المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحب في زمن القروض



عبدالله البقالي
06-11-2006, 06:06 PM
لم يجرؤ تلك المرة على رفع عينيه ليراها رغم انه كان يستلذ بذلك كثيرا في السابق.
لقد جلس أول مرة قبالتها على نفس الأريكة الوثيرة التي يجلس فيهاالآن.وتابع حركاتها بانتباه. وحين لسعتها نظراته، استرقت النظر إليه راسمة ابتسامة احتاج إلى وقت طويل كي يعي تعابيرها.
أصر في تلك المرة على ان تتولى هي تعبئة ملف قرضه الأول من تلك الوكالة. إذ رفض أن يتوجه إلى مكتب آخر حين حان دوره.
تمطى على الأريكة الوثيرة ولم يرد عن سؤالها إلا بعد ان نظرت إليه. سلمها بنوع من الزهو أوراقه التي كان من ضمنها صورة لحوالة عذراء ذات أرقام محترمة.
تلك الوضعية شكلت له مصدر ثقة أكدتها ملامح الموظفة وهي تطالع البيانات. وأيضا الغرض من القرض الذي لم يكن بسبب تجنب ورطة أو البحث عن مخرج لأزمة. بل كان من اجل قضاء وقت جميل على شاطئ هادئ هربا من القيض الذي كان يصهر الأرواح. وأيضا نيته أنه سريعا ما سيتمكن من تسديد الدين قبل حلول اوانه.
سألته الموظفة: كم حجم القرض الذي تنوي الحصول عليه؟
تباطأ في الإجابة. صمت وهو يخمن زاما شفتيه ثم قال لها: كم تقدرين أنه سيكفي لقضاء عطلة تمتد لشهر أو يزيد مع فتاة جميلة مثلك على شاطئ أو في منتجع جبلي بارد؟
ابتسمت و أحنت رأسها ولم ترد.
يخمن الآن أنها لم تثر في وجهه فقط لأنها غلبت مصلحتها على سخافات زبائنها. وأنها جعلت الأهم هو تعبئة أكبر قدر من الملفات للحصول على علاوة مهمة.
صمتها زاده تشجيعا للمضي في حديثه وقال:ياالله.. لم أكن لأصدق أن في وسط كهذا فتاة بهذا الجمال لا تزال تخجل.
ابتسمت مجددا وتجاهلت عبارات غزله وقالت: كم تريد؟
تهالك في الأريكة ومد رجليه إلى الأقاصي التي تمكن الوصول إليها وأجاب:طيب. مادمت سأذهب وحيدا فأظن أن عشرة آلاف درهم تكفيني.

لم يغب طويلا. حاول حين عاد ثانية أن يقنع نفسه أن دافعه الحقيقي كان من اجل رؤيتها فقط. و أن ملفه الثاني لم يكن غير تغطيةلذلك. وفي المرات التي أعقبت تلك، أكد انه أصبح مدمنا على رؤيتها. وكان ان فاتحته في النهاية.
لم يكن حبا ولا هياما. بل كان إشفاقا وعزاء. أفهمته أنه وصل الحد الذي لا يمكنه فيه الحصول على قروض جديدة بسبب تدني مستوى ماهيته. وأنها تأسف من اجله وتتفهم الظروف الحالكة التي هو مقدم عليها.
لم ينظر إليها. بل لم يشأ ان ينظر لأحد بعد ذلك. مد خطوات نائهة دون ان يكون قاصدا مكانا بعينه. وظل يسائل نفسه عن ما إذا كانت ورطته مجسدة فيها أم في السنين العسيرة التي هو مقبل عليها.

في أوج يقظته المتأخرة جدا حاول أن يلقي نظرة على المسار الذي قطعه بداية من أول قرض إلى أخر السلسلة. وجده وقتا طويلا جدا. أشياء كثيرة تغيرت أثناءه. بل وان التطور لم يطح بالأشخاص فقط، بل وغير حتى الأفكار. لاحظ ان كل ما تعلمه لم يعد صالحا. وانه اليوم من يفكر في صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.على عكس ما علمته المردسة تماما.
انقضى زمن طويل لم يشاهد فيه في رحاب الوكالة.وفي صبيحة يوم حار، شوهد في اسفل الشارع المفضي إليها عند باب مكتبة هناك. كان يتصنع الانشغال بتصفح الجرائد بينما كانت عينه لا تفارق بوابة الوكالة. لم يشا أن يكون أول الداخلين إليها مخافة ان يتحول إلى موضوع هزلي لدى الموظفين.
أثاره عنوان فعلا على صدر صحيفة منقول عن لوموند الفرنسية يفيد ان غير قليل من مواطنيه يفضلون التحول للمسيحية او إلى ملاحدة. انتابته ضحكة وقال معلقا: يالها من مسافة. إنه لا يوازيها من حيث الشساعة سوى الفرق بين حالته في قرضه الأول وحالته في أخر قرض. ثم ما الذي سيتغير؟...أغبياء


شعر أن الوكالة قد غصت الآن بالزبائن.وان الموظفين الآن منهمكين في أشغالهم.
دخل. لم ينظر لأحد. طأطأ رأسه وظل بصره لا يفارق الأرض، ولم يخرجه من شروده إلا صوت العون الذي نبهه إلى ان دوره قد حان.
رفع رأسه ليجد انه يتوجب عليه التوجه إلى مكتبها حيث كانت تنظر إليه وتنتظره
تبا. كيف أغفل هذا الامر. كان يجب ان ياخذ الوضع في الحسبان.
جلس. لم ينظر إليها. سألته: ما الأمر؟
أفهمها انه يريد جدولة ديونه. ضحكت وقالت: أهو مسار آخر جديد؟
عقب: لقد تساوى كل شئ ولم يعد هناك جديد وقديم.
سجلت المعلومات على الحاسوب. وانطلقت آلة في زعيق حاد.صوتها العنيف جعله يشبهها بوحش أحس من خلال صريره أنه يمضغ عمره وشقاء وغرق السنين.
سألته الموظفة: أين ستقضي عطلة الصيف؟
تذكر أن ذلك كان اول سؤال طرحه عيلها حين حصل على القرض الاول.لم ينظر إليها. اجاب وهو ينهض: في الكريان*

الكريان: حي مشكل من دور الصفيح .

Areej
10-11-2006, 02:25 AM
عبد الله البقالي..

القصة .. رمز !!

و لكل قارىءٍ نصيبٌ من المنظار.. يرى فيه بزاوية مختلفة!

و هنا يكمن الجمال في أي قصة ..

(الحب في زمن القروض) .. حبكةٌ عنوانيةٌ صيغت بذكـاء!!

اعجبني نصك سيدي..

و لنا الشرف بوجوده هنا..

سلمت يمناك دوما


أعبق التحايا

أريـــج

شمس البحر
16-11-2006, 01:15 AM
مشششششششششكككككور

هدى البقالي
17-11-2006, 06:38 PM
اهلين بابا


اعجبني نصك كثيرا

ما اعجبني اكثر ان اجده هنا


سلمت يمناك دوما



دمت ابي

reda1
07-01-2007, 01:37 AM
مشكور اخي عبد الله:drr05_38:

قمر الغربية
16-01-2007, 08:48 AM
مشكوووور أخوي عبدالله





:drr05_38: