المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رباعية الخبز : قصص قصيرة



عبدالله البقالي
23-08-2002, 09:56 PM
ايها الاخوة .

في هذه الرباعية ساحكي عن تطور رهان عبر عدة عقود . في كل عقد اقتنصت صورة . "الخبز الابيض" ثم "الخبز و الاحلام الوردية"
وبعدها"بين المسخ والتغيير" واخيرا "ابن المجهول " ....
النص الاول : الخبز الابيض .

ما كرهت في طفولتي شيئا كخبز الشعير . بل لم يكن الأمر مجرد كراهية , فقد اعتقدت طويلا أن مسألة الوسامة و بياض البشرة مردها الى الخبز الأبيض . و ان السواد و بشاعة الصورة مردها الى خبز الشعير وأن الافراط في تناول هذا الخبز يفضي حتما الى التهلكة .
هكذا نشأ موقفي المتصلب من هذا الخبز , موقف لم أكن أعي أني من خلاله كنت أكشف الوضعية الاقتصادية الهشة للأسرة الشئ الذي كان يغضب الوالدة , بل ويدفعها الى أعلى درجات الغضب فلا ترى من غير تغيير موقفي سبيلا لاعادة الامور الى حالها .
في البدء كانت تحاول ذلك بهدوء . تحاورني , تحاول افهامي أن حشو المعدة بخبز الشعير أفضل من تركها فارغة أو المبيت معصب البطن . وحين لم تكن تجد صدى لما كانت تسعى اليه .كانت تنظر الي بحنق ثم تصرخ في : ليتك عشت عام -البون- و لو ليوم واحد " لكن لا بأس ستعرف عنه كل شيئ عندما تكبر , الا أني أتساءل عن جدوى ما يملأون به مسامعكم في المدارس ان كانوا لا يحدثونكم عن أحداث مهمة كعام البون
تصمت للحظات ثم تضيف : وحتى لو فعلوا فلن يكون ذلك ابدا بقتامة ما عشناه.
يشدني التقديم مثلما يحدث عادة و وعندما تأكدت من استعدادي للاستماع أضافت : في تلك الايام أمحلت السماء فقحلت الأرض , طال الانتظار , امتدت الأيادي لما كان مخزونا فنفذ . وفي لحظة تغير كل شئ , وبدا و كأن الحياة حنت لبدايتها جارفة في نكوصها كل ما تم تحصيله عبر مسارها الطويل. تصور, أطنان الذهب و أموال المعمور ما عادت تساوي شيئا أمام رغيف يملأ البطن , و أراض لا يحدها البصر قويضت بحفنة من حبوب الشعير. لذلك كم غني زاد غنى وكم فقير زاد فقرا.
تصمت من جديد , تحني رأسها ثم تشير به محركة محاولة رسم حجم المعانات التي عاشتها ثم تضيف :آه يا ولد لو رأيت هيام الناس في البراري و الفلاة باحثين عن أي شئ يخرج من صلب الأرض .لو رأيت البشر الذي كان يعلو وجوههم وهم يعودون فرحين حتى ولو كانوا محملين بجذور مرة لا تستصاغ .لكنها كانت تتحول الى أرغفة تضمن الاستمرار .ولو رأيت حسرة من ضاق بهم الأفق حين لم يجدوا شيئا يملأون به أفواه أطفالهم فاحتاروا ولم يعرفوا أيضعون حدا لعذابهم بشنق أنفسهم أم يعطلون ذاكرتهم و يهيمون على وجه الأرض متناسين أن لهم أطفالا جياعا ينتظرون عودتهم .
تتوقف عن الحكي , يهيمن على المكان صمت طويل ثقيل مفعم بالحزن والألم ,يتباطأ الزمن راسما مسارا تمتد سكته على قلوب المغلوبين البائسين الذين يمتص صرخاتهم هدير حركات دواليبه العملاقة .
تتضخم خلايا الوجدان لتطل على العالم من خلال مجهر دقيق يرصد النوايا و الأحاسيس في أرحامها
ينبثق شعور من خوف مريع . خوف من كل شئ .من الحياة والموت ,من الطبيعة و الانسان .فضاء الغرفة نفسه كان يبدو حابلا بالتواطؤ ينطق بتهديد صارخ بكونه يستطيع أن ينتفض ضد سكونه ويرسل جنودا صاعقة متعطشة لشئ ما , لكن هذا الشئ سيكون حتما كالجنون , كالهلاك , كالدمار .
جنودا , بل أرواحا ستنبثق من لا شئ , لكنها في تحولها ستستعير أجساد الآباء الذين قتلهم الغم ووجوه الأطفال الذين انتهت بهم أحابيل وجشع السادة الى فائضين عن الوجود لا يستحقون لقمة من مخزوناتهم المكدسة.
ترعبني الصور , أبحث عن ملاذ , عن شئ ينتزعني من أعماقي .أنظر الى جنباتي مدركا أن لا مخرج من الورطة . التقت عيناي بعينيها . قرأت بوضوح رجاءها . ارتدت دعوتها خيبة بعد أن اصطدمت باعتذاري . ارتفعت كلماتها بنبرة مغايرة : هيا تقدم الى المائدة فأنا متعبة أريد أن أستريح .
يضيق المجال .ادفع الكلمات في حلقي فلا أستطيع , أحاول من جديد . أجهش بالبكاء فتطاوعني الكلمات و أصرخ : ولكنه يقتل يا أمي .
يعود الزمن الى حركيته على ايقاع انتفاضتها . تلوح لي الأشياء كأنما أراها من مجرة بعيدة . شئ واحد كان يتناهى الي , هدير خفقان قلبي .
كأسير مهان كنت أزحف اتجاه المائدة , أمد يدا مرتعشة دون ان أحدد لها وجهة . تصطدم به , ملمسه الخشن , تضاريسه المتذبذبة , لونه المتعفن , شذرات التبن التي تلمع بفعل انعكاس الضياء . أقتطع شدقا , أمرره بالصحن, ألقمه فمي , أمضغه ممتزجا بالمرق والدموع المالحة .أدكه بأسناني كأنما كنت أريد أن أفنيه و أتخلص منه الى الأبد .أدفعه اتجاه حلقي , تكبر الممانعة , أمضغ من جديد وأحاول ابتلاعه . تنسد المسالك لتصير لبنة لا ممر يخترقها .أتصنع الانشغال بالمضغ . تنفتح الذاكرة , يلوح لي "حمور " كلب سائق الحافلة التي تربط القرية بالمدينة , حمور في سباته المأجور الممتد من مغادرة الحافلة صباحا الى حين عودتها مساء حيث يستيقظ من نومه فجأة و يبدأ في النباح , ثم يعدو بكل قواه ليختفي خلف منعرجات الطريق الغربية و ليظهر بعد ذلك من جديد متقدما الناقلة مشكلا ما بشبه طلعة موكب .وليحوم حولها حين تتوقف بسرعة مذهلة . ترحاب كان سائق الحافلة ذو الشارب الطويل يسر له , فيتجه صحبة حمور بعد أن يترجل الى بائعة الخبز حيث يشتري رغيفا أو رغيفين أبيضين .يقطعهما و يلقي بهما الى حمور قطعة قطعة .
يلتقط حمور القطع مبرزا مهارته في التقاط الأشياء . يتجمع الأطفال مشكلين حلقة , متابعين بانتباه طقوس وجبات حمور , وكان يحدث أن يرفع عينيه و هو يضغط بفكيه القويتين قطعة من الخبز فتلتقي عيناه بعيون المتحلقين فيبدو و كأنه يقول : آسف من أجلكم يا صغار , لكن لا تغتروا , فليست كل الكلاب تحصل على خبز أبيض مثلي .
يرتفع صوت الوالدة منتزعا اياي من شرودي : لن تبارح المائدة قبل أن تنهي حصتك من الطعام .
حكم عن أي جرم ؟..مجرد قضاء ؟..ولماذا لا يروق لهذا القضاء سوى أن يتخذ هذا اللون القاتم في حين أن بوسعه أن يكون أفضل دون أن يتطلب ذلك تضحيات و لا رسوما ولا استنزافا للطاقات ولا أي شئ آخر ؟؟؟.
يتقوى الرفض داخلي . أبصق لقمة استعصى علي بلعها فيبدأ الجلد .
بقوة كانت تزجرني , وباصرار رهيب كانت تحاول استئصال جذور كنه مزعج من داخلي .لكني بنفس الاصرار كنت أستميت, أقاوم ,شئ واحد كان يتغير في , لون جلدي ..
أركن الى الزاوية , أنتحب , أبحث عن ذنب لا يغتفر ارتكبته , عن سبب يشفع للوالدة ما فعلت بي .
استدرت جهتها .بقيت مصعوقا . قرأت بوضوح هزيمتها , و أهم من ذلك الدمعة التي لم تفلح في اخفائها .اقتربت مني , رجتني أن أكف عن البكاء على غير عادتها . تحدثت بوضوح تلك المرة . اعترفت أن ليس بمقدورها أن تشتري الدقيق لتصنع الخبز الأبيض .تحدثت عن أشياء أخرى , عن الحياة , عن تكاليف العيش الباهضة .هدأ روعي فجنحت الى المصالحة , لكن شيئا مهما تغير داخلي تلك اللحظة , اذ ما عادت الدنيا واحة مستوية كما كنت أراها من قبل , و الناس ما عادوا سواسية كما كنت أراهم بل صاروا نوعين . نوع يعيش بالخبز الأبيض , ونوع لا يقوى على ذلك .
عدت الى المائدة من غير اكراه . التهمت كل حصتي من خبز الشعير و كأني بذلك كنت احاول ان التهم ما تراءى لي من صور وفوارق

عبد الله البقالي .

الشمس
24-08-2002, 10:09 AM
البقالي :)

إليك هذا السر سأهمس به لك:
كنت أقرؤك و أسأل نفسي هل سأكتب يوماً ما نصاً و أنجح فيه بالوصف كما نجحت أنت :) ؟!

....

(( ترعبني الصور , أبحث عن ملاذ , عن شئ ينتزعني من أعماقي .أنظر الى جنباتي مدركا أن لا مخرج من الورطة . التقت عيناي بعينيها . قرأت بوضوح رجاءها . ارتدت دعوتها خيبة بعد أن اصطدمت باعتذاري ))

النص تأزم من ^هنا^ وصاعداً وبت أقرأ و أكاد أن أنسى انتزاع أنفاسي من بين كتل الألم هناك!

....

هذا الطفل قد عانى فقراً وجوعاً وأمه تستصغر ما يحل به عن ماحل بهم عام البون...
ياترى هل سنشعر نحن, أو أطفالنا بحال ذاك الطفل؟!!




البقالي
دمت رائعاً مصوراً بإحساس فنان :)



الشمـــــــــس

عبدالله البقالي
26-08-2002, 03:59 PM
باستعجاله المعهود انطلق "السي علي"بعد ان أغلق باب الادارة, وانطلق سالكا الطريق الظليل المنحدر الذي يفضي الى ساحة المدرسة .
كان سؤال محير يقلقه .اذ طيلة السنوات التي أدار فيها شؤون المدرسة , لم يراها فارغة مثلما كان يراها تك اللحظة..ذلك ان كل التلاميذ بما في ذلك الذين يدرسون في الفروع المنتشرة في ربوع القرية يحضرون الى المركز لتناول وجباتهم الغذائية بالمطعم المدرسي . ولهذا حرص دوما أن يكون حاضرا لتنظيمهم حتى يتناولون وجباتهم دون حوادث . لكن هذا لم يكن حافزه الوحيد . فقد كان يستغل المناسبة و يعمد الى تصفية حساباته مع بعضهم معتمدا في ذلك على ما يشبه تقارير كان يرفعها اليه أعضاء تعاونية المدرسة , و التي كانت تهم التجاوزات التي يرتكبها التلاميذ خارج أوقات الدراسة .
كان يصنف الحالات . الذين يلعبون في الشوارع كان يضعهم في صف . و الذين كانوا ينضمون لحلقات سور العاطلين الممتد في صدر القرية كان يضعهم في صف ثان . اما الصف الثالث فكان للذين يرتادون المقاهي و يلعبون البليارد .
كان يمكن أن يتساهل مع اصحاب الصف الأول و الثاني , لكنه لم يكن مستعدا على الاطلاق لمناقشة أمر أصحاب الصف الثالث . ينزل بهم أشد العقوبات ,لحد أن بعض المستهدفين كانوا يستغلون أية هفوة في المراقبة و يطلقون سيقانهم للريح .غير أنه كان يعمل على ارجاعهم أينما وجدوا مدعوما في ذلك بدعم الآباء لقرارته وتجاوبهم معها لينتهي المطاف بقصاص مضاعف يصل حد الجلد وسط الساحة .
أما حين كانت الأمور تسير بالشكل الذي يرضيه , فقد كان ينذر نفسه لمهمة اخرى . يستعرض الصف الطويل تلميذا تلميذا . المراقبة كانت تشمل كل شئ . طول الشعر , الأظافر , النظافة , وينتهي الامر بتفقد الأزرار و السؤال عن أوضاع الأسرة . لكن ما الذي حدث اليوم .؟ سؤال كان طاغيا على تفكيره و هو يشق الطريق الظليل . ومن أبعد نقطة لاحت له منها الطباخة علا صوته جاذبا اليه الأنظار .
- ما الذي حدث اليوم ؟ أين بقية التلاميذ ؟
- لم يحدث شيئ . كل ما في الأمر أننا لم نتوصل اليوم بالخبز .
تسمر السي علي في مكانه وقال زاما شفتيه محركا رأسه : آه..هو الخبز اذن ..I لكن لماذا ؟
كمدمرة اندفع السي علي عندما يكون عادة تحت تأثير شحنة من الانفعلات الداخلية , مستغرقا في حوار يشكل طرفيه , محركا يديه بطريقة تفيد عدم الفهم لما جرى . اتجه صوب باب المطعم , وقبل أن يصله قفل راجعا اتجاه بيته . ثم ليتوقف وسط الساحة . اتجه أخيرا الى مؤخرة الصف و اختار جماعة من الأطفال مشكلا ما يشبه لجنة مهمتها أن استقبال الناقلة التي تفد من المدينة كل صباح . وحمل أعمدة الخبز التي تحملها من المدينة . لكن هذا القرار كان قد اصبح متجاوزا . اذ بتلقائية كانت قد نبعت من اعماق الجميع تشكلت عشرات اللجن , و اخذت على عاتقها أن لا يتكررما حدث اليوم . حتى ان سائق الناقلة احتار في اليوم الموالي و لم يعرف لمن يسلم الخبز . ذلك أن تلاميذ الفوج الثاني كانوا جميعهم هناك . وحين حمل الخبز بدا الأمر يشبه موكبا جنائزيا .
غير أن السي علي بدا تلك اللحظة مختلفا وهو يمر أمام التلاميذ.كان يتحدث برقة غير معهودة فيه . وفي حديثه نوع من الواساة و الأسف لما حصل . لكن هذا لم يكن ليغير شيئا . الاطفال كانوا مستعدين لأي شئ . اساءة, زجر , عقاب , ظلم , لكنهم لم يكونوا مستعدين لان يحرموا من ذلك الخبز المحمر الهش , و الجوف الناصع البياض . و لأنه لم يكن مجرد خبز .
كان ما يشبه جزاء على صبر و انتظار طويلين . سبب وحيد يجعل لاختلاف الأيام معنى في عالم ينسكب فيه الزمن بلا جدوى .عملة قوية تمكن من تشغيل أجراء يقومون بانجاز الفروض و التمارين المنزلية وتمكن من تجنب عقاب المعلم , وقد تمتد الخدمة الى داخل الفصل من أجل تسهيل عمليات الغش و النقل . وماذا كان بامكان السي علي أن يفعل وهو المهوس بزجر المخالفات لو علم بهذه التجاوزات ؟.
المعلم نفسه لم يفعل شيئا حين وقف على بعض الحالات .نظر طويلا الى اولئك المتلبسين و لم يقم باي اجراء . اعتبر أن حرمان اولئك من خبزهم كان عقابا كافيا . أما حين تأكد ان تلك الظاهرة اوسع مما اعتقد , نظر الى الجميع و قال بأسى : الذنب ليس ذنبكم , لكنه سيصير كذلك بعد حين . انما لو كنتم في مجتمع له مفهوم صحيح للمواطنة فما كان ليحدث هذا كله . لم يكن لتأتوا لا هثين من اطراف القرية لتتكالبوا على باب المطعم . وما كان الأمر يحتاج لأن تجلدوا وسط الساحة . أفضل من هذا الخبز كان سيأتيكم الى بيوتكم ...
لم يسمع الاطفال بقية ما قاله . ظلوا يتبادلون النظرات صامتين ..كيف سيأتي الخبز الى منازلهم ؟ ..أهو ذلك الخبز نفسه ؟ ..من سيحمله ؟ من سيؤدي ثمنه ؟ ماذا أصاب المعلم ؟
لكن المعلم كان هو من تساءل عما أصاب تلاميذه الذين تحولوا الى ما يشبه تماثيل . وحين شجعهم على الافصاح عما دهاهم اندفعوا متحدثين ..
ابتسم المعلم بعد ان استمع اليهم وقال : ما قلته ليس من صنع الخيال ..انها حقيقة تعيشها مجتمعات كانت أفقر منكم , لكنها تماسكت و رفضت مجتمع الأسياد ...أتعرفون "شنيور" كناس الشارع ؟ لو كان في هذا المجتمعات فانه كان سيحصل على نفس اجر الطبيب .
ازداد الامر غرابة ..كيف يتساوى شنيور كناس الشارع ببذلته الزرقاء الوسخة و وقلنسوته الباهتة الالوان , ورائحة العفونة التي تصدر منه مع الطبيب صاحب السيارة السوداء الفارهة و و الهندام الانيق و واللحية المهندسة باتقان و التي تشبه الغليون الذي يتدلى من فمه ؟
ابتسم المعلم مجددا و هو ينظر الى الوجوه التي استبدت بها الحيرة و اضاف : أنا اعرف ان منكم من لم يصدق , وهناك من لن يصدق . لكني سأوضح لكم السر .
هذا المجتمع بني على اساس ان لا فرق بين مواطنيه لا في الحقوق و لا في الأرزاق . فاذا كان الطبيب يهتم بصحة المجتمع و فكناس الشارع يهتم بنظافة المجتمع , وهكذا فمهمة الرجلينتبدوان متكاملة و لذلك كان أجرهما متساويا .
تصايح التلاميذ : أين يحدث هذا ؟
- في المجتمع الاشتراكي .
- و الاشتراكية هي هذه التي ذكرت ؟
- هي كذلك .
- و لماذا لا نقيم مثلها ؟
- هذا يتوقف على رغبتكم يوم تصبحون رجالا .
لم يعرف الاطفال كيف وصلوا الى بيوتهم بعد نهاية الحصة . هل المسافة الفاصلة بين المنازل و المدرسة هي التي تقلصت و ام أن سيقانهم هي التي طالت وصار بامكانها أن تجوب رحاب المعمور في بضع خطوات .كانوا مأسورين , ماخوذين بهذا الجديد الذي امتلكهم .الاشتراكية .هذا السحر . هذا الخلاص القادم الذي ستعبد طريقه سواعدهم حين تصير قوية .
كانوا يجرون و يجرون و ينظرون الى تلك الدنيا التي ستقبر بعد حين لتبنى أخرى على انقاضها . دنيا ليست فيها بطون متخمة و أخرى لم تجد غير الحبال لمداراةالجوع.
أحدهم دفع باب بيتهم بقوة لدى وصوله .أثار ذلك انتباه النسوة اللواتي كن متحلقات حول الفرن البدائي المنتصب فب فناء البيت المكشوف للسماء .صاح في أمه : أبشري ..لن تدوم تعاستنا طويلا ..
احدى النسوة سألته : أعثرت على كنز ؟
حرك راسه مشيرا بالنفي و و في الوقت نفسه مفيدا أن ما وراءه اهم من ذلك . سألته أمه : خيرا ان شاء الله .
لكنه كان هو من سأل : أتعرفين الاشتراكية ؟ أسمعت بها ؟
تبادلت النسوة النظرات و غالبن ضحكات اجلنها الى حين باشارة بدرت من الام التي اجابت : لا ..لا عرفتها و لا سمعت بها .
وقف الطفل ينظم خطبته و بعدها قال : الاشتراكية هي أن نهدم هذا الفرن لأننا لن نصير في حاجة اليه و لان الخبز ..آه لو تعرفين أي خبز ..I الى هنا سيأتي . وهذه الأسوار المتصدعة التي تحيط البيت لن تخيفنا , لأنه لن يصير في البلاد اناس يمتهنون السرقة من أجل اطعام ابنائهم ..
قاطعنه الام : لكن كيف سيأتي الخبز الى هنا ؟
ضرب الطفل بكفه راحة يده الاخرى وقال مخاطبا نفسه : ..انه نفس السؤال المحير ..ليت المعلم كان حاضرا .غير أنه تجاهل السؤال و قفز للبقية . وحين تحدث عن شنيور و الطبيب انفجرت النسوة ضاحكات . أحس بالمهانة و قفل مغادرا . استوقفته امه سائلة : من أين استقيت هذه الافكار ؟
اعتقد أن ذكر المعلم كان كافيا كي تقتنع الام التي تضاعف غضبها قائلة : قل لمعلمك ان يعجل بزيارة ضريح "سيدي علي بوسرغين " أو ليذهب الى مستشفى المجانين ببرشيد لعله يتعافى مما هو فيه
لكنه احتج بقوة وهو يصرخ : لكنه المعلم .
أنذاك امسكته من خناقه و قالت : أرأيت أحدا يقتحم يبتنا ويطوف في غرفه ليختار ما يروقه من اشياء و يمضي بها دون أدنى اعتبار لنا ؟
هل شاهدت احدا يقف في الطرقات مساء لدى عودة القطعان من المراعي فينتقي منها ما يروقه من أكباش وثيران ويمضي بها لذبحها دون اكتراث بأصحابها ؟
أستوقفك أحد و أنت في طريقك للمدرسة و قادك بالقوة الى حديقته لتنجز له اشغالا دون حتى كلمة شكر في النهاية ؟
أأيقظك أحد من سباتك في ليل شتوي حالك و أمرك بأن تحمل رسالة الى مكان ما بعيد و ان تعود قبل شروق الشمس محملا بالحواب ؟
أبلغ معلمك أننا عشنا كل هذاو اكثر , لذلك نحن لا نريد خبزا و لا غيره بقدر ما نطالب بان نترك لنعيش في سلام من غير ازعاج .
للكن المعلم لم ينزعج و هو يسمع لمختلف الردود . وحين استوفى الاستماع قال معلقا : آباؤكم و امهاتكم منطقيون مع انفسهم و لأنهم ينظرون للحاضر بعيون الماضي , وسيحتاجون الى وقت طويل ان امتد بهم العمر ليدركوا أن مصادرات الأشياء ما عادت تحتاج الى اقتحام المنازل او الوقوف في الطرقات . لكن أنتم عليكم ان تنظروا للحاضر بعيون المستقبل . أنذاك ستدركون أنكم لم تعوا سوى جانبا بسيطا من حرمان شامل .
ارتجت الصور او هكذا بدا الامر لعيون كانت تنظر لواقع بدا يفصح عن أشيائه و يكشف خباياه . وتحول الصف الطويل المفضي لباب المطعم الى ما يشبه قطارا يستعد للاقلاع مغادرا الصبا . وفي الخلف بدت هناك اسوار تنمو على عجل . وخلفها وقف الآباء و الأمهات وبرفقتهم السي علي يلوحون مودعين الزاحفين للمستقبل .
عبد الله البقالي

عبدالله البقالي
27-08-2002, 10:08 PM
احيي نشاطك وحيويتك التي تؤدين بها مهامك . فنجاح اي عمل يتطلب دوما تواجد اناس من طينتك ، يبذلون كل شئ في صمت دون ان يتطلعوا الى مقابل .

بخصوص ما كتبت هنا في الاعلى اقول لك كجواب تلك المقولة الشهيرة " الناس يصنعون تاريخهم ولا يدركون انهم يفعلون ذلك "

تاكدي انك ستنجزين افضل من هذا . فالابداع لا يتحدد بمنزلة و لا رتبة . يكفي ان تكون في الانسان بذور الحياة لينجز كل ما هو حي .

سأعود الى الموضوع بعد نهاية العمل .

My-Spirit
27-08-2002, 11:01 PM
أعتذر منك أستاذي الكريم
اذا كان ردي هذا سيشوه الترابط الرائع لموضوعك
ولكن ..
قرأت الخبز الأبيض
ومن ثم هذا الجزء أيضاً
ولم استطع منع نفسي من القاء التحية على كاتب مثلك

احلى سلام وأغلى تحية

وتأكد بأن الجميع ينتظر الباقي

عبدالله البقالي
27-08-2002, 11:29 PM
على مهل راح يحدق في العالم المنتصب قبالة القضبان .ومن ثنايا تفرعات تؤجج توقده الداخلي , امتدت بسائط نسجت رحابها السنون , و أحلام وردية قادته كي يشق الطريق التي انتهت به الى حيث هو الآن .
أكانت رغنته حقا الطاقة التي شحنت قواه ودفعته بلا هوادة كي يسلك ذلك المسار , أم أن انغلاق الأبواب في وجهه دفعه كي يتجه صوب الباب الوحيد الذي ظل مفتوحا ؟
يحرك رأسه بشكل ينم عن عدم التصديق , مستبعدا أن يكون عامل ما هو الحاسم في كل ما جرى , لكن ذاكرته تستطيع أن تستعيد كل الوقائع التي أفضت به الى حيث هو الآن.
كان أبوه قد مات مخلفا اياه و جوقة من البنات , و أهم من ذلك وضعية بئيسة أنهت التاريخ االطويل لاحتجاب أمه عن العالم , و الذي ابتدأ عند منتصف طفولتها حين سيقت عروسا لبيت عبد القادر المتجبر . وزواج أمه هو تاريخ أطول زواج في حياة أبيه الذي عبرت حياته سبع نساء , أنهى علاقته بهن بعبارة كان يطلقها عادة في لحظة غضب . ولئن كان قد استقر في علاقته الأخيرة مع امه , فذلك راجع لكونها أنجبيه هو , الذكر الوحيد بعد أن انتهت الولادات السابقة بهجرانه البيت الذي كان يمتد لعدة شهور .
الا أن حادثا لا علاقة له بأمور الزوجية كاد أن ينهي هذه العلاقة . ذلك أن عبد القادر المتجبر اقتحم الحي اليهودي في المدينة التي كان يقطنها أيام " العدوان الثلاثي " و أوقع العديد من الضحايا اليهود بمديته , سجن على اثرها لزمن ليس بالقصير . لكنه مع ذلك أمر الزوجة بعدم مغادرة البيت . ال انها لم تجد دافعا لذلك لكونها كانت تتوصل بكل ما كانت تجد نفسها في حاجة اليه . ولم تعرف أنه لم يكن مصدر كل ما كانت تتوصل به الا حين غادر السجن .
تنامت شكوكه وعظمت وساوسه , وكاد الأمر يصل الى نهايته . لكن تبين أنه وقف على كل الخبايا .غير لم يقدم أي اعتذار .
رحل عن المدينة , و اكتملت فرحته حين أتى هو الى هذا العالم .
ما يذكه عن أبيه شيئين . حرصه الشديد على حفظ القرآن , وهو من أجل ذلك ضاعف أجر الفقيه عدة مرات الشئ الذي دفع بالآخرين للاحتجاج كونه يدفع الفقيه للتمييز بين تلامذته . أما الشئ الثاني فهو يوم وجد أباه يبكي في غرفة مهجورة داخل البيت . جرى الى أمه . أبلغها الخبر . أمه انخرطت بدورها في البكاء دون أن تعلم سببا لذلك . جرت اليه . وحين رآهما قادمين . تماسك الرجل . سألته الزوجة بحنو و انكسار فظيع : ما يبكيك ياعبد القادر ؟
أشاح الرجل بوجهه الى الجهة الأخرى و جاء صوته مفعما بالحزن و الألم : لقد انهزم عبد الناصر .
لم تدرك الزوجة معنى لما قال الرجل , لكنها لو سئلت تلك اللحظة من يكون عبد الناصر لأجابت بأنه نبي , و أن نعجزته هي أنه جعل صخرا صلبا كعبد القادر المتجبر يبكي . ليس وحدها , جل سكان القرية الذين لم يعرفوا دلالات الحدث من خلال ما جرى , بل من خلال دموع عبد القادر المتجبر .
لكن عبد القادر بعد ذلك مات بعد أن حضر في بيته كل مظاهر الأفراح و السعادة ما لم تتحرر فلسطين ويومها ابتدأ المشكل .
تغير كل شئ .مرض أبيه امتص كل مالية الأسرة , وحين مات كان الرجل الوحيد في البيت . لم يشفع له سنه المبكر و لا نحافة جسمه من اعفائه من مسؤوليات هي من اختصاص الكبار . و اللحظات الوحيدة التي التي كانت تذكره أنه مازال طفلا هي حين كان صراخ الآخرين يعلو في وجهه.أو حين كانت السياط تصر على تلوين جسده .
عالم جديد امتد أمامه . رأى بعينيه الأشياء الجميلة تنجذب بتأثير غامض لتختفي خلف بوابة سميكة ,يمتد خلفها عالم مبهم يقطنه أناس يحتاج الى تمحيص كي يقنع نفسه أنه من فصيلتهم .وجوده بينهم كان يؤكد أنه مخلوق غريب تمرد على معادلة فما كان من مبدعه الا أن حرمه من ألوان الحياة. لكنه كان يسمح لخياله ان يعاند الحقيقة .كان يحلم أحيانا أنه من هناك .في العالم الآخر .عالم سيحرق أسماله حين يهم بالدخول اليه. سيرتدي أفخر الثياب , و أذناه ستستريح من الصراخ , و ستألف الأصوات الجميلة الحالمة .سوف لن تمتص المراعي أوقاته , و لن ينفق عمره على بيع خضراوات لا تجد من يشتريها .سيرتاح من صارخ أمه و مطارداتها الليلية حين يهرب من البيت .لكن هل من الممكن أن يحلم بأم أخرى ؟
السؤال قطع شريط حلمه .هل يكره أمه ؟
مد خطوات كأنما كان يريد أن يهرب من السؤال .قدماه قادته الى احدى حلقات السوق الأسبوعي كما تعود أن يفعل . الراوي كان بارعا تلك المرة .لكن ليست طريقته في السرد هي من جذبته .
سمع شيئا مذهلا .أفاد الراوي أن كل الحيوانات كان أصلها انسان , لكن لسوء تصرفها المتمثل في الاستهزاء من خيرات الله , فقد غضب منها و مسخها على الشكل الذي هي عليه الآن .
استغرب الأمر .وحد في ذلك امتيازا و ليس عقابا. أطلق لخياله العنان .سيطير . ستصير الدنيا ملكا له . لن ينظر بحسرة الى المسافرين وهم ينظرون من نوافذ الحافلات وهم ماضين في رحلات يجوبون فيها رحاب المعمور .لن يصير في حاجة الى مال .جناحاه ستحملاه الى حيث شاء .و ريشه سيجعله في غنى عن تلك الأسمال الرثة التي تميزه عن سائر الخليقة .سيحلق فوق البراري , سيشاهد المدن و يزور السواحل ليتأكد من أن البحر أزرق.
اقترب من الراوي و سأله : ماذا كان المالك الحزين في الأصل ؟
- لقد كان طالب علم ومن حفظة القرآن .
- ماذا فعل حتى صار كذلك ؟
- لقد توضأ باللبن .
تضاعف فرحه . الوصفة سهلة و في متناوله .لكن لماذا اختار أن يكون مالكا حزينا ؟ ربما لأنه أقل عرضة للخطر بالنسبة للطيور الاخرى مادام لا أحد يطمع في لحمه و لأنه يسمح له بالعيش بالقرب من الانسان , وهذا سيبقيه قريبا من أسرته .
أشاع الخبر بين أقرانه الذين رافقوه الى حيث ستتم عملية المسخ .صعد أعلى التلة . توضأ باللبن و أقرانه ينظرون اليه باحاسيس مختلفة .بدا ينظر الى أطرافه منتظرا تحولها الى أجنحة و الشعر الى ريش .
انفض الرفاق بعد طول انتظار . هم هو الآخر أن ينزل محبطا . لكن اعتقادا مفاده أن العملية ربما تتطلب نوعا من السرية أبقاه هناك . وسيطر الاندهاش و التساؤل على الجميع حين لم يظهر له وجود في الصباح , البعض من الرفاق كانوا ينظروت للسماء لمعرفة من من الطيور يمكن أن يكون صديقهم .لكن المسألة تحولت الى سخرية حين رآه الأطفال واقفا متأخرا بباب الفصل .و تصاعدت حدتها حين سأله المدرس : أراك مازلت انسانا . هل شاب ما قمت به خطأما أفسد المعادلة ؟
لاذ بالصمت بينما ظل المدرس مصرا على الجواب .ثم جاء صوته خافتا بعد مدة : أظن أن عملية الوضوء لم تكن سليمة .
اندهش المدرس و قال : كيف ؟
- تحلق الأطفال حولي جعلني أخجل من الاستنجاء .
انفجر المدرس ضاحكا و قال : صحيح أننا في زمن ما عاد فيه كافيا أن تكون بشرا كي تكون انسانا . لكن الانسان يبقى في الأخير انسانا , و الذي يمكن أن يتغير هو علاقة الانسان بالانسان. تعال الى هنا.
رسم المدرس نفطتين واحدة في الأعلى و الثانية في الأسفل و قال .
" هنا في الأعلى من ينعمون بالنعيم , و هنا في الأسفل من يكتوون بنار الجحيم . وهذه المسافة الفاصلة بين النقطتين تختصر كل شئ . انها ليست فاصلا مكانيا و لا زمانيا . بل هي فاصل بين من تأتيه الحياة طائعة لتعرض عليه مفاتنها , و بين من يجري خلفها بكل قواه فلا يحصل منها في النهاية الا على على القدر الذي يبقيه حيا كي يدير الدواليب التي تصنع سعادة الآخرين . بين النقطتين هناك فاصل قوامه الدساتير و البشر و الهراوات و الرصاص . سيبدو لك كل هذا في صورة حكم عادل , لكن ستلاحظ من غير عناء أن عينيه تنظر بتركيز الى الأسفل و أذنيه تنصت بامعان الى الأعلى حيث ينبه باستمرار الى المنافذ التي يتسرب منها ذلك الهواء الحار القادم من الأسفل . و يبقى ان اقول في الأخير أن هذا الحاجز ليس منيعا بما فيه الكفاية .
لم يفقه شيئا مما قاله المدرس . لكنه على الدوام كان يحس أن في ذلك شحنة قوية , بل فيه ما تعنيه شخصيا .
مرة استفاق من شروده ووجد ألأكل الذي وضعته امه قد صار باردا . بدأ يتأمله ثم سأل أمه : لماذا لم يحرم الله الفول و العدس ؟
تطاير صواب الأم و انفجرت صارخة فيه : لتحمد الله لكونك لم تمت جوعا لحد الآن , ثم ماذا ترك أبوك ؟ المعامل ؟ الشركات ؟ الضيعات ؟ البنوك ؟.....
لم يرغب في أن يسمع المزيد .بل لم يسمع بقية ما قالته .كان مأخوذا بذلك الفوران الذي كان يتدافع داخله . لم ير نقطا باردة هامدة كما رسمها المعلم على السبورة .بل رأى وجوها و حالات تنبض بالحياة . رأى صورا تفيض بؤسا و أخرى تنضح بالسعادة . رأى الفرق المروع بين من تستنفر الدنيا ساعة مولده مسترخصة كل شئ من أجل استقباله , و بين من لا يعلن قدومه سوى زغردة خافتة تقطع بزفير عميق عنوانا لعمر شقي قد بدأ .
حمل شيئا , هو نفسه لا يعرف ما ا كان .هوى به على الجدار . لا يعرف ان كان قد أصابه أم لا . لا يعرف ان أحدث به شرخا ام لا. لكن الذي يذكر هو أن شريطا امتد حول عينيه , و أن آخر لف يديه . و أنه قذف ليقطع رحلة أخرى تفاوتت فيها النقط . و التباين بينها كان كافيا ليصهر الروح والجسد .
و حين كان ينهار , كان يكتشف أنه كان يحب أمه كثيرا . و في عزلته الطويلة , كان يتمنى أن يسمع صوتها حتى لو كان صراخها القديم .
لكن وهو واقف الآن وراء القضبان , لم يأت صوتها من ذاكرته بل كانت هي نفسها ماثلة أمامه .وحين راعها ما رأت صرخت بأعلى صوتها : أين جبروتك يا عبد القادر ؟
أحس أن ماردا عظيما قد أدخل يده الى عمق جسده , وبقوة سحب كل ما فيه حتى روحه .شخص ببصره اليها . قرأ كل شئ . تأملها . ود لو يعود الزمن من حيث أتى . لو يقلص أطرافه وجسده و يعود الى صباه ليرمي بنفسه في حضنها .هم أن يخطو ا تجاهها .اصطدم بالقضبان . اقتربت منه . تحدثت بنبرة مغايرة : أنا فخورة بك أيها الشقي .
أحس أن كل شراسة الوجود تستوطن جسده .و أن القضبان تتفكك بين أصابعه . لكن مع ذلك لم يمنع دمعات ساخنة من أن تنحدر على وجنتيه . مدت اصبعا من بين القضبان لتمسحها . انها من نفس حجم الدموع التي ترقرقت في مقلتي عبد القادر المتجبر يوم انهزم عبد الناصر .
عبد الله البقالي



|

عبدالله البقالي
27-08-2002, 11:36 PM
شكرا لعبورك هذا الفضاء . ورسالتك وصلتني .


الف تحية .

عبدالله البقالي
28-08-2002, 09:35 PM
أمران كانا يشغلان بال الناس تلك الظهيرة . الكلمات القوية التي كانت تبث من مسجد القرية عبر المكبر , و السرعة الجنونية التي كانت سيارة الدرك تقطع بها الشارع المحفر .
لكن الزمن لم يكن وحده ما جمع بين الحدثين و ذلك أن الشاب المكبل داخل السيارة كان نقطة تقاطع أخرى بين من صنع الحدثين . وربما لهذا السبب كان يحس باشفاق أكبر على أولئك الجالسين في رحاب المسجد يتابعون موعظة السيد المهدي منهم على اولئك الذين تناثروا على طول الطريق و الذين كانوا يبذلون قصارى جهودهم ليتعرفوا على هوية المعتقل. لكن بالرغم من كل شئ , فقد انتابه احساس بارتياح نابع من كونه ليس وحده من خدع , و أنه لم أكثر غباء من الآخرين . غير أن هذا الشعور سرعان ما كان يتبدد حين كان يدرك أن لا سبيل لمقارنة بين خداع ينتهي بخسران شئ يمكن ان يعوض و آخر تكون حياة المرء فيه هي ما يضيع.
ينظر حواليه . يرصد حركة الدركيين الجالسين في الأمام .يستبق الزمن ليرسم الزهو الذي ستنطق به ملامحهما و هما يقدمانه لرئيسهما , و الذي من اجل الحصول على ثناء اكبر منه , سيؤكدان له أنهما لاقيا صعوبات لا تطاق , و أنهما عرضا نفسيهما للخطر من أجل القبض على هذا اللص ذي التطلعات الاجرامية الخطيرة .وعندما سيرتاب الرئيس فيما سيقولانه بعد أن يرى عمره اليافع و جسده النحيل , سينصحانه بأن لا ينخدع بمظهره .الرئيس سيهز رأسه بالموافقة , وسيشجعه صغره على مناداته بكلمات نابية ويصفعه ثم يدفع به الى الداخل وينتهي الامر بتقرير لا ينقصه غير توقيعه.
صوت السيد المهدي صار أكثر وضوحا بعد أن اقتربت السيارة من المسجد , لكن المنعرجات كانت تجعل الجمل تصل مبتورة .
انتابته رغبة في أن يولي الزمن الأدبار الى الوراء , لا ليصحح ما حدث , بل ليدخل المسجد و يطلب من الناس أن يسمعوا منه كلمة . كلمة واحدة لا غير .
يمتعض . يعب المرارة .مرارة قد تكون مفيذة الآن أكثر من أي وقت آخر , اذ ستجعل كل شئ بعد ذلك هينا .فلا استنطاقات الدرك , و لا الزنازن التي ستتلقفه بعد حين , و لا الظلمة التي ستلون عمره ستكون ذا شأن . لكن ثمة جزء من روحه يصرخ الآن و يتوسل معاندا صوت المكبر الذي كان يطغى على كل الأصوات.
صرخات باطنية كانت تكشف فراغا مهولا ابتدأ قديما حين تزحزح من رحم أمه . وتنامى حين اعتبرته مجرد عنوان لفضيحة يجب أن تطمس ,و تسارع مع تبني السيد المهدي له.
لا شك أن أمه كانت امرأة قوية , ربما تفوق شراسة السيد المهدي الذي يوصل صوته الان الى كل العالم. والا كيف قهرت احساس الامومة داخلها وتخلت عن جزء من كبدها ؟ هل كان ما سيواجهها لو احنفظت به أكبر مما يواجهه هو الآن ؟ ...
و اذا كان ذلك شيئا مقضيا فكيف عاشته لحظاتها الأخيرة معه ؟ هل ضمته لصدرها و بكت حتى بللت خرقه , وحين همت بالانصراف لم تتمالك نفسها فعادت و حملته من جديد أم أنها تسللت خلسة الى المستشفى و أودعته زاوية ما و انصرفت فرحة بالتخلص منه ؟..
ما عاد ذلك الآن مهما و لا مفيذا , و لأنها لا تستحق وقفته مهما كانت طريقة وداعها له .و لأنه عاش حياة سوية بعد ذلك .
هو نفسه لم يع حقيقته الا حين كبر . رفاقه هم من نبهوه الى ذلك .انتبه الى أنهم كانوا يخصونه بكلمات معينة بعد كل خصام . اعتقد في البدء أن تلك الكلمة شأنها شأن أي كلام يهدف منه متلفظه للاساءة الى شخص آخر . لكن ومثلما تتحول جمرة الى لهيب حارق , كبرت الكلمات. " ابن حرام "كم كره العبارة ..كم عانى و قاسى منها .. لم تكن كلمة . كانت أشبه بحصى تقذف بها بركة فتنطلق موجات في كل اتجاهات روحه . وفي عبورها كانت تدمر كل شئ سام فيها ... لم يكن يملك سوى أن يبك . بكاؤه كان يكشف أن الحضن الذي كان يلقي بنفسه فيه لم يكن دافئا .. و الأصوات التي كانت تواسيه كانت تفتقد الى الحرارة.
وحده السيد المهدي كان قادرا على تهدئة كل المنغصات . كانت أشبه بنوبات الصرع تنتابه . يطوف كل الأحياء ..يدق كل البيوت ولا يمل من الشكوى . وحين كان يعود منهكا من حربه اليومية ويتراءى له الشرخ ماثلا في عينيه كان يضمه لصدره و يبكي معه.
انه يستطيع أن يتذكر كل ذلك الآن . فهل كان السيد المهدي يفعل كل ذلك عطفا منه عليه أم أن العبارة كانت تخترقه هو الآخر و تذكره بأنه رغم كل الأمجاد التي حازها فانه كان أقل قيمة من الناس الذين يصر على التميز عنهم ما دام أن سلالته مهددة بالانقراض ؟
انه يستطيع أن يسترجع كل ذلك كما يستطيع أت يتذكر كيف أن العبارة تحولت الى ما يشبه سدا مهددا بالانهيار , و ان اليسد المهدي قدم كل شئ كي لا يحدث ذلك , المال , الهدايا , اللعب وحين كانت تبدو العبارة عصية على الاقتلاع كان يجثو على ركبتيه و يبكي .ومن ثم كان يتحول الى راشد و يتحول هو الى طفل . ومن يومذاك تعلم أن يكتم آلام جراحه من أجل راحة السيد المهدي . فهل كان السيد المهدي يقوم بكل ما يقوم به من أجله أم أنه فقط كان يبحث عن مسكن لمرض أكد له الجميع أن لا شفاء له منه ؟
لكن المعجزة حدثت بعد ذلك . وبوابة تشرده النهائي فتحتها الزوجة بابتسامة طبعتها على ثغرها جعلت حطام السيد المهدي يتماسك ليشكل قمقما يسكنه مارد عظيم . المفاجأة كانت مذهلة أفقدت اليسد صوابه و احتاج الى وقت طويل كي يسترجع وعيه , وحين استفاق هرع الى زوجة و امام البطن توقف , مرر كفيه بحذر أشبه بالخشوع ثم رفع يديه الى السماء و استغرق في دعاء طويل . دعاء لم يعرف أي أنواع الأرواح شرحت روحه أثناءه . وحين استفاق كان انسانا آخر تماما لم ير وجهه بعد ذلك . و حتى حين كان يتحدث اليه , كان صوته يأتي كصياح تحمله الريح من بعيد .
الفرحة التي سرت في البيت جعلته يحس أنه مستهدف . فكر في ان يثبت نفسه . أن يستعيد موقعه . أن يستعيد تعاطف السيد المهدي . حاول أن يعاند هواجسه . اقتحم الغرفة كما كان يفعل لكن السيد المهدي لم يكن هناك .
جاءه صوت قوي لم يسمع بمثله من قبل .: اسمع , يجب أن تستأذن في الدخول أيها اللقيط ......
لم يسمع البقية .ارتج شئ ما داخله . اضطرب النبض , انحبست الانفاس بعد أن تحول الهواء الى أحجام صلبة تدافعت لتنحصر عند منعرج ما داخل حلقه فاختنق و بدا أنه هالك لا محالة.جحظت عيناه و احمرت وجنتاه وتصبب منه عرق غريب .
لم يفكر في البكاء لأنه كان يعرف أن آخر جدار كان يحمي ظهره قد تهاوى , و أن البساط كانت قد سحبت رحابها من حوله فلم يبق له الا الموطئ الذي يضع عليه قدميه . أية خطوة كانت تعني الاستقرار في عمق هاوية لا قرار لها .
تجلد ..أحس ان خلاياه تتصلب ..أن روحه تتخلى عن ما تبقى فيها من أشياء جميلة . رفع أخيرا وجهه.سأل نفسه من منهما لم يكن هو نفسه الذي كان من قبل ؟..من الذي غيبته الأقدار و نسجت آخر على شاكلته ونذرته كي يصنع فواجع صاحبه ؟
لم يكن الجواب مهما ولا مفيذا . مد خطوات واسعة للأمام , وقبالته امتد فراغ مهول يستدعيه بالحاح للضياع.


بذلك اكون قد وضعت عملي الاخير في هذه السلسلة .

My-Spirit
30-08-2002, 10:46 PM
أستاذي البقالي ..
سلمت ..

ونحن في انتظار لسلسة جديدة ونتمنى أن لا تطول فترة الانتظار


لك أعذب تحية وسلام

الشمس
31-08-2002, 02:49 PM
أستاذي البقالي .. قرأتك وأمتعنتي قراءتك ..
لذلك قد أعود بعد وقت ومعي شيء ما يليق بهذه السلسلة
دراسة نقدية من مبتدئة مثلاً :)
عندها سوف أطلب منك تقييمها ;)

...

إن كان هناك ما أقوله الآن فهو رأيي حيال هذا العنوان :

3"- بين المسخ و التغيير"
لا أدري لماذا أراه مناسباً أكثر لأن يكون عنوان لمحاضرة أو ندوة, وليس لقصة :)

مجرد رأي ..

ولك تحية ..


الشمــــــــــــس

عبدالله البقالي
08-09-2002, 06:43 PM
انتظرت طويلا دراستك النقدية و قررت في الاخير ان ارد على بعض التساؤلات التي وردت في تعليقك .

تعرفين ان عنوان نص ما ينطلق من عدة مستويات ، وانا اخترت هذا العنوان "بين المسخ و التغيير" انطلاقا من مستوى معين . فشخصية النص كانت امام خطابين في تفسيرهما لما يجري في الواقع . واحد خرافي وهو قضية المسخ . و الثاني واقعي ويتمثل في التغيير . اي تغيير بنيات الواقع الاجتماعية . ناهيك عن خطاب اخر ضمني وهو تهكمي ساخر ، والمتمثل في رؤية تتمثل في مفارقة عجيبة . فالاوربيون او الغرب يسير دائما نحو الامام . ومن باب التهكم افهم ماذا يعني ان يقول بعض مفكريهم ان الانسان اصله حيوان . في حين نسير نحن في طريق معاكس لذلك نقول ان بعض الحيوانات كان اصلها انسا .

اختي .

مجريات النص تمضي قدما بالشخصية الى اكتشاف ان تصحيح ما يجري يمر حتما بتصحيح العلاقة التي تربط الانسان بأخيه الانسان و ليس بالتحول من بشر الى اي كائن اخر . وانطلاقا من هذه المعطيات وجدت ان العنوان يفي بالقصد .

الشمس .

عذرا على هذا الاختصار . فانا امر من ظروف غير عادية . وهذا لا يعني اني معفي من التساؤلات او نقاش ما تودى طرحه بخصوص هذا العمل .

عبدالله البقالي
08-09-2002, 07:01 PM
شكرا على متابعتك وتشجيعك .

اتمنى ان تساعدني الظروف كي اعود من جديد .

سأذكر دوما الاجواء و الاحاسيس الدافئة التي وجدتها هنا . شكرا لكم

أرسطوالعرب
13-09-2002, 04:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(*ومايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد*)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....

سيدي البقالي...

أنتظرت من جميع الطلبة إلقاء أسئلتهم كي أستوعب الدرس كاملاً...

كطالب الكرسي الأخير أطرح أسئلة من أرض الدرس وسقاية أسئلة طلاب الصف الأمامي....

فعذراً إن كانت كلماتي مبللة......

عذراً إن تماديت وبدأت في خدش أطروحتكم بتحليلي...

نظرة عامة
رباعية الخبز....رباعية البقاء والحياة....نص يفتخر به كل عربي وعلى رأسهم الكاتب نفسه..
فهذا أول نص عربي كانت عناصره الحياة...وأهدافه البقاء تحت مظلة نوائب الزمن...
فقد كذب من حسر العناصر في نقاط....فهذا أشد ظلم سيجف بعده حبر البقالي أولاً.....ثم جفاف الفكر بعد ذلك...
فدعونا نداعب أشجار الحديقة دون أن نحاول نزعها...

كانت البداية ... مع
الخبز الأبيض
وهذه حقبة وقتية - الوقت هو إحداثيات الزمن والمكان معاً - كانت أشبه ببداية كل انسان في الحياة...
كأحلام الطفولة بأن نصبح ملوكاً أو خالدين في الحياة....
أحلام قبل الدخول لمعترك الحياة أو فهم قوانينها..
وحتماً الفرضية الفلسفية أضعف من النظرية المقننة رغم أنها نقطة البداية..

فأسقط الكاتب الانسان في شخصية الطفل الساخط...
بينما كانت الأم وهي العقل الذي ينضج رويداً رويداً..
فالأم لاتحذر الطفل الرضيع....بينما ترضعه...
لذلك كان نضج العقل طرداً مع إصطدام الانسان مع واقعه وإن كان مر!!

حتى رضخ الانسان في النهاية لقوى إضطهاد الحياة له...فسلم وإستسلم للواقع
وإحتفظ بكل صرخة أو غضب أو إنقلاب في مشهد أكله للخبز الشعير وهو يلوكه لابحثاً عن طعمه...بل كي يملأ معدته بأمر عقله...
وانتهت المرحلة الأولى...



:star:بإنتظار أمر من السيد البقالي بإستمراري القبيح هذا مع بقية المراحل :)


---------
أولى أبواب الفضيلة.....تقييم الجهل
----------
ثـامـر الـحـربـي

عبدالله البقالي
13-09-2002, 08:09 PM
بلا مجاملة و لا اطراء اقول لك ان الاستنتاجات التي انتهيت اليها كانت

مدهشة . اذ ان دوافعي لكتابة هذا النص كانت تلك نفسها التي انتهيت

البها في تحليلك . و الذي ادهشني حقا هو ، ان هناك مقولة تفيد انه

في تحليل نص ما لا يفترض الوصول الى نتيجة موحدة ، ما دامت

المتلقي حرا في قراءته للنص .


ارسطو .

اقول لك بصدق انني انتظر قراءاتك لباقي النصوص .

أرسطوالعرب
13-09-2002, 11:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
(*مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد*)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....

وعودة مع ما بدأته...

وأشكر البقالي تشجيعه لمحاولاتي الرخيصة في تسلق هيبة النص..:)

"الخبز و الاحلام الوردية"

وهنا بدأ فصل جديد من حياة هذا الإنسان.....

المجتمع سلسلة هرمية....وهنا وضع البقالي بطله مع قاعدة الهرم...
فكان السي علي وأولياء الأمور من الأباء والأمهات هم الطبقة التي تعلو القاعدة...والتي تستشعر بسلطتها وتوهمها أنها قادرة على تسيير القاعدة كما تخطط له...

ولكن كل هذا التخطيط ينتعش بالفشل مباشرة حينما تتلاشى أحلام الجميع وينطق واقعهم أن الكل عبارة عن القاعدة...
ورجل خفي وحده هو الذي يعتلي هذا الهرم....
فلسفياً...أوحى لنا البقالي أن الهرم تخيله الجميع بطبقات عديدة..
ولكنه كان من طبقتين فقط!!!
قاعدة....ورجل خفي!!

السي علي كان قناع من آلاف الأقنعة التي قدمتها الحياة للناس...

السي علي كان كالوردة التي تحدث عنها الشعراء بينما هي شجيرة فقط!!!

فآخر ما قاله لسان الكاتب عن السي علي هو سؤال الألم...

((*وماذا كان بامكان السي علي أن يفعل وهو المهوس بزجر المخالفات لو علم بهذه التجاوزات ؟. *))

فكان للناس ما أرادوه من أحلام.....طالما أن الواقع لن يكون بأحلامهم..
بل هو واقع يفرضه الرجل الخفي وحده...

كتلك المنظومة التي يتبع الرئيس بها سياسة ذكية...

يجتمع بكبار أعضاء مجلسه ويقترح عليهم ما يفرضه هو !!

ثم تسرب لطهر المجتمع بذور معلم فاسد....

معلم فقد الحقيقة ....فكان كإبليس يغوي الجميع وينفث سمومه في النشأ الجديد... كي لا تورق شجرة غبائه في حديقة الطهر ...

ومع أولى خطواتنا لحياة الأحلام الوردية تعلمنا أن التناقض خلل في أي منظومة وضعية هو جزء منها!!

وكخط موازٍ لذلك.......فالخلل مقبرة للحلم الوردي....

برائع الوصف....ختم البقالي هذه المرحلة بوصف مخيف...

((*وتحول الصف الطويل المفضي لباب المطعم الى ما يشبه قطارا يستعد للاقلاع مغادرا الصبا . وفي الخلف بدت هناك اسوار تنمو على عجل . وخلفها وقف الآباء و الأمهات وبرفقتهم السي علي يلوحون مودعين الزاحفين للمستقبل . *))


:star:إعتذاري عن سوء فهم لبسني بعدد كل حرف كتبته طيلة حياتي سيدي:)

---------
أولى أبواب الفضيلة.....تقييم الجهل
----------
ثـامـر الـحـربـي

عبدالله البقالي
14-09-2002, 11:34 AM
اعترف لك بقدرتك على الغوص بعيدا خلف الحروف . واشكر لك اجتهادك في الكشف عن مضامين النص .

اخي

النص الثاني انطلق من حيث توقفت احداث النص الاول ، لتنفتح افاق جديدة او خطوات مسار كان قد تحدد من قبل .
الطفل في نهاية النص الاول كان قد وصل ا لى قناعة . وهي ان المجتمع ليس متجانسا . ووسيلته كانت فهمه انطلاقا من نوع الخبز الذي تأكله كل فئة . ومن ثم كما ذهبت في تحليلك السابق فهو قد كف عن مشاكساته لكن تحت تأثير تلك القناعة . وان امه ان كانت لا تمده بالخبز الذي يريده فلكونها عاجزة عن ذلك .
في هذا النص ، يتعمق اكثر ذلك الوعي الذي كان بسيطا . وهنا يتسلح بفكر يعتبر السلاح الذي يخاض به ذلك الصراع الذي يصطلح عليه بالصراع الطبقي . وهو الفكر الاشتراكي . فهو يدرك موقعه الاجتماعي الان . وهو قد حمل الفكر الذي سيتسلح به في خوض هذا الصراع . ومن ثم ستبدا فصول جديدة في هذا المسار التي ستكون احداث النص الثالث .

هناك اشياء اخرى موجودة في النص ، كتأثير الحمولة لكل فرد . و الدور الذي انط به كل واحد نفسه . ثم دور المثقف في مرحلة تاريخية الى غير ذلك ..

ارسطو

شكرا لك ثانية . و الى اللقاء في الجزء الثالث .