لا تزال حملات الإساءة للدين الإسلامي ورموزه مستمرة ، ففي الوقت الذي لم تنقطع فيه أصداء نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم- توجهت الأقلام إلى الإساءة لصحابته الأجلاء ، فقد نشرت صحيفة "الفجر" المصرية المستقلة في عددها الأخير هجوماً علي راوي أحاديث الرسول الصحابي "أبو هريرة" وشككت في صدق رواياته واتهمته بالنهم للطعام والولائم، واختارت عنوانا مثيراً لذلك "سقوط أبو هريرة" .



محيط ـ إيمان الخشاب


وذكرت الصحيفة في حق الصحابي كلاماً سفيهاً لا يصح أن يقال بشأن إنسان عادي يعيش بيننا وليس صحابياً روي الكثير من أحاديث الرسول وله قيمته الكبيرة في كتب السنة ، فهو الراوية الأشهر في تاريخ الإسلام للأحاديث النبوية الشريفة ، وبرغم حالة التمجيد التي ربما تصل إلى التقديس لسيرة الرجل في زماننا هذا إلا أن أبا هريرة هو أول من تم اتهامه في التاريخ بالكذب على النبي ، بل لم يشهد رواية حديث نبوي خلافاً وتطاحنا حوله وحول سيرته بقدر ما شهد ورأى أبو هريرة .

وقد وصل الأمر إلى قيام مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بالاستنجاد بالرئيس حسنى مبارك، لمنع ما تنشره بعض الصحف المستقلة ، حول الصحابي "أبو هريرة" .


وقال أحد أعضاء المجمع البارزين الدكتور محمد رأفت عثمان :"إنه في ظل عدم استجابة هذه الصحف لنصحنا، لجأنا إلى الرئيس مبارك، ليتدخل ويوقف هذا التطاول غير المبرر" .

حيث لاحظ أعضاء المجمع أن بعض الكتابات الصحفية توجهت إلي الهجوم علي الصحابة، لدرجة أن صحفاً تهاجم حالياً أبو هريرة وتقول بشأنه كلاما سفيها لا يصح أن يقال بشأن إنسان عادي يعيش بيننا وليس صحابياً روي الكثير من أحاديث الرسول وله قيمته الكبيرة في كتب السنة . وتابع د.عثمان حديثه : كيف يقال عنه أنه كان نهما للطعام ويسعى لإشباع بطنه ويعيش متسولا.. فهذا الموضوع بحاجة إلى البحث عن أسباب هذه الكتابات التي تطل إلينا أسبوعيا، موضحا أن بعض الصحف تشجع أصحاب هذه المقالات، بل إن بعض القنوات التليفزيونية تستضيفهم بسبب آرائهم الغريبة التي تري فيها جذباً للمشاهدين .

أهمية أبو هريرة


وستبدو لنا أهمية الراوية الجليل إذا عرفنا أنه صاحب النبي عاماً وبضعة شهور والبعض يقول أكثر من عامين، ومع ذلك روى عن النبي 5374 حديثاً ، ذكر البخاري منها 446 حديثاً فقط، في الوقت الذي لم يروي عنه الصحابة الأجلاء الذين صاحبوه من البعثة حتى الوفاة ما يساوي عـُشر ما رواه أبو هريرة وحده .


فهاهو الصديق "أبو بكر" روى عن النبي 143 حديثاً وله في البخاري 22 حديثاً فقط ،والفاروق "عمر بن الخطاب" لم يرو عن النبي على أقصى تقدير 50 حديثاً، أما على بن أبي طالب الذي تربى في حجر النبي وعاش في كتفه وشهد جميع الغزوات والمعارك والمشاهد " سوى تبوك" ، روى عن النبي 58 حديثاً ولم يصح في البخاري سوى عشرين منها.


في الوقت الذي روى فيه الخليفة الراشد عثمان بن عفان تسعة أحاديث فقط ونفس العدد للزبير وعبد الرحمن بن عوف وروى خمسة أحاديث فقط وربما أقل طلحة وزيد بن ثابت وسلمان الفارسي وغيره . من هنا جاءت أهمية أبي هريرة وهو الأقل مصاحبة في سيرة النبي والأقل منزلة في العلم فضلاً عن كونه أمياً لا يقرأ ولا يكتب ومكث كذلك عامين أو أقل في صحبة رسول الله كما لا يذكر له أحد موقفاً في غزوة أو مكانة في معركة أو دوراً في موقعة سياسية وتاريخية .


الغموض العظيم


وبالرغم من ذلك يعتبر "أبو هريرة" والذي كان اسمه في الجاهلية (عبد شمس بن صخر) ولما أسلم سماه رسول الله (صلى الله عليه و سلم) عبد الرحمن بن صخر الدوسي نسبة إلى قبيلة دوس في اليمن، ولقب بـ"هريرة" لأنه كان يرعى الغنم و معه هرة صغيرة يعطف عليها ويضعها في الليل في الشجر ويصحبها في النهار فكناه قومه أبا هريرة، بالرغم من ذلك يعتبر من الشخصيات التي يختلف حولها بخصوص رواية الحديث، فبينما يرى البعض ان أبو هريرة قد عاشر رسول الإسلام عاما وتسعة أشهر أو ثلاثة أعوام حسب بعض الروايات ،يرى البعض الآخر أن الله حبب لأبي هريرة صحبة رسول الله (صلى الله عليه و سلم) وحفظ أحاديثه فكان أكثر رواة أحاديث رسول الله (صلى الله عليه و سلم) ، وحفظ للمسلمين ثروة طائلة من السنة النبوية, و قد اختاره الله لهذه المهمة الجليلة فوهبه ذاكرة قوية محققا دعوة خير البرية .


لهفة في طلب العلم


كان شغله الشاغل هو تلهفه على تحصيل العلم النبوي ، عن أبي هريرة أنه قال :{ يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ، قال رسول الله (صلى الله عليه و سلم) لقد ظننت يا أبا هريرة أنه لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث, أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا قلبه }.


روى النسائي في باب العلم من سننه أن رجلا أتى إلى زيد بن حارثة فسأله عن شيء فقال: {عليك بأبي هريرة, فإني بينما أنا جالس و أبو هريرة و فلان في المسجد ذات يوم ندعو الله و نذكره إذ خرج علينا النبي (صلى الله عليه و سلم) حتى حضر إلينا مسكنا فقال: عودوا للذي كنتم فيه. فقال زيد: فدعوت أنا و صاحبي قبل أبي هريرة ، و جعل رسول الله (صلى الله عليه و سلم) يؤمن على دعائنا ، ثم دعا أبو هريرة, فقال اللهم إني أسألك ما سألك صاحبي و أسألك علما لا ينسى ، فقال رسول الله(صلى الله عليه و سلم) آمن ، فقلنا: يا رسول الله نحن نسأل الله علما لا ينسى فقال بها الغلام الدوسي} ما يدل على شغف أبو هريرة على الاستزادة بالعلم النبوي .

وفاة الراوية الجليل


خلال حياته شهد الصحابي "أبو هريرة" حرب الردة مع الصديق أبو بكر وعلي بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه و سلم)، أخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه و سلم) قال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله تعالى, قال فلما كانت الردة قال عمر لأبى بكر تقاتلهم وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه و سلم) يقول :كذا و كذا؟ فقال أبو بكر: و الله لا أفرق بين الصلاة و الزكاة و لأقاتلن من فرق بينهما, قال أبو هريرة فقاتلت معه.






وعاش أبي هريرة 47 عاماً بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه و سلم) ، وأثناء مرضه كان يقول : (اللهم إني أحب لقاءك فأحب لقائي), إلى أن توفي بالمدينة المنورة ودفن بالبقيع سنة 57 هـ عن عمر يناهز 78 عاما قضاها في خدمة أحاديث الرسول -صلى الله عليه و سلم -.






و قد روى عنه نحو ثمانمائة رجل من أهل العلم من الصحابة والتابعين , و روى عنه أصحاب الكتب الستة و الإمام مالك بن انس في موطأه ، و الإمام بت حنبل في مسنده.


وبعد ما قرأناه وعرفناه عن رواية الإسلام " أبي هريرة" - رضي الله عنه- ، والذى ظل يحدث الناس سبعاً وأربعين سنة بعد وفاة النبي بحضور كبار الصحابة والتابعين، والذى بلغ عدد الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم ،والذين أجمعوا على جلالته وصدقه .. هل سيكون من سولت له نفسه أن يشكك فى صدق رواياته أو يسىء إليه ولو بكلمة ، أعلم من المسلمين جميعاً أئمة وأصحاباً وتابعين ومحدثين ، فهل كل هؤلاء كانوا مخدوعين فيه ، ولم يعرفوه على حقيقته ، وهل كل ما رواه كان كذباً وافتراء ... يكفينا هنا أن نقول قول الحق سبحانه وتعالى "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " الحج 46