[align=center][/align]
[align=center]
طار سرب التيه من روحي وغاص ببحر الظلام
غاص عميقا .. لدرجة الإحساس بأن الهواء الذي تخلل رئتيه كان أسودا ! ..
وشاية العتمة في البدء هي من شرع أبواب الروح لرحلة الشتاء تلك ، و هي
من رسمت كل شيء بدقة متناهية ، تخوما سوداء بها من الحكايات ما يدهش !
والروح عطشه ، لطالما تمنت ذاك العالم ، لأن تؤخذ لهكذا سحرٍ سماوي لم
يطله أحدا ولن يطله ..[/align]
حينما كنا نعبر الليل بتلك الصحراء .. باحت الكلمات بما كان يطوق الصمت بقنابل مسيلة للحزن .. كان الصمت بي كأنه الحكي كأنه الحلم كأنه الثرثرة تماما:- ....
" ودي أمشي بهالصحراء الحين .."
نظر لي ..هزّ رأسه ..ابتسم.. شاغبتني للحظات لمعةً بانت جلية بعينيه الساحرتين.. أشار للصحراء ولليل الكثير بها .. حاول أن يرسم المشهد بيده المحررة من مقود السيارة ، فما كان من يده إلا أن تشوش المحاولة التي ما بدأت ، ذلك لاستحالة ما كان يرى من سحر بتلك العظيمة ليلا :- ..
" بالبرد والظلام هذا ! ؟ "
كل صامتٍ بي كان يقول هو الظلام ما يغوي ، سر تلك الغياهب التي صعدت للسماء وبدت تشدنا لها .. تأملها كفيل بأن يزرع بأرواحنا تساؤلاتٍ جما، كفيل بأن يُدخلنا إلينا دون أن نشعر ويُخرجنا منّا أيضا دون أن نشعر .. هو الظلام ترجمة رسائل السراب ليلا، ترجمتها بأكثر غموضا ودهشة، من عشق التأمل موعود بتلك الأسئلة ونحن عشاقٌ مرغمين على العِشق ذاك .. هو الظلام حليف السراب يكمل الغواية ليلا ، فبينما كانت غواية السراب ظهرا ، اعتقدنا بأن الأمر أنتهي وصدقنا أنفسنا بأن ما مر هو حالة كونية عابرة رغم ما كان من تساؤلات مجنونة حاصرت السراب ، كنا نحاول الوصول له تسبقنا تلك الأسئلة ويأخذنا لبعدٍ آخر ، لم نكف عن الأسئلة ولم يكف عن الهرب .. ما كان من الغاوية إلا أن تتوعدنا ليلا.. وما جاء ليلا لم يقف أمامه أي سؤال .. كان جبَّار الظلمة جبَّار الوحشة جبَّار الصمت ..
تنبهت له وإشارته للظلام وشدة البرودة التي لونت أطراف المدى باللون الأزرق الغامق والمطفئ بخجل .. أكملت بوح الصمت :-
" بالظلام والبرد .. وأضيع بالظلام .. أضيييع "
وكأنه أعتاد على هذيان بدء النعاس ، وكأنه عرف بأني موعودة بالغواية بعد قليل فبظهيرة هذا اليوم لم أترك السراب يغويني فقد مارست غواية أخرى عليه، ضحكت كثيرا عليه ، تشكل بعدة أمكنة فكنت أبعث له تلك الأسئلة السرابية والتي بلا معنى والتي يمكن أن أُسميها حالة بشرية ليس من الغريب حدوثها..قلت لهم أعرف أنه كاذب ولكني أُريد أن أقرأ آخره حتما سأصل لشيء فبكل شيء حتما هناك شيء .. كنت أعرف بأني سألج لتلك الغواية ليلا .. أعرف بأن صمتي الذي أقرأهُ تساؤلاتي الجادة زُرع بها والآن أصبح غاباتٍ من ليل بثمارٍ مره وأنا وُعْدتُ بذلك الليل .. سايرني بالحديث :-
" يا ساتر .. انزين ليش ! ؟ "
سؤاله .. كثير الجواب ،يحتاج لسنوات من الكلام وسنواتٍ أخرى يحتاج للصمت المحكي .. يحتاج لعمرٍ آخر .. يحتاج لعيوني لِتفتح له بوابة الروح دون وجل .. الضياع بالليل هو الهجرة عن لجةٍ لطالما حاصرت روحي دون رحمة ،هو الغياب عن فقدٍ مزروع بأوصال الروح ، هو الموت عن أسئلة مشرعة روحها لأجوبة تجرعت الصمت القاتل ! .. الضياع بالليل هو المنتهى الآمن .. الهدوء التام .. النوم العميق بأحضان تلك الأحلام الطفولية .. الضياع بالليل هو النسيان والذاكرة .. ،.. و لم يكن مني إلا أن أهرب من سؤاله :-
" أحتاج أني أقرأ الظلام بشكل آخر .."
جعل ليديه عينين يقظتين ناظرتين للطريق بحذر ، جال بنظره لغياهب ليلٍ لا ينتهي .. صمت وكأنه غاص ببحر الغواية ، ولشدة معرفتي إلى أين ستأخذه طرقت على باب صمته بهدوء :-
" بدر... انتبه للطريق .."
ابتسم لي بحزنٍ أغار على عينيه الجميلة ، غامت عينيه الواسعة وحُجب صفوهما بحكايات كثيرة.. قرأتها وكأنها أسراب طيورٍ مهاجرة للبعيد دون التفاتِ لأمكنةٍ احتوتها ذات دفء .. أنتبه للطريق مجددا ولكن للحظات كان يلتفت يمينا لتلبية نداءٍ ما ومن ثم يعود لقراءة الطريق .. حقا تستحق تلك المهيبة أن تسكن حواسنا بهكذا استسلام فبها كل الكلام الذي يفترض أن يُسْمع وبها كل الصمت الذي يفترض أن يُقرأ وبها شيء كالخرافة يتعمق بنا وهو إن أطلنا النظر بها ندخل بنا ونكون بحضرة الضمير والعقل والروح وبحضرة كل الصور والأصوات التي مرت بنا ذات عمر لم ينتهي بعد.. أ ولا نغوى نحن الضِعاف بطلاسمها التي لم نعتد عليها فرغم هول ما مر بنا هي لم تمر مطلقا..
كيف أوهمنا أنفسنا بأنا بتنا نعرف كل شيء !!
[align=center]
باردة ليلة البارحة
لدرجة الإحساس بالتجمد حتى الشعور بالاحتراق
باردة ليلة البارحة
لدرجة الإحساس بالدموع كالإحساس بالضحك..
باردة ليلة البارحة
لدرجة الإحساس بأصواتهم تبعد وتبعد و..تبعد!
وكيقظة الذاكرة كانت ليلة البارحة وكغفوةٍ اتشحت الغروب ..،
وكالنسيان حين يحرث أرض الذاكرة الأجمل بمعاول باردة الأطراف
ليزرع بها وجوها ملونه وأصواتا صخَّابة وفراغٍ كثير !
باردة وكأن عتمتها تستجدي الزمهرير المخزون بروح الشمال
لتنثره بأوصال الليل لكيلا نضيع بها أكثر ونفك طلاسمها ..
وكذا الصمت بارد والحزن رغم كثرته هدأت لجة ضيقه و ..سكن !
البارحة ..
لم تبرحني قسوتها بعد .....
يمكن لي أن أحكي بعضها ولو أن بعضها حتما سيجيء مبتورا وأكثر رحمة ..فقد حاصرت الظلمة غرفتي وأحسست بأنها معلقة بين السماء والأرض ، صبَّت الريح ما يمكن أن يُصب على روحٍ بلا أبواب ..
تسللت تلك الظلمة للذاكرة وعاثت عصفا بأكثر الأمكنة دفئا، كُنتُ وحدي معي وكانوا بِبعدٍ مخيف ، قبسا أنار فجأة ليذكرني بغواية السراب وأن ما كان هو البدء ، ذكرني بأن من يستبيح الأسئلة فله ما استباح بذاته القدر والقسوة .. لم أكن سوى ريشة بفضاءٍ عاصف ولم يكن ما كان إلا حلما أسودا بعثرني وشتت ذاكرتي ..
نُزع قلبي مني..
نفض معاطف روحي الدافئة ولبس دروب الهجرة العارية ،... فرد جناحيه لتيهٍ سرمدي يدعى الشمال.. رحل حزين وتوعدته الريح هناك ، شرع لها أبواب البوح من كل الجهات فشرَّحته .. نثرت بعضه شمالا ..
" أيها الكثير بي ككثرة هذا الظلام
أقسمت على نسيانك وعلى أن أقفل قلبي .."
توسدت الريح جراحه بنومٍ يسوده الأرق ،قرأته من البدء للمنتهى ( مارست غواية السراب على أضعف ما بي) .. أخذت من أسئلة الظهيرة تلك وصبتها عليه .. جرَّحته الريح ليلة البارحة( وكأن به بقي مكانا للجراح ).. أتت له بصور حبيبه وأبعدتها .. أتت بصوته وأبعدته .. أتت بعطره و ... أبعدته ... ونثرت آخر ما قال لروحه جنوبا ..
" ذاك الظلام ..
كنت أشعر بأنك تقرأه بصمتٍ أيضا ..
كنت أُريد أن أقرأ قراءتك ..أن أقرأ صمتك الذي تُقت إليه ..،
وددت أن تتصادم قراءاتنا بفلكٍ بعيد عن الدنيا وننتثر هناك ..
قد يلاقي بعضي بعضك .."
قلبي ذات حزن أقسم أن يحترق ويحقن رماده بأوردة الريح ليأتي روحه ساعة يشاء .. وعد روحه بالريح تلك وإن غاب ,, والآن الريح من حقن عصفها به ، جعلته روايتها الأثيرة .. تسوقه لأي مكان ..تُعطر به المطر إن هطل فجرا ، تنثره لصحراءٍ لا يُحتوى صمتها ليحكي لفيافٍ لم تعتد الإنصات لهكذا قلوبٍ ضعيفة ..
" بذلك الظلام
تصورت أن السواد الكثير يمكن له أن يلملم سواد حزني العتيق وتخرج غابات الحزن الاستوائية ..ويتنفس قلبي الفجر " ..
ليلة البارحة وفدت على قلبي روحه من حيث لا يعلم.. تأملته بصمت ، بصمت كان الحوار بصمتٍ أقسى من ليلة البارحة ، بصمتٍ غابت روحه وبكى وحيدا .. ..... و..... بكيت .
[/align]