إلى ناصر، في جميع الأحوال الجوية
[ALIGN=CENTER]إلى العزيز ناصر البلوي حيث يرقد.. [/ALIGN]
[ALIGN=CENTER].
.
.[/ALIGN]
هل تنجح في حسر ظلك من حولنا ، اللحظة المتهورة التي خطفتك من بيننا بخفة يد مستعارة لمتسول يلبس الفقر ثوبا.. أهذه هي حقيقة غيابك المفاجئ.. أن أحبو باستسلام لم يعتده مني القدر إلى يومي لأعيشه وفق ماكنت، ألست صاحب حق في بروز نتوء ولو حقير على سطح اعتيادية أيامي الجامدة..
المفاجأة .. ألا تعني شيئاً يشبه الصدمة.. أمراً يقترب من سريان الكهرباء عبر الجسد..
إذاً لماذا لا يفهم الكون ماحدث لك كما أفهمه أنا؟
الآن وأنا أتذكر لحظة وقعت عيناي على نبأ الحادث ، و التي جاءت مباغتة كلعنة .. لحظة أدركت أن ثمة ما لاينتمي إلا لميادين الهزائم التي يكيلها إلينا طعنة إثر طعنة، يتقصى نبوءاتنا ليأتي عكسها تماماً، هو بعينه ما ينظم سطور حكايتي معك، يزحزح كلماتها، يفسح مكاناً لنقطة نهايتها، نهاية تقف بينك و ماكنت تنتظره، نهاية حزينة كليل مدينتي.. وأنا لا أحتمل هذا، أنا المتورطة في كل ما في الكون من حرائق، لا أحتمل منظر مقعدك الشاغر في رحلة طويلة جمعتنا معاً، تلك الرحلة لم تنتهي بعد، و لن أصغي إليه هذه المرة، المبدع في تنظيم مسيرات سلمية للموت، نحو إضرا م المزيد من الحرائق عداءً للحياة.. أملك أن أصرخ فيه، إن الله لم يشأ للنهاية أن تكون، الله اليبعث الحرف نوراً يحب أن يرى تعانق أكفنا معاً، خلقنا جسداً واحداً لهذا لا يرغب في أن تمضي الرحلة بدونك ياصديقي.
أخبرني كيف بدت ليالي الرياض ، هل تحسست سماءها، قالوا بأن يمكنك أن ترى، رأوا عينيك تجولان المكان حولك، تتفحص وجهوهم، وأنا أجزم بأن يدين نبتت لعينيك ، فهل لمست حزن ليال الرياض، حزينة هي لأن نجوماً هجرت سماءها، فباتت مدينة بلا حراس.. فهل تشعر فيها بالأمان الآن؟
ليس لدي الكثير لأقدمه، أليس غريباً ألا نكتب إلا حين نشعر بالعجز..
أود أن أكتب إليك ما يلقي في قلبك الطمأنينة والرضا، مع اعترافي المسبق برضا نفسي المثقوب، وأرجو ألا تعتبر هذا إعلاناً مبكرا عن فشل حاصل لا محالة، فتتوقف عن القراءة.
لا أدري مقابل أي شيء دفعت هذا الثمن الباهض، بماذا تفكر، جمجمتك المثقوبة أي عاصفة تحتوي؟
قالوا أن جسدك المحموم نظيف من الجراح، غير أن أجساماً غريبة تلهبه.. هم لا يشعرون بك.. لا أحد يمكنه ذلك.. أخبرني أنت، هل تتألم ؟
مكتظة أنا بالأسئلة المزعجة، وأنت المحاصر بالأبيض، بإبرة مغروسة في حلقك، لا طاقة لك ببلاهة كهذه، لا تحتمل أي قلق إضافي تجلبه عليك أسئلة أنت وحدك من تملك إجاباتها..
لا شيء لدي، وهذا الإفلاس يقرض ماتبقى لنفسي من رضا، يمكنني تخيل بعض مما يمر بك، تلك العينان التائهتان تشبهان عيني رضيع يرى الحياة لأول مرة، تحملان الكثير ليقال، تشعر برغبة كبيرة في البوح، الكلام، الثرثرة، حواسك التي تستعيد الشعور بامتلاكها تدريجياً ترغب في ممارسة أي جنون بها، لأنك تعلم تماماً أن الجميع من حولك يترصدون لأي شيء يخرق ما عودتهم عليه منذ لحظة سقوطك.
"ناصر في جميع الأحوال الجوية"
كم مرة عليك أن ترددها لتصيرها إلى حقيقة، ليمكنك الثبوت مثل حقل سنابل أصيل تجتاحه عاصفة هوجاء، هل كنت تعلم حين أعلنتها أنك بهذا تتحدى الحياة بشجاعة نادرة ، والحياة كالبحر يكرر الأعاصير من جوفه لينفخ بها أعشاش الطيور المهاجرة إلى شواطئه الصدئة!
[ALIGN=LEFT]إمضاء : حنان الرشيد[/ALIGN]