فتحتُ ورقتي , هي الورقة التي تعذبتُ بسببها ( ما أجهلني ! ) , قرأتها مراراً
ولا زلتُ أذكر أنني كتبتُ فيها ( لا ينبغي عليّ أن أهتم بهم , ما دمتُ مع الله فلن يخذلني ) .. نجيد التنظير , ولكننا لا نطبّق !! .. كيف كتبتُ ( ما دمتُ مع الله ) ولم أكن يوماً معه , وهو ـ سبحانه ما أرحمه ـ غمرني بلطفه .. وأزال همي حينما التجأتُ إليه !!
ما أبأس البعيد عن الله , آسى لمن لم يذق لذة القرب منه , آسى لمن لم تدمع عيناه خشية وخوفاً وطمعاً .., آسى لحالي !!
حزنتُ لأنني اكتشفتُ كم أنا لئيمة , وعزمتُ على التوبة , عدتُ فرحةً إلى المنزل ـ على غير العادة ـ صليتُ الصلاة المفروضة مع السنة " أول مرة" !!
ونمت , استيقظتُ الخامسة والنصف .. فتحتُ المذياع واستمعتُ للبرنامج!!
أرأيتم الإنسان .. كم هو لئيم حقير ؟
نعم !
من الدناءة ألا نبالي بما أراده الله لنا .
عدتُ كما كنتُ .. بل أسوأ ! والوالدة لا تفتأ تدعو الله لي بالهداية وحفظ كتاب الله , فأسخر ـ في نفسي ـ من دعواتها وأقول ( أحفظ القرآن مرة واحدة ! ) ادعي لي أحفظ ( الجزء الأول على الأقل ) !!
وذات صباحٍ بهيٍ بالنسبة للجميع إلا أنا .. كانت الإذاعة المدرسية .., والحديث عن التوبة , لأول مرةٍ أنصت إليها .. أرعيتها مسمعي , صديقتي ( حنان ) تحدثتْ بصوتٍ هادئ
مؤثر .., التوبة .. ودموع التائبين , هي تتحدث وأنا أذكر دمعاتي التي أغرقتُ بها سجادتي !
كم أنا كاذبة , بل كل التوابين هكذا .. !
نبكي حيناً , ونندم .. ثم نعود , نعود أسوأ مما كنا ! والله يرانا .. نعصيه وهو يرانا .., يااااه ما أشد جرأتنا عليه !
انتهت الإذاعة .., وأنا ما زلتُ شاردةً في عوالمي , أحاول انتزاع أملٍ من روحي المهترئة , المرهقة من كثرة المعاصي .., أريد حياةً أخرى , حياتي ـ رغم ما فيها من رفاهية ـ تافهة .. تافهة بلا قيمة , أغدو وأروح .. أنام وآكل .. ألهو وأَضحك , أبكي وأتألم .. ثم ماذا ..؟ أما لهذه الحياة من نهاية !
كنتُ أسائل نفسي , ولم أشعر بها إلا في غرفة الصف .. لم تسألني إحداهن ما بكِ شاردة ؟ تمنيتُ أن أكون أكثر جرأة لأبكي .., لأعلن أنني انهزمتُ لنفسي ! لكنني أكابر !
يومٌ يبتلع يوماً , وأنا لا زلتُ أنا .. إلى أن أتى ذلك اليوم !!
حفلٌ لتكريم حافظات كتاب الله , لم أكن راغبة في الذهاب .. لكن والدتي أقنعتني .. , فوافقتُ على مضض .., كان حفلاً رائعاً , أتعلمون لم َ ؟؟ لأنني التقيتُ بإحدى الصديقات .. وخرجنا من القاعة لـ " نسولف " .. خرجتُ من مجلس الذكر إلى قاعةٍ خارجية .. , مشينا .. أكلنا , ضحكنا , " استهزأنا "
تشاكينا الهموم .. وفجأة سمعنا صراخاً , لم يكن صراخ طفلة .. بل هو صراخ مخيف , لا زال صداه يتردد في مسامعي , جرينا ـ بهلعٍ ـ لنستطلع الأمر .., رأيتُ إحدى معلماتي تحمل على ذراعيها فتاة .. أعرفها كما أعرف نفسي , طالما رأيتها ذاهبةً للمصلى , كانت تتأوه .. ووالدتها تصرخ , والمعلمة تجري بها إلى الحارس لتُنقل إلى المشفى , لكن ملك الموت أسرع .. اقتربتُ لأراها . كانت مزرقّة , يبدو أنها اختنقت بسبب الزحام , وضعتها المعلمة أرضاً وبدأت تلقنها الشهادة , لم تتلكأ أختنا بل قالتها بسهولة مع أن نفسها متقطع , ثم قرأت آية الكرسي دون تلقين .. , انتفضتْ
و ماتت !
كل هذا حدث أمام إنسانة جوفاء ! هي أنا للأسف
راعني المنظر , بكيتُ بشدة , تخيلتُ أنني هي " ريم " , لا إله إلا الله .. بالأمس كانت في المصلى .. وكنتُ أضحك من طريقتها في الاستذكار .., هي الآن جسدٌ بلا روح , مثلي تماماً .. لا .. بل أنا أسوأ .. !
تخيلوا .. لم يغير فيّ موتها شيئاً !!