أنوار أبوخالد :
ذكرت في الاسبوع الماضي أنني بحثت عن أحد الاطفال "الباعة المتجولين" بعلب المناديل وغيرها.. لإجراء تحقيق وعمل دراسة نفسية اجتماعية لهذه الشريحة. وذكرت اني قد واجهت في الوصول الى المعلومات مصاعب. حيث كان الاطفال يرفضون التجاوب معي عند سؤالهم، والبعض منهم كان يسترسل بملل ويغير الموضوع. حتى استطعت إقناع أحد الاطفال، مقابل مبلغ مالي ترددت في البداية في منحه ولكنني وجدت ان هذه الطريقة الوحيدة التي تمكنني من معرفة ما يدور خلف كواليس هذا العالم..
وبعد ان استلم الطفل "سراج" المبلغ الذي منحته له ووضعه في جيبه اخبرني: بأنه طفل عمره اثنا عشر عاماً ويقيم مع اسرته المكونة من أحد عشر شخصاً اغلبهم من الاناث ويسكن في أحد الاحياء المتواضعة في الرياض. و"سراج" يمارس هذه المهنة في شمال الرياض. ويتردد يومياً الى موقع العمل تحت ظل شمس او زمهرير شتاء وبين عوادم السيارات ومخاطر المرور والطرقات، كرسيه الرصيف ومظلته الكباري والجسور. في مهنة يجيدها بخبرة عمرها اربع او خمس سنوات.. وقد دار بيني وبينه هذا الحوار. والذي حرصت ان أنقله بنصه مع الاختصار قدر الامكان..
* يقال ان هذه المهنة بيع المناديل تدر مالاً وفيراً. فهل هذا صحيح؟
- يضحك سراج قائلاً: نعمة من الله.
* وهل أنت الوحيد صاحب الربح أم هناك جهة مستفيدة غيرك؟
- يبتسم ثم يسكت قليلاً ويتردد في الاجابة ثم يقول: ان هناك جهة مستفيدة تأخذ ثلثي المبلغ. وأنا أخذ الثلث.
* وهذه الجهة تأخذ المبلغ لماذا؟ او مقابل ماذا؟
- يقول سراج: مقابل السماح لي بالبيع في هذا الموقع، ومقابل حمايتي ايضاً!
* حمايتك من ماذا بالضبط؟
- حمايتي من اشياء كثيرة لا استطيع الافصاح عنها.
* هل يعني هذا انكم تعملون تحت جهة منظمة؟!
- يقول سراج بعد التردد: ليس كذلك بالضبط ولكن عندنا رئيس مسؤول عن متابعتنا وحمايتنا ومراقبتنا. وهذا الرئيس له رئيس فوقه لا اعرفه. ولكن حسب ما اعرف انه قوي جداً..
* وكيف عرفت انهم يراقبونك هل تراهم؟!
- لا أدري تماماً ولكن عند وقوع مشكلة ما، أجدهم في الحال حولي.
ويعرفون إن كنت صادقاً معهم فيما بعت وفيما كسبت او اني أخذت شيئاً لنفسي منه..
ثم يعقب "سراج" بكلام طفولي ساذج بأنه يتوقع انهم يراقبونه عن طريق كاميرات مخفية!!
* ماذا يضايقك اكثر شيء في "بيع المناديل"؟
- أكثر شيء اخاف منه رجال الشرطة. وما يضايقني هو ان يكون هناك عدد كبير يبيع نفس الشيء "مناديل" فيصبح زبائني أقل أعني أنهم يقاسمونني في البيع والشراء. وهذا لا يجعلنا نبيع كثيراً.
* هل تفكر في اكمال دراستك بجانب عملك؟
- أنا غير مهتم كثيراً بالدراسة. لأن هناك كثيرين حصلوا شهادات لكنهم لا يعملون.. وحتى لو عملوا فإنهم يربحون قليلاً. فإن أحد العاملين معنا خريج جامعة كما يقول ذلك وهو معنا مبسوط ايضاً..
أما انا فأكسب وأساعد اهلي. وقد اخبرني صاحب العمل انه سوف يزيد نسبة ربحي اذا استمريت معهم وكسبت كثيراً. وانا مبسوط لانني احاول ان ادرس وأعمل.
ثم تضجر "سراج" من اسئلتي، وبدأ المشي ومقاطعة الحوار ثم انصرف..
قلت في نفسي..
فعلاً لدينا ثروة ثمينة ملقاة على الارصفة لا يعرف ثمنها الا من يفكر فيهم.. فقد يستغل هؤلاء الاطفال في اشياء غير سليمة وهدامة سواء لهم او للمجتمع. فقد يستغلون كإرهابيين حاقدين على المجتمع وتفرّغ طاقاتهم بمثل هذه الاعمال او قد يستغلون للقيام بسلوكيات منحرفة!!
فلماذا لا يكون هناك دراسة صادقة لهذه الشريحة من الاطفال. والنظر في متطلباتهم ومتطلبات اسرهم حتى توجه للجهة المختصة لتنال بشكل سليم ما تحتاجه.
وإلا ستحقق أمنيات اطفالنا عند هذه الاشارات..؟
انتهى
استوقفتني هذه الجملة كثيراً : ( ليس كذلك بالضبط ولكن عندنا رئيس مسؤول عن متابعتنا وحمايتنا ومراقبتنا. وهذا الرئيس له رئيس فوقه لا اعرفه. ولكن حسب ما اعرف انه قوي جداً..) .. !!
من يترصد بنا ؟
آخر ماكنت أتوقعه أن يكون خلف الطفل البريئ بائع المناديل جهة مخططة ومدبرة .
اللهم احفظ ديار المسلمين .
تحياتي
.
رغد