق على جميع أقرانه فشعر أساتذته بالخوف منه مما حدا بهم إلى تحطيمه نفسيا ومعنويا، والسخرية منه خاصة عندما رغب في إستكمال دراسته في مجال القانون.. وكانت هذه هي نقطة التحول في حياته .. فقد ترك بعدها المدرسة وتنقل بين الأعمال المختلفة المهنية التي تليق بالزنوج.. من نادل مطعم.. فعامل في قطار.. إلى ماسح أحذية في المراقص.. حتى أصبح راقصا مشهورا يشار إليه بالبنان، وعندما استهوته حياة الطيش والضياع فبدأ يشرب الخمر وتدخين السجائر، وكان يجد في لعبة القمار المصدر الرئيسي لتوفير أمواله.. إلى أن وصل به الأمر لتعاطي المخدرات بل والإتجار فيها، ومن ثم سرقة المنازل والسيارات.. كل هذا وهو لم يبلغ الواحدة والعشرين من عمره بعد.. حتى وقع هو ورفاقه في قبضة الشرطة.. فأصدروا بحقه حكما مبالغا فيه لمدة عشر سنوات بينما لم تتجاوز فترة السجن بالنسبة للبيض خمس سنوات.
وفي السجن انقطع مالكوم إكس عن التدخين و أكل لحوم الخنزير، وعكف على القراءة والإطلاع إلى درجة أنه التهم آلاف الكتب في شتى صنوف المعرفة فأسس لنفسه ثقافة عالية مكنته من إستكمال جوانب النقص في شخصيته.
خلال ذلك الوقت.. اعتنق جميع إخوة مالكوم إكس الدين الإسلامي على يد رجل يسمى ( السيد محمد إلايجا ) والذي كان يدّعي أنه نبي من عند الله مرسل للسود فقط!!.. وسعوا لإقناع مالكوم إكس بالدخول في الإسلام بشتى الوسائل والسبل حتى أسلم.. فتحسنت أخلاقه، وسمت شخصيته، وأصبح يشارك في الخطب والمناظرات داخل السجن للدعوة إلى الإسلام.. حتى صدر بحقه عفوا وأطلق سراحه لئلا يبقى يدعو إلى الإسلام داخل السجن.
كان مالكوم إكس ينتسب إلى حركة ( أمة الإسلام ) والتي كان لديها مفاهيم مغلوطة، وأسس عنصرية منافية للإسلام رغم اتخاذها له كشعار براق وهو منها براء.. فقد كانت تتعصب للعرق الأسود وتجعل الإسلام حكرا عليه فقط دون بقية الأجناس، في الوقت الذي كانوا يتحلّون فيه بأخلاق الإسلام الفاضلة، وقيمه السامية.. أي أنهم أخذوا من الإسلام مظهره وتركوا جوهره ومخبره.
استمر مالكوم إكس في صفوف ( أمة الإسلام ) يدعو إلى الإنخراط فيها بخطبه البليغة، وشخصيته القوية.. فكان ساعدا لايمل، وذراعا لاتكل من القوة والنشاط العنفوان... حتى استطاع جذب الكثيرين للإنضمام إلى هذه الحركة.
رغب مالكوم إكس في تأدية الحج، وعندما سافر رأى الإسلام الصحيح عن كثب، وتعرف على حقيقته، وأدرك ضلال المذهب العنصري الذي كان يعتنقه ويدعو إليه.. فاعتنق الدين الإسلامي الصحيح، وأطلق على نفسه ( الحاج مالك الشباز ).
وعندما عاد نذر نفسه للدعوة إلى الإسلام الحقيقي، وحاول تصحيح مفاهيم جماعة ( أمة الإسلام ) الضالة المضلة.. إلا أنه قوبل بالعداء والكراهية منهم.. وبدؤوا في مضايقته وتهديده فلم يأبه لذلك، وظل يسير في خطى واضحة راسخة يدعو إلى الإسلام الصحيح الذي كان يقضي على جميع أشكال العنصرية.
وفي إحدى خطبه البليغة والتي كان يقيمها للدعوة إلى الله أبى الطغاة إلا أن يخرسوا صوت الحق.. فقد اغتالته أيديهم وهو واقف على المنصة يخطب بالناس عندما انطلقت ست عشرة رصاصة غادرة نحو جسده النحيل الطويل.. وعندها كان الختام نسأل الله أن يتقبله في عداد الشهادء يوم القيامة.
وبعد هذا كله ألا يحق لنا أن نسأل من هو مالكوم إكس؟
وللإستزادة من سيرة هذا البطل..
أحيلك إلى كتاب بعنوان مالكوم إكس )، تأليف: الكس هاليبي، ترجمة: ليلى أبو زيد.