المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طفولة (قصة قصيرة )



غارى
07-08-2003, 03:55 AM
فى الشارع المتعرج .. بين البرك الصغيرة الموحلة.. وفى مهب رائحة الفقر العطنة.. وقفت السيارة السوداء الفارهه فى تأفف .. برز سائقها يرتدى زى رمادى ذا صفين من الأزرار . فتح الباب .. هبت روائح عطرية كدرت تناغم مفردات الشارع المسكين . إنحنى السائق مادا رأسه إلى داخل السيارة ..

" لن أتأخر يا سيدى .. وأرجوك لا تفتح النافذة .. أرجوك "

أومأ الصغير بعدم إكتراث ، وعيناه مشغولتان بأشكال البيوت الغريبة .. المائلة والبارزة والمشقوقة .. .. يخفض رأسه ، ويثنى جذعه حتى يرى سطح إحداها ..أدهشته الدجاجات الواقفات على بقايا سوره المتداعى .. تلقف رغم الزجاج المغلق صوت إمرأة تصرخ وتزمجر ، متنقلة على أوتار صوتها كأمهر العازفين .. عبارات الويل والثبور تلتهم إمرأة أخرى تطل من شرفة خشبية أوشكت على الإنهيار .. إمرأة الشرفة صامته .. عابسة .. مفردات اللغة لديها لا تقوى على الصمود .. تتحرك بآلية الغضب بين جنبات الشرفة الضيقة .. تعاطف الصغير مع إنكسار تلك العجوز ، مع إنهزام قدرتها الدفاعية .. قفز من مقعده مصفقا حينما أنهت عجوز الشرفة تلك الواقعة ، بإناء القمامة فوق رأس غريمتها ..

عينان سوداوان هيابتان ترقبانه .. ويدان صغيرتان قذرتان قد إلتصقتا بالزجاج اللامع .. إرتعد لذلك المتلصص .. إلتقت الأعين البريئة الصامته .. لحظة .. لحظات مضت .. علت الإبتسامة شفتان يحملها وجه صغير قذر .. مد الصغير كفيه من داخل السيارة .. ماثلت الأخرتان .. ملئت الإبتسامات الشفاه .. إلتصق رأس ذو شعر مصفف بالزجاج ، فنطح الزجاج رأس ذو شعر مغبر مشعث ..

وإنبعث للبسمات صوت .. وعلت الضحكات ..

انفتح الزجاج قليلا ..

- أسمى محمد
- وأنا أيضا أسمى محمد

إزداد الزجاج نزولا ..

- هل تلعب يا محمد
- وماذا ألعب
- عندى حصان !

جرى الصغير نحو باب متهالك .. أحضر عصا طويلة مربوط بها مزق من قماش ..

- أنظر حصانى ..
علت الإبتسامة وجه الآخر ..

ركب الصغير الحصان .. وقفز .. وقفز .. محدثا بصوته صهيلا ، ودبيبا ..

- هل أركب معك ؟
- أنزل

ونزل .. وركب الحصان .. وتعالت الصيحات .. راحا ..وجاءا .. خاضا فى وحل الشارع.. شعرا كلاهما بأنه فارسا يتحكم فى حصان ، ولا يخاف السقوط .

- وماذا عندك غير ذلك؟
- تلعب سيجة ؟
- كيف؟
- هيا نجمع الحصى لأعلمك

الأيدى القذرة تجمع فى نشاط ، والأيدى البضة تقلدان .. جلسا فى تلقائية على الأرض .. إمتدت أصبع صغير أسمر إلى التراب يخطط ويقسم الملعب .. الحصى يأخذ موقعه على رقعة اللعب .. صرخ السائق " إمش يا شوارعى يا متشرد " .. قفز الصغيران .. إرتفع كف كبير إلى عنان السماء وهوى على وجه أحدهما .. بكى .. تساقطت الدموع .. أخذت مجرى لها عبر ذرات الغبار على الوجه الصغير ..

ودلف الآخر إلى محبسه المتحرك ..

الكف الصغير بداخلها يلوح ..

والوجه البائس فى الخارج تغسله الدموع .. !!






--------------------------------------------------------------------------------

الشمس
08-08-2003, 12:30 PM
يبدأ النص بوصف في أثنائه تتحرك أحداث القصة، وهذا الوصف يقدم لنا البيئة التي تنمو فيها الحكاية
تبدأ أيضاً مفردات المقارنة مع بداية النص..
فهاهو الفرق الأول بين "رائحة الفقر العطنة" و "روائح عطرية "
ثم الفرق بين "السيارة الفارهة"و "الشارع المسكين"
الفروق التي تليها قدمت مصحوبة باستغراب "السيد الطفل"من أشكال البيوت، الجدران المتداعية التي تستر الناس ودواجنهم معاً
المعيشة هناك لا تحتكم إلى لباقة أو "اتكيت"
كل شيء كان مدهشاً بالنسبة لطفل صغير، ودهشة الأطفال سعادتهم.

تبدأ القصة تنحى منحى آخر عندما تشارك الصغير شخصية أخرى أقرب من الشرفة المتهالكة
وتعود مفردات المفارقة تظهر من جديد بين الصغيرين أو الطبقتين..
ولأن الأطفال عادة لا يعترفون بديباجة التعارف كان يكفيهما التقاء العينين وامتداد الكفين لكي يجتازوا الحاجز .

حصان "الفقير" الذي قاد الإثنين إلى نفس الشعور مجتازاً الفروق الطبقية يخبرنا أن المتعة والسعادة ليس شرطاً أن تقترن بالمال..
هذا ما عرفه "الفقير" عندما رد على طلب "السيد الصغير" بـ (انزل)
فلماذا لم يقل أي كلمة أخرى تؤدي نفس الغرض مثل : تعال؟
هذا ما يشترطه اللعب بحصان يتكون من "عصا طويلة مربوط بها مزق من قماش "
أن ينزل من برجه إلى الشارع المتعرج حيث البرك الصغيرة الموحلة.

ويتمادى الصغيران في تلقائيتهما.. حتى يأتي السائق الفقير أيضاً يشتم ويضرب ابن شارعه المتشرد
فهل الغنى معدياً ؟
وهل ينقص الصغير الطهر كي تغسله دموعه؟



الوصف كان دقيقاً وشفاف أيضاً .



الصيغة التي كتب بها النص:
لكنت سأعتبرها صيغة عين الكاميرا
حيث الراوي يترك الأحداث تتحدث عن نفسها، كما يترك الشخصيات تعبر عن نفسها بما تقوله وماتفعله.
إلا أن مصادفتي عبارة مثل: "تعاطف الصغير مع إنكسار تلك العجوز ، مع إنهزام قدرتها الدفاعية "
جعلتني أتراجع.. فهل كانت صيغة الراوي جزئي المعرفة؟
فغالباً تستخدم هذه الصيغة للحديث عن شخصية الطفل الذي يعجز عن التعبير عن نفسه، وكذلك لوصف أي مظهر خارجي أو سلوك.

في رأيي أن الهدف من القصة كان واضحاً، كذلك موقف الكاتب
فلم يكن الهدف التعاطف بل درساً تقدمه الطفولة.

عذراً على الإطالة
وكن بخير :)

غارى
10-08-2003, 03:35 PM
( المفارقــة ) ( كما تسميها الشمس ) ، إحدى الأدوات الحرفية التى يستخدمها القاص لإبراز أو لتأكيد المعنى لدى المتلقى ( القارئ ) ، لأنها أيضا إحدى وسائل التنبيه والإثارة ..

والأدوات الحرفية كـ ( التضخيم ، والتصغير ، التضاد (المفارقة ) ، التحجيم .. وغيرها ) يستخدمها القاص تبعا لطريقة العرض ( أو ( الإطار ) ، فما يستخدم من أدوات حرفية حين الحوار يختلف عما يتم إستخدامه حين السرد يختلف حين الرمز وهكذا ..

لم أفهم أديبتنا شمس قولها ( إلا أن مصادفتي عبارة مثل: "تعاطف الصغير مع إنكسار تلك العجوز ، مع إنهزام قدرتها الدفاعية "
جعلتني أتراجع.. فهل كانت صيغة الراوي جزئي المعرفة؟ ) .. أرجو التوضيح ..

عين الكاميرا .. المقصود بها قدرة التوصيف ( وصف المشهد ) على التأثير فى المتلقى ( القارئ ) وإقناعه ..

لم ألحظ فارقا فى الحوار بين ( تعالى .. وأنزل ) ..


ولك كل الأمنيات الطيبة

الشمس
11-08-2003, 11:35 AM
ما أعرفه عن" صيغة عين الكاميرا أو القاص الموضوعي" أنها تجعل الراوي لا يسمح لنفسه بالدخول في عقول الشخصيات وعواطفها، بل يكتفي بما يشاهده بشكل موضوعي؛ أي أنه يقدم أفعال الشخصيات وأقوالها فقط، أما أفكارها وعواطفها يمكن معرفتها من خلال تلك الأقوال والأفعال.

وورود عبارة مثل: "تعاطف الصغير مع إنكسار تلك العجوز ، مع إنهزام قدرتها الدفاعية"،
تنفي ما اعتقده قبلاً . لهذا قلت بأن الراوي كان جزئي المعرفة.

..

أما عن الفارق بين (تعال و انزل)، قرأت مرة قولاً لكاتب لا أذكر اسمه يقول بأنه هناك دائماً كلمة واحدة تعبر عما تريد قوله.
وبالرغم من أن في اللغة مترادفات كثيرة، إلا أن الدلالات اللغوية تختلف ..
بالنسبة لي عندما قرأت "انزل" رأيت أنها أبلغ وأدل من تعال؛ لأن فعل النزول يكون من مكان عالٍ إلى ضده، وهذا مما يناسب توجه النص.
أحببت الإشارة إليها في قراءتي؛ لأني لمست هذه الدلالة وحسبتها في صالح الكاتب :).


كن بخير من أجلنا ':

غارى
11-08-2003, 12:02 PM
حين اللجوء لتصوير الحدث أو الشخصية من مفهوم ( الكاميرا ) فعليك إذن تسطيح الأفعال والمشاعر معا .. وأعنى بالتسطيح أن المشاعر عندئذ يمكن قرائتها مثلها مثل الأحداث أو الأفعال .. وهنا يمكن للراوى أن يوصًف المشاعر تماما كالأفعال والأحداث ، ومن ثم فإن المعرفة الجزئية التى أشرتى إليها ينتفى وجودها ..

ولكى يتم إبراز دور الكاميرا فيجب وجود تداخل بين أكثر من راو ;) ، فهناك راو خارجى ، وراو داخل الشخصية المحورية ، وراو من خلال الكاتب .. هل فهمتى ما أرمى إليه ؟ ':

ولك كل الأمنيات الطيبة

الشمس
13-08-2003, 02:57 AM
فهمت..

شكراً لك ':

أرسطوالعرب
24-08-2003, 03:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(*مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد*)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....
مساءٌ سعيد.......يا (طبيب الأدب) <== أتمنى أن تتقبل مني هذا اللقب
قرأت القصة وخرجت بنهاية وبضع أسئلة......
سأعرضها عليك ....
1- هل قوة (المعنى) في النص تلغي أهمية (المبنى) خصوصاً في المنتديات ؛ لأن البعض يقول أن المهم هو (المعنى) ؟
وهل تهتم أنتَ شخصياً في المبنى الذي تُعد به أعمالك ؟

2- أي نقدٍ يُغضبك؟ ((بصراحة تامة أرجوك))

3-لماذا لا تكتب الرواية ؟ <== أراهن بحواسي الخمس أنها ناجحة تماماً

((*إرتفع كف كبير إلى عنان السماء وهوى على وجه أحدهما .. بكى *))

صورة جميلة جداً سيدي...




وميض الإنفلات
الحياة إضاءة مُبتكرة لبعض الكلام
---------
.....:- الأمل المُقوس .......تعريف وجدته في بضاعة قديمة ولم أعرف المُعرف!!!
----------
تـ....حياتيhttp://www.mahroom.net/avatar.php?userid=3451&dateline=1034101628

غارى
24-08-2003, 11:47 PM
وعليكم السلام ورحمة الله ..

تتسائل عن قوة المعنى ، وأثرها فى البناء القصصى ..

وأقول يا صديقى أن الأصل هو ترابط البناء القصصى أو الروائى مع المعنى .. والمفروض أن يصل المعنى للمتلقى ( القارئ ) من خلال بناء ملائم وقوى .

لكن أحيانا تجد المعنى وقد إخترق القارئ بدهشة رغم كون البناء لا يبدو قويا وهذا بالطبع شئ جيد لأن ما يعنى فى المقام الأول هو كيفية غزو أعماق القارئ بما لدى الأديب من قضية .. وأسوق مثالا على وهو للأديبة الكويتية الكبيرة ( ليلى العثمان ) وقصتها القصيرة ( رسائل إلى الله ) ، فحين النظر لبناء القصة ( كناقد فقط لا يبغى سوى إبراز العيوب ) ستجد أنه قد بعد كثيرا عن أسس القص القصير وبات أشبه بأساليب الحكى ، لكن سهولة وبساطة الأسلوب والأثر الذى يتركه بداخل القارئ يجعلك لا تقوى على التفوه بحرف أمام إبداع تلك الأديبة.

- أما ما يزعجنى من نقد ': ، فأنا أخشى كل النقد بل وأفضل فى أحيان كثيرة ألا أتناوله بالقراءة:SMIL: .. لكن ما أكرهه ويكرهه عامة الأدباء أن يتناول النقد أسلوب الأديب ، فتناول الأسلوب بالنقد يعنى توجيهه لكيفية الكتابة أو أن أسلوبه الأدبى يعتريه قصور ، ولا أعتقد أن ذلك من قبيل النقد المحمود .. وقد يكون ذلك مقبولا إذا كان الأديب شابا فى بداياته.

- لماذا لا أكتب بالرواية !! .. فهذا غير صحيح ، فلى أعمال روائية منها مثلا ( الناب الأزرق ) وقد تناولته السينما المصرية ، ولعل أقرب أعمالى لنفسى رواية بعنوان ( نساء عاريات ) وتم إقتباسها من قبل مخرجة سينمائية ( أنكرت فيما بعد ذلك ) ، لتكون فى نهاية الأمر فيلم تجارى هابط.